تعج المحاكم بكثير من القضايا المتعلقة باستغلال ملك الغير، أو الترامي عليه بدون موجب قانوني، فكثير من الأشخاص يستغلون أملاك أشخاص آخرين بالقوة، دون اكتراث بمبادئ الأمانة أو النصوص القانونية التي تحمي كل ذي حق، إلا أن المشكل يتفاقم حين تمر السنوات دون أن يطالب صاحب هذا الحق بحقه، حيث يتوالد الورثة في حالة وفاة الشخص المستغل..ويبقى الإثبات عبءا كبيرا على أصحاب الحق. وقضية اليوم واحد من تلك القضايا التي عمرت بالمحاكم منذ سنوات، حيث استغل المدعى عليه قطعة أرضية محادية لبيته ليست له منذ 28 سنة، وبنى بها مرآبا لسيارته بدون حق، فما هي حيتياث هذه القضية؟ استغلال جزء من ملك الغير بناء على المقال الافتتاحي للدعوى الذي تقدم به المدعي ''محمد'' بواسطة دفاعه بكتابة ضبط هذه المحكمة بتاريخ 2007/02/02 والذي يعرض فيه أنه يملك قطعة أرضية، تبلغ مساحتها 443 مترا مربعا والمجاورة لقطعة المدعى عليهم، الكائنة بعمالة تمارة الصخيرات، وأن المدعي عليهم قاموا باقتطاع 60 مترا مربعا من قطعته المذكورة وشيدا فوقها مرآبا دون إذنه أو موافقته ملتمسا الحكم بإفراغ المدعى عليهم من المرآب المشيد فوق عقاره ذي الرسم العقاري المذكور، والإذن له بهدمه وتخلي المدعى عليهم عن القطعة الأرضية البالغة مساحتها 60 مترا مربعا، وذلك تحت غرامة تهديدية قدرها 1000 درهم، عن كل يوم تأخير عن التنفيذ وبأدائهم له تعويضا مسبقا قدره 5000 درهم مع النفاذ المعجل، والحكم بإجراء خبرة عقارية من أجل تحديد الأضرار اللاحقة بعقاره نتيجة بناء المرأب، وتحديد واجبات وقيمة حرمانه من استغلال جزئه المسلوب منذ 1984 إلى سنة 2007 مع حفظ حقه في تقديم مذكرة مطالبه المدنية ومرفقا مقاله بشهادة عقارية للملك موضوع الرسم العقاري مسلمة من طرف المحافظة العقارية بتمارة، تصميم طوبوغرافي للملك مسلم من طرف مديرية المحافظة العقارية والأشغال بالرباط في 1993/12/,07 وتقرير خبرة. وبناء على مذكرة المدعى عليهم بجلسة 2007/10/31 التي ورد فيها بأن المرآب مشيد فوق أرضهم، وإنه وإن كان هناك تجاوز فإنه بناء على رخصة إدارية، موضحين أن عدم إدخال المهندس والسلطة المرخصة بالبناء يتعين معه عدم عدم قبول الدعوى على حالها ملتمسا أسا عدم قبول الدعوى والتصريح برفضها واحتياطيا الأمر بإجراء خبرة لتوضيح الأمر. وبناء على المذكرة المدلى بها من طرف المدعي بواسطة دفاعه بجلسة 2007/11/07 والتي ورد فيها لا حجة لهم في كون المرآب مشيد في أرضهم، ملتمسا رد جميع دفوعات المدعى عليهم. وبناء على الحكم التمهيدي الصادر في 2007/11/21 والقاضي بإجراء خبرة عقارية على العقار موضوع النزاع، والتي عهد بها إلى الخبير محمد الطواهري والذي خلص في تقريره على أن المرآب مشيد على مساحة 35 متر مربع من أرض المدعي حسب شهادة المهندس الطوبوغرافي. تقرير الخبرة بناء على مذكرة المستنجات بعد الخبرة التي تقدم بها دفاع المدعي بجلسة 2008/11/19 والتي جاء فيها أن تقرير الخبير يؤكد ملكية المدعي للقطعة المشيد فوقها المرآب على مساحة 35 متر مربع، ملتمسا الحكم بقبول تقرير الخبرة والمصادقة عليه، وإفراغ المرآب المشيد على مساحة 35 متر مربع وفق ما هو مدون في تقرير الخبير والحكم على المدعى عليهم بأدائهم في طلب التعويض عن الاستغلال. ولم يدل المدعي بما يتبث أن الجهة المدعى عليها من قامت ببناء المرآب، وما إن كان هذا الخطأ صادر من جهتهم عن سوء نية، أم راجع للجهة المختصة بمنح تصاميم البناء الشيئ الذي يكون معه هذا الطلب غير مقبول شكلا. وللتأكد من ادعاءات المدعي بخصوص تشييد الجهة المدعية واستغلالها للمرآب، أمرت المحكمة بإجراء خبرة مقاربة عين للقيام بها الخبير والذي خلص في تقريره المودع بكتابة الضبط بتاريخ 2008/9/29 إلى أن المرآب المستغل من طرف المدعى عليهم، يوجد بالرسم العقاري الذي يملكه المدعي، معتمدا في ذلك على شهادة المهندس الطبوغرافي. ودفعت الجهة المدعى عليها بأن التقرير أعلاه جاء ناقصا لاعتماده على شهادة مهندس طبوغرافي يعمل لصالح المدعي، هذا بالإضافة إلى أن هذه المحكمة لا ترى ضرورة لإعادة إجراء خبرة مضادة، وإرجاع التقرير للخبير، مادام أن المدعى عليهم أنفسهم صرحوا في مذكرتهم المؤرخة بجلسة 2008/12/17 بأن الأمر يتعلق بغلط لم يصدر عنهم. وأن الخطأ لا يورث، وهذا التصريح يفيد أن تواجد المرآب الذي يستغلونه على أرض المدعي هو مجرد خطأ لم يصدر عنهم، وإنما من الغير، وبالتالي فلا مجال لإجراء خبرة أخرى، خاصة وأن تصريح المدعى عليهم هذا سيجعل المحكمة تستأنس بالخبرة المنجزة وبما جاء بها من معطيات تقنية تعويضا للمدعي على سبيل التضامن بما قدره 336 ألف درهم مع النفاذ المعجل . وبالتالي، قضت المحكمة الابتدائية بتمارة بالتعويض عن الاستغلال، وبالحكم على المدعى عليهم ''الورثة'' بإفراغ المرآب المشيد فوق عقار المدعي. *** تعليق على الحكم.. توفيق مساعف، محامي بهيئة الرباط : الملكية حق دستوري لا يجوز المساس به إلا طبقا للقانون إن الإنسان مجبول عن حب التملك، والتصرف فيه بكل حرية ومسؤولية قصد الانتفاع به في عاجله وآجله، والقضية العقارية التي نقاربها بالتعليق والدراسة، تتمحور حول الحقوق المترتبة عن الملكية و الحماية القانونية و القضائية التي تتمتع بها. قضت المحكمة بإفراغ المدعى عليهم بسبب الاحتلال بلا سند ولا قانون، مع الإذن للمدعي بهدم البناء العشوائي الذي شيده المدعى عليهم فوق عقار المدعي، مع رفض التعويض عن الضرر الذي ألحقه المدعى عليهم بعقار المدعي بسبب عدم ثبوت سوء نيتهم، أو قيامهم بتشييد البناء العشوائي، أو عدم مسؤولية الجهة المختصة بمنح تصاميم البناء. ومن يستقرئ هذا الحكم، سيتبين له بوضوح تام، أنه يتضمن عدة تناقضات توحى بانعدام الدقة، والتحقيق القضائيين والارتباك، وعدم تطبيق القانون عند البت في المنازعة. فمن جهة ثبت للمحكمة قيام المدعى عليهم باحتلال جزء من مساحة العقار المملوك للمدعي وتشييدهم بناء عشوائيا عبارة عن مرآب للسيارات بدون إذنه، أو موافقته لكون العقار محفظ ومحدد المساحة، فقضت بحق بالإفراغ والهدم، بيد أنها من جهة أخرى، رفضت الحكم للمدعى بالتعويض رغم ثبوت الضرر والمتمثل في الاحتلال المدعى عليهم، واستغلالهم لعقار العارض مدة تزيد عن 82 سنة، وتشييدهم بناء عشوائيا به، واستعماله والانتفاع به، وحرمان المدعى من البناء فيه واستعماله واستغلاله والانتفاع به، بل وعدم استجابتهم لكافة المساعي الحبية الحميدة المتوسل بها معهم، ثم اضف الى ذلك تحمله المصاريف القضائية واتعاب المحامي والاضرار المعنوية و المادية الاخرى المترتبة عن ذلك ، بتبريرات غريبة وشاذة، لا تستقيم امام المنطق و المقتضيات القانونية المنظمة لاستحقاق التعويض عن الضرر، بل ومع الحس القضائي الذي يتمتع به القضاة المتوسطى الذكاء. إن المدعى عليهم أقروا بتشييدهم للبناء العشوائي، واستغلالهم له بدليل تواجد سيارتهم به لحد الساعة، وعدم إثباتهم توفرهم على رخصة لهذا البناء، مما يثبت معه قيام سوء النية، هذا بالإضافة إلى ثبوت ارتكابهم للخطأ والضرر في حق المدعي، وبالتالي يكون الحكم برفض طلب التعويض مجانبا للصواب، وخرقا سافرا للقانون، وخاصة الفصول 77 و 87 و 89 من قانون الالتزامات و العقود الذي ينص على أن مبادئ العدل و الإنصاف تقتضى البت بصفة استعجالية في قضايا الاحتلال للحقوق العينية و الشخصية بدون سند ولا قانون، بل وتدخل وكيل الملك لرفع الضرر وإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه، وتحميل المعتدى وزر أفعاله، وذلك بأداء تعويض يناسب الأضرار المادية و المعنوية التي أحدثها للمتضرر حتى يرتدع ويكون ذلك عبرة وزجرا للغير.