جميل جدا أن تجد من يعمل ليحافظ لعموم المصلين على نظافة المساجد ورونقها، وتجد القيمين أكثر الناس حرصا على ذلك، حتى إن بعضهم يصبح شغله الشاغل هو ذلك الأمر، فتجده ينقي أفرشة المسجد من كل الشوائب، ويلتقط أعواد الحصائر المشتتة، وينتبه إلى توفر المياه الساخنة في الشتاء، ومنهم من يحرص على تطييبها وتخليصها من الروائح الكريهة، وتخليص المساحات المحيطة بها من القاذورات، بل منهم من يقدم المساعدة إلى رجال أمن خاصين جلبوا في تجربة فريدة في مسجد بساحة جامع الفنا من أجل توفير الأمن والنظام. ومنهم من ينظم توزيع حبات من التمر وكؤوسا من الحليب بعيد أذان المغرب قي رمضان بمسجد في حي المحاميد. لكن الشاب عبد السلام (اسم مستعار) الخياط التقليدي القابع في محله الصغير جدا داخل المدينة القديمة، وبالرغم من قلة اليد، يعمل ليل نهار من أجل هدف آخر، وهو تحقيق مساجد بدون أكياس بلاستيكية، وهو مشروع فردي تبناه، وحمل همه في نفسه وقلبه، ويعمل إضافة إلى كسب قوت يومه لتحقيقه على أرض الواقع. يقول عبد السلام، وهو في الثلاثين من عمره وغير متزوج ويكفل أمه المريضة، إن أحدهم كان السباق إلى وضع أكياس بلاستيكية في مداخل المساجد كي يستعملها المصلون حافظات من أوساخ أحذيتهم، والتي يمكن أن تسبب ضررا للمسجد وتمس بجماليته، لكن بالرغم من أن الفكرة مقبولة وعرفت رواجا كبيرا، إلا أنها تحدث في بعض الأحيان عكس ما أريد لها من عمل، لاسيما إذا تمزقت واهترأت، يقول عبد السلام بكل تأكيد، كما أن المصلين قد لا يستعملونها نظرا لتلاشيها، وبعضهم يشمئز لمنظرها البلاستيكي الأسود المرتبط في الأذهان بتلوث البيئة وفرط الاستعمال في الأسواق والبيوت، يضيف عبد السلام وكأنه عضو في جمعية لحماية البيئة. يعترف عبد السلام أن الفكرة ليست ملكه، ولكن ملك أحد متعلميه الصغار الذي اشتغل عنده في هذا الصيف؛ متأثرا بالأفكار التي ينتجها آخرون في بلدان أخرى، وهو ولد نجيب نجح بامتياز في اختبار نهاية المرحلة الابتدائية، واقترح عليه وهما داخلان يوما إلى المسجد أن يخيط كيسا خاصا به مما سقط من الثوب الذي يخيطه للزبائن، ويستعمله كلما أراد دخول المسجد بدل الكيس البلاستيكي المهترئ، إلى أن تطورت الفكرة ، وخاط عشرة أكياس لقيت استحسانا من قبل المصلين سكان الحي الذين طلبوا منه المزيد من الأكياس الثوبية الجميلة. لم يكن الأمر سهلا، لاسيما وأني أبحث عن قوت يومي ويوم أمي، يشير عبد السلام بنوع من الحسرة، لكن بعض المحسنين، جازاهم الله خيرا ، بدؤوا يشجعونني ويوفرون بعض المال لأجل المشروع، الذي أصبح حلمي الكبير، كما أن مصبنة الحي تكفلت بغسل الأكياس كلما مر وقت من استعمالها، مع ذلك بدا لكثير من الناس أني أطحن في الهواء، لأن بعض المصلين لن يحترموا المسجد، لكن النتائج كانت غير ذلك، وبالرغم أن الأمر سار الآن فقط في عدد محدود من المساجد الصغيرة القريبة مني، فإني آمل أن ينتبه غيري لعملي التطوعي وينقله إلى المساجد الكبيرة في المدينة الحمراء وفي كل مساجد المملكة، وتصبح تلك الأكياس لحفظ المسجد من وسخ الأحذية. إن الله جميل يحب الجمال، وهو الذي أمرنا أن نأخذ من زيتنا عند باب كل مسجد، وقبل ذلك أمرنا بالاغتسال والتوضؤ والتجمل، ومن المؤسف أن بعض المساجد في غفلة من المسؤولين، وفي غير اكتراث من عموم الناس، أصبحت في حالة يرثى لها، يقول عبد السلام بكثير من المرارة، خاتما بالقول إنه يكفي أن نستحضر أن الملائكة معنا في المساجد حتى نسعى إلى خدمتها بكل الوسائل.