على الرغم من قلة القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى للسمعي البصري الهاكا تجاه عدد من الإذاعات الخاصة في الوقت الذي تناسلت فيه وقائع عدم احترام الكثير منها لمقتضيات دفتر التحملات التي ينظم عملها وسقوط بعضها وراء الربح واللهاث نحو رفع نسب المستمعين دون اعتبار للقيم والقواعد الأخلاقية والمهنية الحاكمة للإعلام. رغم ذلك فقرارا الهيأة الصادران في مستهل الشهر الجاري والخاصان بمعاقبة برنامجين إذاعيين يستحقان وقفة خاصة؛ القرار الأول يتعلق ببرنامج بصراحة الذي تبثه الخدمتان الإذاعيتان راديو بليس مراكشوراديو بليس أكادير؛ الذي لم يحترم في حلقة الاستغلال الجنسي للأطفال التي تم بثها يومي 09 و13 أبريل 2010 حقوق الطفل كما هي متعارف عليها دوليا، ولم يراع السلامة الجسدية والنفسية للطفل بسبب إقدام منشط البرنامج على إيقاظ طفل تعرض لاستغلال جنسي من النوم على الساعة الحادية عشرة ليلا، واستجوابه ومطالبته بسرد كل التفاصيل المتعلقة بعملية الاستغلال الجنسي الذي تعرض له بطريقة مهينة لكرامته، دون مراعاة وضعيته النفسية الصعبة، وذلك في نص قرار رفيع من ناحية الصياغة القانونية ، ويتعلق القرار الثاني بحلقة برنامج ماك مارس الذي بثته الخدمة الإذاعية راديو مارس يوم 31 ماي ,2010 والذي تضمن تصريحا لهشام عيوش، قال فيه إنه يتمنى أن يكون رئيسا لجمهورية المغرب و بحسب ما جاء في نص القرار فإن ذلك اعتبر إخلالا بثوابت المملكة المغربية ومقدساتها كما هي محددة في الدستور وعلى ضوء تقررت عقوبة مزدوجة نظرا لعدم التحكم في البث الذي أدى إلى الإخلال الذي تم تسجيله في حلقة البرنامج. من خلال الحيثيات التي بنى عليها المجلس الأعلى للسمعي البصري القرارين؛ يبدو أن الأمر يتعلق بإخلال واضح بالمقتضيات القانونية وبدفتر التحملات التي تعهدت بها هاتان الخدمتان الإذاعيتان، ومن خلال الاعتراف الذي قدمته الخدمة الإذاعية بخطورة الموقف الذي عبر عنه هشام عيوش، إذ بثت بلاغا باللغتين العربية والفرنسية اعتبرت فيه تصريحات ضيف الحلقة لا مسؤولة ولا تحترم مقدسات المملكة المغربية، بل وأقدمت على توقيف برنامج ماك مارس . من خلال كل ذلك، يبدو أن هذين القرارين يعتبران خطوة إيجابية في ترشيد المشهد الإعلامي، وتحصينه من كل الممارسات التي تريد أن تعبث بالقيم الدينية والثوابت الوطنية، وتعرض الكرامة الإنسانية، خاصة كرامة الطفل، للاستهداف. وهي خطوة تحتاج إلى أن تتعزز بخطوات أخرى، تفرض سلطة القانون واحترام مقتضيات دفاتر التحملات التي تم الالتزام بها من قبل المتعهدين، لاسيما في ظل الاستهدافات والاختراقات القيمية الخطيرة التي باتت تهدد النسيج المجتمعي المغربي. من الواضح أن قرارات من هذا النوع، وعقوبات بوقف برامج معينة لمدة محدودة أو مطلقة، مع تكبيد الخدمات الإذاعية غرامات مالية، من شأن ذلك أن يدفع المتعهدين في المجال السمعي البصري إلى مضاعفة مراقبة البث، والتزام المقتضيات مع ما تم التعهد به في دفتر التحملات، خاصة ما يتعلق منها بالثوابت الدينية والوطنية وما يتعلق بحقوق الإنسان وكرامته. وفي المقابل، يبدو أن التساهل في مثل هذه الاختلالات الكبيرة من شأنه أن يدفع بعض المتعهدين إلى إبطال مفعول كل المقتضيات القانونية، والقفز على دفتر التحملات، وتكرار نفس الاختلالات التي سبق وأن سقطت فيها. المثال في ذلك واضح، فمنذ سنة 2007 لم يسجل المجلس الأعلى للسمعي البصري أي قرار من هذا النوع، فمنذ أن اتخذ قرارا يتعلق ببرنامج بث حر جيقْم فَّمَم الذي تبثه إذاعة هيت راديو في نونبر2007 بسبب تضمن حلقات البرنامج لاستخفاف غير مقبول في معالجة المتعهد للمواضيع المثارة، ومس بكرامة بعض المشاركين، وعن استهانة بالتأثير المحتمل لهذه النقاشات على المستمعين عموما وعلى المستمعين الشباب لم يصدر أي قرار إلا في هذا الشهر من هذا السنة، وهو ما أعطى إشارة للبعض بإمكانية المعاودة، وهو ما حصل بالفعل بالنسبة لهيت ردايو التي تتحدث بعض وسائل الإعلام عن وجود ملف أغنية مومو بوصفيحة قيد الدراسة لدى حكماء المجلس الأعلى السمعي البصري للنظر فيما تتضمنه من إيحاءات جنسية وصلت إلى درجة الحديث عن العضو التناسلي.هناك حاجة اليوم إلى دعم وحماية مثل هذه القرارات من قبل جميع مكونات المجتمع المغربي، وفي مقدمتهم الجسم الإعلامي، لأنها في البدء والنهاية تعزز دولة القانون، ودولة المؤسسات، وتعزز ثقافة احترام المتعهدين لالتزاماتهم التي قطعوها على أنفسهم في دفتر التحملات الذي يتم توقيعه، ولأنها ترشد المشهد الإعلامي وتجعله منسجما مع القيم والأخلاق والثوابت التي تحترم قيم الجمهور وتحمي الناشئة. وفي المقابل، إن وضع المجلس الأعلى السمعي البصري على فوهة الاستهداف والاستنكار، على خلفية هذه القرارات، من شأنه أن يعزز الفوضى ويضعف سلطة القانون، وقوة المؤسسات، ويجعل الثوابت الوطنية والدينية والدستورية واللحمة المجتمعية عرضة للاستهداف المباشر باسم تأويلات مغلوطة ومخادعة لمفهوم الحرية والانفتاح.