شرعت القناة الثانية في بث أولى حلقات مسلسل المجذوب للمخرجة فريدة بورقية التي تحرص دائما على تقديم أعمال تلفزيونية في المستوى المطلوب، سواء من حيث جدية الموضوع المقدم أو من حيث العملية الإخراجية المقدمة له، مما جعل أغلب أعمالها التلفزيونية السابقة تنال رضى الجمهور المغربي وثناء النقاد، كما هو الشأن بالنسبة لهذا العمل الذي يتصدر قائمة الأعمال الدرامية الرمضانية من حيث الجودة المقدمة على شاشة القناة الثانية، والذي يتطرق إلى حقبة مهمة من تاريخ المغرب، وإلى جزء لا يتجزأ من الذاكرة المغربية الصوفية، من خلال سرد قصة حياة عبد الرحمن المجذوب صاحب الرباعيات المشهورة التي ما تزال متداولة بالمغرب العربي عامة وفي المغرب خاصة، إذ جعلت منه ظاهرة بامتياز، الشيء الذي جعل الدارسين والباحثين في التراث الشعبي يتهافتون على جمعها وتدوينها وشرحها باللغة العربية، بل وترجمتها إلى اللغة الفرنسية كما فعل المستشرق الفرنسي ألكونت دوكاستري أوائل المهتمين بهذه الرباعيات. وللوقوف على حياة هذه الشخصية التاريخية جاء مسلسل المجذوب الذي كان أول عمل درامي تاريخي ضخم أنتجته القناة الثانية، والذي سيقدم حياة هذا الرجل في إطار تاريخي يوضح العلاقات التي كانت متداخلة بين الزوايا الدينية والحياة العامة للناس، إضافة إلى بعض المعارك الكبرى التي نشبت في عصره ودور هذه الزوايا في تهدئتها. ونلاحظ أنه بالإضافة إلى فيلم جارات أبي موسى لعبد الرحمن التازي، وهو في الأصل رواية لوزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد التوفيق، جاء مسلسل المجذوب في سياق إبراز دور التصوف في المجتمع المغربي على طول السنين، وهو الدور الذي يسعى المسؤولون جاهدين لتقويته من خلال دعم الزوايا وإحياء المواسم وترسيخ الممارسة الصوفية، من خلال تقارير ومذكرات كان آخرها مذكرة رسمية تدعو المجالس العلمية للعودة إلى الأضرحة وحث الفاعلين على توضيح الدور الريادي لمزارات الأولياء عبر خطبهم المنبرية ودروسهم الوعظية. وبمسلسل المجذوب تكون الدراما المغربية قد أصبحت هي الأخرى قناة من قنوات إيصال الخطاب الصوفي إلى المجتمع المغربي بمختلف مكوناته، وهو ذاته الخطاب الذي يرى فيه المسؤولون حليفا استراتيجيا في الوقت الراهن لمواجهة التطرف والعنف، كما يقولون، وترسيخ قيم التسامح والتواصل والمحبة.