كشف تقييم التصريح الحكومي عن تضارب في وجهات نظر الفرقاء السياسيين، فباسثتناء حزب الاستقلال الذي يقود الحكومة، والذي يعتبر أن التصريح كان شاملا ومتوازنا وإيجابيا، ذهبت أغلب الفرق سواء تلك المشاركة في الحكومة أو المعارضة لها إلى توجيه انتقادات قوية للتصريح. ففي حين اعتبر العدالة والتنمية أن التصريح كان عبارة عن تقرير ولا يرقى إلى تصريح ذي هوية سياسية، مؤكدا فشل الحكومة في الالتزام بوعودها كما اعلنت عنها منذ تنصيبها في أول تصريح لها أمام البرلمان، انخرط الاتحاد الاشتراكي المشارك في الحكومة في حملة النقد، واعتبر حسن طارق القيادي به أن التصريح الحكومي يعكس أزمة هوية سياسية لحكومة عباس الفاسي، مشيرا إلى أن التصريح كان عبارة عن تجميع لأنشطة قطاعات حكومية دون أن يحكم تلك الأنشطة ناظم أو رابط. أكثر من ذلك، أكد عبد الله بها، نائب الأمين العام للعدالة والتنمية، أن الحكومة مسؤولة دستوريا وسياسيا عن العبث السياسي الذي تعرفه الحياة السياسية المغربية منذ مجيء الأصالة والمعاصرة، والذي اختار مهاجمة الجميع حكومة ومعارضة، جعلت البعض يحذر من العودة إلى خطاب الحزب الوحيد، الذي يحتمي بمؤسسات الدولة، لتوجيه الضربات في كل اتجاه. وهو الرأي الذي أكده حسن طارق من جهته، بالقول إن الحكومة لم تكن لها الجرأة على محاربة الفساد والمفسدين، وفيما يلي نص ثلاث حوارات مع قياديين حزبيين، حزب يقود الحكومة، وآخر يعارضها وثالث يقف بينهما: عبد الله بها (نائب الأمين العام للعدالة والتنمية): المشكل يكمن في غياب رؤية مندمجة تتكامل فيها السياسات كان لافتا للنظر مهاجمة حزبكم من قبل الأصالة والمعاصرة، في حين أن المناسبة هي لمناقشة التصريح الحكومي الذي تقدم به الوزير الأول، ما تفسيركم؟ الأصالة والمعاصرة منذ مجيئه إلى الحياة السياسية المغربية وهو يهاجم العدالة والتنمية، فمشروعيته يؤسسها على معارضته لنا، معنى هذا أنه في كل مناسبة سياسية، وحتى بغير مناسبة، فهو يستغلها من أجل مهاجمة حزبنا، والسقوط في الحديقة الخلفية دائما كما يقال. وما معنى ذلك؟ ليس له أي معنى، فما يقوم به هذا الحزب ليس بجديد، فهم خرجوا للمعارضة من أجل معارضتنا، وليس من أجل معارضة الحكومة، ولهذا لم يسبق لهم مثلا أن صوّتوا ضد أي مشروع قانون في البرلمان طيلة الولاية السابقة. بدا التصريح الحكومي جد مفكك ومهلهل، هل السبب في ذلك يرجع إلى غياب الرؤية السياسية الحاكمة لما ورد فيه؟ إن جوهر المشكل بالنسبة للتصريح يكمن في بنيته، إنه يبدو مثل تقرير للأنشطة وليس له هوية تصريح سياسي، كل ما في الأمر أنه قد تم تجميع الأنشطة التي قامت بها القطاعات الحكومية، ثم تقديمها في شكل تصريح، وفي الحقيقة هو تقرير أكثر منه تصريح، لأنه لا توجد فكرة ناظمة له من الناحية السياسية. في تدخلكم بمجلس النواب، حمّلتم الوزير الأول المسؤولية السياسية عن الخلط القائم في الحياة السياسية وكأن الحكومة هي المسؤولة عن هذا العبث كما يسميه البعض؟ الحكومة هي المسؤولة سياسيا عما يقع، وهذا واضح في الدستور، ولكن هل هي تتحمل المسؤولية في الواقع أم لا، هذا شيء آخر. ولكن الدستور يُحمل الحكومة المسؤولية عما يقع أمام الملك وأمام البرلمان، وبالتالي فهي مسؤولة عن السياسات التي تنفذ في البلاد، وحتى عندما يعلن جلالة الملك عن مبادرات أو يطلق توجيهات، فإن تنفيذ كل ذلك يقع على عاتق الحكومة، فهي التي تنفذ، فالمبادرة الوطنية للتنمية البشرية هي مبادرة ملكية، لكن الذي ينفذها على الأرض هي الحكومة. لكن هناك من يتهم الحكومة بأنها تختبئ وراء مبادرات ملكية تنسبها لنفسها؟ أن ننتقد الحكومة بأنها لم تبادر هذا شيء آخر، وأنها تنفذ مبادرات سواء كانت ملكية أو حكومية، فهي في كلا الحالين مسؤولة عن التنفيذ، وبالتالي فالأداء الحكومي يكون موضوعا للمساءلة والمحاسبة. في موضوع الهوية، تقول الحكومة إن الانتقادات كانت مجرد عبارات إنشائية، وأنه في التصريح لا يمكن قول كل التفاصيل؟ لننظر إلى ما أنجز في الواقع إذن، حتى يتأكد للمتتبع ما إذا كان ما نقوله غير دقيق أم هو عين الصواب، ففي التصريح الحكومي الذي قدمه الوزير الأول بعد تنصيب الحكومة، تحدث عن تعزيز دور ومكانة اللغة العربية مثلا، السؤال اليوم والحكومة في منتصف الطريق، ما الذي تحقق من هذا الهدف، وأين يتجلى هذا التعزيز في الواقع، وما الذي أنجزته الحكومة سواء في الإعلام أو التعليم أو الحياة العامة؟، لن ينكر أحد أنه في الإعلام مثلا هناك اكتساح للدارجة على الفصحى، وفي التعليم هناك دعوات لأن تصبح الدارجة في مكانة اللغة العربية، وحتى التراجع عن التعريب في التعليم الثانوي التأهيلي بالنسبة للمواد العلمية على الأقل، كما أن التساؤل جدي وملح بخصوص مصير أكاديمية محمد السادس للغة العربية، إن القضية إذن ليست عبارات إنشائية بل قضية جدية ومصداقية للحكومة أولا في مدى التزامها بما أعلنت عنه. وعليها اليوم أن تجيب بدقة عن ماذا أنجزت في الواقع لتعزيز اللغة العربية في الحياة العامة مثلا. وقس على ذلك بالنسبة لملفات أخرى تتعلق بمسألة الهوية. إن تقوية المرجعية الإسلامية بقيت كلاما مجردا لا يسنده أي شيء في عمل الحكومة، فالمغاربة مثلا ينتظرون بلهفة الإعلان عن بنك إسلامي أو الترخيص بتأسيسه، لكن لا شيء تحقق من ذلك، بل إن التمويلات البديلة التي أعلن عنها منذ سنوات نجد دعمها من قبل هذه الحكومة ضعيفا ولا يرقى إلى المستوى المطلوب، وكذلك الأمر بالنسبة للزكاة التي هي ركن أساس في الدين، لكن ليس لها إلى اليوم صندوق أو مؤسسة وطنية تشرف عليها. وزد على ذلك قضية اللغة الأمازيغية التي تعاني من إشكالات على مستوى التطبيق والتدريس والإعلام. ما نقوله ليس إنشاء بل محاسبة للوزير الأول على ما ورد في التصريح الحكومي منذ تنصيب هذه الحكومة، ونجد أن التصريح الحكومي الجديد لم يقنعنا بأي شيء. بالنسبة لكم، أين يكمن جوهر المشكل بالنسبة للأداء الحكومي؟ أنا أتصور أن المشكل يكمن في غياب رؤية مندمجة تتكامل فيها السياسات، ولذلك تجد الأداء في القطاعات متفاوتا دون خيط ناظم، بل يصل أحيانا إلى التعارض فيما بين السياسات القطاعية، والسبب هو غياب مخطط وطني، بحيث تكون السياسات الحكومية منضبطة له، وهذه مسألة نص عليها الدستور؛ لكن لا أثر لها في الواقع. والمخطط الوطني تنبثق منه قوانين إطار تنظم عدة مجالات في الوقت نفسه، فمشروع المغرب الأخضر في الفلاحة على سبيل المثال، وهو مشروع كبير، ليس هناك أي إطار قانوني ينظمه إلى حد الآن، ولم يُصادق على أي إطار قانوني في البرلمان بخصوصه، بل حتى القوانين التي تؤطر المشروع يتم تصريفها بالتقسيط. إن غياب الرؤية المنسجمة والمندمجة، وغياب المخطط الوطني، وغياب القوانين الإطار التي تنظم وتحكم السياسات والتوجهات الكبرى، ثم القوانين التي تفصل وتنظم تلك المشاريع على مستوى التنفيذ، هذه الخطاطة كما شرحتها غير موجودة. والنتيجة اليوم هي وجود مبادرات ومشاريع لم يتضمنها التصريح الأول، لكن أوردها التصريح الجديد، وهي مشاريع مهيكلة، وتتطلب إمكانات كبيرة جدا. ومن جهة أخرى، هناك مبادرات ومشاريع سبق أن أُعلن عنها في التصريح الأول لكن لم تنفذ ولم يتطرق إليها التصريح الجديد الذي قدمه الوزير الأول، هذا يدل على وجود ارتباك واضطراب في الحكامة بهذا البلد. هل يمكن تفسير الضعف في الأداء الحكومي بما يسميه البعض العبث السياسي في المغرب؟ هذا ما قلناه في تدخل الفريق ردا على التصريح الحكومي، إن المشكل بالنسبة لبلادنا هو الضعف في الحكامة، وليس في الموارد المالية ولا الموارد البشرية، وعندما نؤكد على الحكامة، نشير بذلك إلى التعثر في ثلاث قضايا كبرى: تتمثل الأولى في الديمقراطية، فالناظر للواقع السياسي في المغرب، وكيف تجرى الانتخابات، وكيف يؤسس حزب ثم يصبح الأول في المغرب في ظرف قياسي، لن يفهم أي شيء. والثانية في الشفافية، وهذه مسألة تكاد تكون مفقودة في التعامل مع الأموال والاختصاصات. أما الثالثة فهي المحاسبة وسيادة منطق اللاعقاب، إن هذه القضايا الثلاث تعرف نقصا كبيرا في بلدنا. ما توقعك للأداء الحكومي فيما تبقى من عمرها؟ لا أتوقع أية تحولات جوهرية خلال ما تبقى من ولاية هذه الحكومة، سيستمر التدبير الحكومي في الأداء بالشكل الذي حصل خلال الفترة المنصرمة، ولن يكون هناك تحسن جوهري وملموس، والله أعلم. *** حسن طارق (عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي):الحكومة تعيش أزمة هوية سياسية وجّه الفريق الاتحادي بمجلس النواب انتقادا لاذعا للحكومة في الوقت وهو يشارك فيها، كيف تبررون هذا الأمر، خاصة وأنه يزكي القول بعدم الانسجام والتفكك الحكومي؟ أعتقد أن هذه القضية حسمها الحزب منذ النقاش الذي عرفه سنة ,2007 هذه الحكومة هي حكومة ائتلافية، بمعنى أنها حكومة توافقات وحدّ أدنى، وبالتالي فالاتحاد الاشتراكي بمرجعيته، وببرنامجه الانتخابي الذي قدمه في الانتخابات التشريعية الأخيرة، لا يمكن أن يجد نفسه بالمطلق في برنامج هذه الحكومة. من المؤكد أنه هناك تقاطعات، وأن هناك حرصا على تقوية النفس الاجتماعي، وتقوية مسلسل الإصلاحات الذي انطلق منذ سنة ,1998 لكن من المؤكد أيضا أن هناك مسافة تجاه ما تقوم به الحكومة القائمة، وهذه المسافة هي التي تجعل الحزب لا يتماهي بالكامل مع تجربة حكومية لها حدودها، وهذا في تقديري هو الذي سمح للفريق البرلماني للحزب بالتعبير عن ما عبروا عنه بخصوص الأداء الحكومي كما ورد في التصريح الذي قدّمه الوزير الأول. ركز الفريق في مناقشته على الفساد والرشوة والزبونية، في حين تؤكد الحكومة أنها قامت بإحداث مؤسسات وإطلاق مبادرات للتصدي لهذه الظواهر، إلى ماذا يرجع هذا التناقض في الخطاب؟ لا أعتقد ذلك، نحن قلنا ما نرصده كحزب سياسي، وكمواطنين، وما نعاينه في الواقع، هناك استمرار للمؤسسات في المغرب، وهناك تعدد لشبكات المفسدين أيضا. وفي المقابل، ليس هناك ما ينافي هذا التغلغل في المؤسسات على مستوى ردود الفعل التي تقوم بها السلطة الحكومية، أو على مستوى كل مؤسسات الدولة، وأعتقد أن ما ننطلق منه هو ما تقرره مختلف التقارير الوطنية والدولية، وكذلك ما يتم التعبير عنه من قبل المواطنين في هيئات ومؤسسات مدنية مختلفة. الجميع يؤكد اليوم على الحاجة الجادة إلى نفس أقوى، وإلى أداء أفضل في كل ما يتعلق بمحاربة الفساد والمفسدين. خلال المدة المنصرمة من أداء الحكومة عرفت الأسعار ارتفاعا مهولا، مع تدني القدرة الشرائية للمواطنين، كما تعثر الحوار الاجتماعي في إحراز تقدم ملموس، هل يمكن القول بأن الحكومة فشلت في تدبير الملف الاجتماعي إلى حد الآن؟ أتصور أن تدبير كل ما هو اجتماعي مسألة في غاية التعقيد، لأن الأمر يتعلق بمناخ عالمي ضاغط، وبنوع من التقاليد، وبمؤسسات، وثقافة راسخة للضبط الاجتماعي. أمام كل ذلك، يجب أن تكون للحكومة الجرأة على معالجة القضية الاجتماعية أو لتغييرها. إن النقاش الذي حصل حول صندوق المقاصة مثلا، لم يسفر عن الجواب الحاسم لمعالجة هذه الإشكالية. لكن من جهة ثانية، لا بد من تسجيل جهود تمت وتتم على مستوى الحماية الاجتماعية، وعلى مستوى التغطية الصحية، وهناك جهود مرتبطة بمبادرات أخرى مثل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية. غير أنه لا يبدو أن للحكومة تصورا شموليا لمعالجة القضايا الاجتماعية، مما يجعلها تعالجها بشكل جزئي، تحت ضغط الرأي العام، وضغط المصالح الفئوية. بالرغم من أن هذه الحكومة قدمت على مستوى الدعم والأرقام المالية ما لم تقدمه أي حكومة سابقة. لأن المشكل الجوهري هو في عدم صياغة هذا الرقم المالي وفق تصور متكامل ومنسجم، وغياب تصور جعل المجهود الذي أنجز كعدمه، هذا المثال في الشق الاجتماعي يكشف عن جملة من الإشكاليات الكبرى التي تكتنف التصريح الحكومي. والذي بدا أنه خال من السياسي، وغير محكوم بتوجه عام ذي أفق واضح. بمعنى آخر بدا التصريح وكأنه تجميع لحصيلة قطاعات عمومية لا رابط بينها، ولم يجعلنا نلمس ونحس أننا أمام حكومة حاملة لاختيارات سياسية واقتصادية واجتماعية واضحة. وذلك ما يفسر القول بأنها حكومة تختبئ وراء مبادرات المؤسسة الملكية، وهو اختباء ليس له ما يبرره، لأن الحكومة ليس مهمتها أن تكمل المبادرات الملكية، بل مهمتها هي أن تقدم الأجوبة على الإشكالات التي يطرحها الشعب المغربي. هناك ما يشكل أزمة هوية سياسية لدى هذه الحكومة. *** شيبة ماء العينين (مستشار الوزير الأول وعضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال):التصريح جاء متماسكا ولم يسجل جميع الإنجازات التي تحققت كيف تفسرون الهجوم الحاد للأصالة والمعاصرة على الحكومة، وصل حدّ استخدام عبارات جارحة وقاسية ضدكم؟ الشيء الأساسي الذي ينبغي أن يكون بمثابة الخيط الناظم في تدخلات كل الفرقاء السياسيين، هو أولا تعزيز التجربة الديمقراطية لبلادنا، لأننا في مرحلة إرساء تقاليد ديمقراطية، وكون أن الوزير الأول كرّس التقليد المتمثل في التوجه إلى البرلمان لإلقاء خطاب حول حصيلة الحكومة في منتصف ولايتها، نعتبره في حد ذاته مكسبا لبلدنا، خاصة وأن الوزير الأول أعلن ومنذ مدة أنه سيتقدم بهذا التصريح، وسيتلوه فتح المجال أمام كل الهيئات السياسية لمناقشة هذه الحصيلة، والمطلوب التعاطي مع هذا التقليد بما يخدم ويدعم المسار الديمقراطي. 2 هل تعتبر أن الطريقة التي تدخل بها الأصالة والمعاصرة لا تخدم هذا التقليد وتتعارض معه؟ أؤكد أن النقد مطلوب، ونحن نرحب بالرأي والرأي الآخر، كما نحبذ فضيلة النقد الذاتي، على أساس أن يكون المنطلق هو الإصلاح، وأن يتم كل نقد بموضوعية، وأن لا ينجرف وراء العبارات الإنشائية، والتي ربما تكون تغطية على عدم وجود انتقادات موضوعية اتجاه التصريح الحكومي، ومن تم الاختباء وراء العبارات النقدية الإنشائية، أعتقد أن مثل ذلك لا يخدم النقد السليم، كما لا يخدم أيضا إعطاء صورة صادقة عن وجهة نظر موضوعية لفريق معين. ونحن نسجل كل الملاحظات والانتقادات الموضوعية لأي فريق، ولكن نسجل أيضا استخدام عبارات لا محل لها ولا مبرر لها، ولا تخدم مصداقية خطاب من ينتقد ويتفوه بها، ونعتقد أنه يجب الارتقاء بمستوى بالنقاش، وعدم الانزلاق إلى العبارات القدحية والانتقاص غير المبرر من المجهودات التي تحققت. إن التصريح جاء بمعطيات موضوعية وملموسة في الميدان العملي، ومعترف بها من قبل الرأي العام الموضوعي، ومن قبل العديد من الفعاليات الأجنبية التي تتابع الوضع الاقتصادي والسياسي المغربي، وتسجل قدرة المغرب على ضمان الاستقرار السياسي والاجتماعي في ظرفية عالمية غير مواتية، وهذا طبعا يسجل لهذه الحكومة وأدائها خلال هذه المرحلة. ولكن، ما ردكم على الانتقادات التي شددت على غياب النفس السياسي في التصريح، مما جعله مفككا وغير منسجم ولا تحكمه رؤية واضحة؟ القول بأن التصريح مفكك ومهلهل هو كلام إنشائي، ولا يصمد أمام التحليل الموضوعي للخطاب، إن التصريح جاء متماسكا وشاملا، وبرؤية واضحة، وهو لم يسجل جميع الإنجازات التي تحققت. والقارئ المتمعن يجد خيطا ناظما بين مختلف فقرات التصريح الحكومي، الذي يؤكد بالمعطيات الدقيقة على وجود تقدم ملموس ومتواصل وانسجام تام مع ما جاء في التصريح الحكومي السابق. لكن من يقرأ التصريح الحكومي الأخير يلاحظ غياب تذكير بأولويات واضحة ومحددة للحكومة، وبالتالي غياب تقييم حول ما أنجز وما لم ينجز بناء على الوعود المقدمة سابقا؟ بالعكس، هناك العديد من الأرقام والمؤشرات المهمة والدالة، لكن لا يمكن تقديم كل التفاصيل والأرقام المتعلقة بالإنجازات، هناك أرقام ذات دلالة اقتصادية وسياسية واجتماعية، ونحن لا زلنا في منتصف الولاية والحكومة أمامها الشيء الكثير لتفعله، وما جاء في هذا التصريح نعتبره إيجابيا، والمعارضة لن تسجل كل ما جاءت به الأغلبية، لأن زاوية الرؤية تختلف، ولكن لابد من الموضوعية في التحليل والحرص على تعزيز المسار الديمقراطي، والعمل على الدفع بالعمل نحو الأمام بشكل لا يخلق الإحباط لدى الرأي العام، ولدى غير المتتبع. أما المتتبع فسيسجل ما هو موضوعي، ولن تلعب به الانتقادات التي تندرج في إطار السياسة السياسوية، التي نربأ بشركاء العمل السياسي أن يسقطوا فيها. هناك فعاليات من المعارضة كان موقفها موضوعيا ومتسما بالحرص على إبداء الرأي من وجهة نظرها دون الانزلاق نحو التبخيس أو التنقيص مما تحقق، والحرص على هذه المحطة كمكسب ديمقراطي، والحرص على تصحيح الاختلالات، لأن كل عمل بشري لا يمكن أن يوصف بالكمال. وفي تقديري يجب أن نستغل هذه المحطة لمحاربة التشكيك في العمل السياسي، وتبخيس ما هو حزبي، لأن الديمقراطية لا يمكنها إلا أن تكون في إطار أحزاب ذات مصداقية، وتحترم بعضها، كما تحترم وعودها أمام الرأي العام. من خلال التصريح، ثمة تفاوت في الأداء القطاعي، فقطاعات مثل الطاقة حققت تقدما، لكن هناك قطاعات لم تحقق شيئا، ويتجلى ذلك في ارتفاع الأسعار، وتدني القدرة الشرائية، وتعثر الحوار الاجتماعي، بماذا تفسرون هذا التفاوت في أداء الحكومة؟ ليس هناك تفاوت، بالعكس هناك ضغط في التصريح حصل بغرض أن يكون شاملا وغير مغرق في التفاصيل. لأنه يخاطب المتتبعين والعارفين بالشأن الحكومي. ومن ثم أؤكد لك أن القطاعات الاجتماعية مثلا، حققت تقدما مهما سواء في الصحة أوالتعليم أو التشغيل أو السكن، والتأثيرات الاجتماعية لارتفاع الأسعار وغيرها كان يمكن أن تكون أخطر لولا التدابير والإجراءات التي اتخذتها الحكومة، مثل دعم صندوق المقاصة والحد من التضخم. كما حققت الحكومة تقدما مهما في مجال التشغيل ومحاربة البطالة، وكذلك الأمر بالنسبة للتغطية الصحية، وهي إنجازات مهمة لكن تبقى دون الطموحات، لأن الظرفية صعبة على المستوى العالمي، وبالرغم من ذلك هناك إقرار بحصول تقدم من قبل المتتبعين في الخارج والداخل للأداء الحكومي. والاهتمام الذي أولاه التصريح الحكومي لمختلف القطاعات كان متوازنا من خلال إشارته إلى المنجزات الدالة والتفاوت كان في التفاصيل حسب أهمية كل قطاع. 6 ثمة من يقول بأن الحكومة لجأت إلى الاختباء وراء المبادرات الملكية دون أن يكون لها شيء في ذلك؟ الحكومة نفسها هي مشروع ملكي، لأنها جاءت نتيجة للمنهجية الديمقراطية التي تطبق لأول مرة في المغرب بإرادة ملكية، وهذا نعتبره مكسبا أساسيا بالنسبة لبلدنا، ودفع قوي للحكومة التي تعمل على تنفيذ هذه المشاريع والأوراش الكبرى التي يرعاها جلالة الملك. والحكومة تعتز بكونها أداة تنفيذ هذه المبادرات وقادرة على أن تنفذها وقف المنظور الملكي، هذا يحسب لها ولا يحسب عليها.