تعيش فرنسا، بلد الحريات والأنوار، وبلد القانون والحقوق؛ منذ مدة على إيقاع فضائح فساد الحَكامة بكل أنواعها. فما يكاد ملف يغلق حتى يتم فتح ملف مُنْتَنِ الرائحة مثله. فمن قضية الشركة الوطنية، إلى قضية ويرث بيتانكور، مرورا باستهلال ساركوزي لفترة رئاسته بقضاء عطلة جديرة بالعُطل الباذخة لطغاة جمهوريات الموز بالبحر الأبيض المتوسط على ظهر يخت في ملك صديقه المليارديرفانسون بولوري، والصعود السياسي المباغت لابنه الشاب، وبالمحاكمات التي تعرض لها أو كاد مسؤولون سابقون، والتي اعتبرها البعض تصفيات لحسابات قديمة مع منافسين سياسيين تجرؤوا على الدخول مع ساركوزي في منافسة ديمقراطية، تماما كما يجري في الدول المتخلفة التي يرأسها رؤساء خالدون يعاقبون بالسجن كل من سولت له نفسه وضع رأسه برأس الرئيس والتقدم مثله للانتخاب. معروف أنه حيثما وُجد المال العام وبجانبه الاستبداد السياسي، وجدت كذلك المحسوبية والرشوة والفساد المالي والسياسي وجميع أنواع الفساد. والرئيس الفرنسي الجديد، منذ أن دخل إلى الإيليزي رافقته انتقادات من العديد من الملاحظين تأخذ عليه نزعته الاستبدادية في الحكم ومحاولاته تحويل النظام الرئاسي الفرنسي المحكوم بمنهجية ديمقراطية إلى نظام متمركز حول شخص الرئيس. كما لوحظ عليه محاولاته التحكم في وسائل الإعلام بجميع أنواعها مكتوبة ومرئية ومسموعة، تماما مثلما هو الوضع في دول التخلف والاستبداد بقصد التحكم في إخفاء تداعيات الاستبداد التي هي الفساد بكل أنواعه. ولكن منذ أن قررت مجموعة لوموند ومعها عدد من الجرائد الانفكاك من هذه القبضة التي كادت تحيطها، والعودة إلى الاستقلال في قرارها بالاستقلال في تمويل نفسها، أخذت روائح الفضائح الفرنسية تطفو على السطح، وليست مهزلة مشاركة منتخب الديكة في كأس إفريقيا بعيدة عن أن تكون من تداعيات التسيير الاستبدادي في القمة الذي يؤدي إلى الفشل في كل مواقع الدولة وجبهاتها. الفرق إذن بين الاستبداد التام في دول التخلف والطغيان والاستبداد في دول تَطَبَّعت على أساس نظام ديمقراطي متفتح، هو أن تداعيات الفساد في الأخيرة سرعان ما تطفو على السطح بفضل هامش الحريات الواسع وبحكم سيادة القانون واستقلال القضاء، فيتم بسرعة تقويم المعوج والرجوع إلى الصواب، ولذلك تظهر الفضائح على العلن. أما في دول التخلف والاستبداد المتمكن فلا يجرأ أحد على فضح تداعيات الاستبداد.