بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعاى آله وصحبه وسلم تسليما لأن قلبا مفعما بمحبته، هذا المنبر الذي توقف، هذا اللسان الذي سكت، هو الذي نتألم الآن لفراقه ونبكي لبكائه ونسأل الله له القبول والمثوبة، أيها الإخوة هذه المدينة ككل مدن مغربنا، لها عنوان كبير، هو خدمة القرآن وخدمة الشريعة، وفي كل شبر من هاته الأرض، جماهير خدموا هذه الشريعة وكتبوا وتركوا لنا تركة كبيرة، وشرفا نعتز به الآن، مدينة مكناس تبكي الآن لفقدان عالم من علمائها لأنها تحس بحاجة ماسة إلى عطائه في هاته اللحظة، نحن الآن أشد ما نكون في حاجتنا إلى العلماء الذين يقفون على حدود حماية هويتنا ويدافعون عن ديننا ويبلغون القرآن بالأسلوب الذي كان فقيدنا الأستاذ فريد الأنصاري يبلغ به القرآن، كان يتذوق القرآن ويحلق في أجوائه ليحببه إلى الناس، وكانت دروسه دروسا نورانية، دروس تخاطب القلوب والعقول، فلذلك تكون الحاجة إليه ماسة في هذه اللحظات التي نودعه فيها، ولكنا مع ذلك أيها الإخوة نعتقد أن أمتنا ليست عقيمة، فهي تلد الرجال، وتلد الذين يواصلون المسعى ويحملون القضية، وفيكم وفي شباب هاته المدينة، ورجال المغرب ونسائه، من يستشعر ضرورة اللحظة. إن الأستاذ فريد الأنصاري إذ ودعنا، فإنه ترك مشاريع يجب أن تكمل، وترك مسؤوليات يجب أن ينتبه إليها، لأنا لا نتلذذ بتجديد الآلام أو بنكب الجروح، وإنما نتخذ العبرة من كل موقف، فمشروعه للتعريف بالقرآن، هو مشروع للعلماء جميعا، إننا مطالبون في الغد أن يقوم بدله رجال، لأن أمتنا أمة معطاء، إذا مات منها سيد قام سيد، فالعلماء ولله الحمد متوافرون، والإرادة موجودة، والأجواء مناسبة، لذلك يجب أن نواصل المسعى والمسير، ثم إن له أيضا رسالة إلينا، وهي أسرته التي يجب أن نخلفه فيها بخير، وأن نهتم بها ونرعاها، فالإسلام يعلمنا الوفاء، ويعلمنا أن الذي يذهب إلى الدار الآخرة لا يضيع أهله بين المسلمين، لأنه رحمة الله عليه عاش بهذه الأمة، فعلى الأمة أن تعيش بهذا الخلف، نحن أيها الإخوة في آخر هذه الكلمة، لا نملك إلا أن نعبر عن هذا الإحساس الذي يغمر قلوب العلماء، حينما يرى هاته الأفواج، تحضر وتشيع وتتألم، وتتنافس على حمل وحشر الجثة، هذه الأمة تعلم أن علماؤها هم روادها، وأن العلم الشرعي هو زادها، ولذلك تبادل علماءها هاته المحبة، وتتألم لفراقهم، نتقدم بالشكر لهاته الجماهير التي تحمل هذا التقدير وهذه المحبة والوفاء للعلماء، ونشكر كذلك الذين وقفوا مع الفقيد في مرضه وكانوا معه، وانتبهوا إلى آلامه، ونشكر أساسا أمير المؤمنين الملك محمد السادس الذي شاركنا هو أيضا بتعزية وجهها إلى هذا الجمع، ونشكر كل من حضر من جل بقاع المغرب والعالم لتقديم العزاء.. نسأل الله لفقيدنا المغفرة والرحمة، ولذويه أن ينبتهم نباتا حسنا.