دانغ كسياوبينغ الذي طالما كان ضحية الأجهزة السرية السابقة لـماو تسي تونغ؛ طيلة سنوات الثورة الثقافية سعى منذ وصوله إلى السلطة إلى إصلاح هذه الأجهزة في العمق. الإصلاح عند دانغ كسياوبينغ في شهر يونيو من سنة 1983؛ قام دانغ كسياوبينغ بإحداث وزارة لأمن الدولة؛ وهي التي أصبحت تعرف أكثر باسم الغوانبو؛ وهو تصغير ل غوجيا آنكوانبو. أما هدف هذه الوزارة الثاني؛ فهو إنشاء جهاز سري على الطريقة السوفييتية؛ على منوال الكا. جي. بي.؛ الذي هو المرجعية الدولية الوحيدة التي يعرفها. لقد أدرك جيدا أن الاستعلامات ضرورية بشكل أساسي لنمو اقتصاد السوق هذا الذي ينوي بناءه. الغوانبو هو نتيجة دمج كل من الدياوشانبو (القطاع المركزي للتحري ومصالح محاربة التجسس، والغونغتنبو (وزارة الأمن العمومي). وهو مكلف بالاستعلام الخارجي ومحاربة التجسس، بما في ذلك التجسس العسكري، وحراسة الحدود، ومحاربة المعارضين في الداخل؛ وعلى رأسهم التيبيتيون والويغور (المسلمون الصينيون)؛ ويضم عدة قطاعات: ـ العلاقات الدولية: مصلحة؛ بعد أن كانت تسعى إلى تصدير الثورة الصينية عبر العالم؛ تحولت إلى ممارسة الاستعلام السياسي انطلاقا من السفارات الصينية في الخارج. ـ الجبهة الموحدة للعمل التي تعالج مشاكل العلاقات في عالم الشغل خارج التراب الصيني: توظيف النقابات، ونشر الثقافة الصينية... ـ الكينغباو؛ وهو قطاع تابع للهيئة العليا لأركان الجيش الشعبي، تتولى مسؤولية الاستعلامات العسكرية. ـ الشي.باو.كو.؛ الجهاز المسئول عن محاربة التجسس داخل الجيش الشعبي. ـ مكتب الاستعلامات لما وراء البحار؛ الذي يتكفل بنشر الأخبار الكاذبة والإشاعات، وبالدعاية، إلخ. وكما يلاحظ القاري ويفهم طبعا؛ فإن هناك تقاطعا رهيبيا بين مصالح الاستعلامات التابعة للجيش، والوزارات التابعة للغوانبو، والأجهزة الخاصة الموضوعة تحت السيطرة المباشرة للحزب. وآخر تعليق يتعلق بالإشارة إلى أن القائد الجديد للغوانبو هو جيغ هويشانغ؛ الذي يعد أحد الخبراء في التجسس الاقتصادي؛ مما يعني أن أولى أولويات الغوانبو تبقى بالطبع هي التجسس الاقتصادي؛ الذي لا غنى عنه للنمو الصيني. الهجمات المعلوماتية لقد جعل الصينيون من أهم تخصصاتهم؛ الهجمات عبر الأنترنيت؛ تماما كما الروس الذين اعتدوا على دول البلطيق سنة 2007؛ كما اعتدوا منذ أشهر على جورجيا؛ وبالضبط في الساعات التي سبقت حرب غشت .2008 إذ أنه تبين من بعد أن الدبابات الروسية كانت قد دخلت جورجيا وبدأت تشتغل بمدة قبل أن يصدر الرئيس الجورجي أوامره بقصف عاصمة أوسيتيا. المسؤولية عن الهجمات المعلوماتية تمارس بتوافق بين المكتبين الثالث والرابع للجيش الشعبي. في سنة 2007 مارس الصينيون ما أسماه الأمريكيون ب مطر الجبابرة Titan rain؛ بمعنى مطر طوفاني من الهجمات عبر الأنترنيت؛ بدأت أولا ضد البانتاغون، ثم ضد مصالح المعلوميات داخل الإدارات الأمريكية الأخرى. وفي نفس الوقت كانت كل من ألمانيا، واليابان، وبريطانيا العظمى، وإسبانيا تتعرض لاعتداءات مماثلة. وفي فرنسا؛ فقد استُقبل انتخاب نيكولا ساركوزي بوابل من الهجمات الصينية على حواسيب وزارة الدفاع الفرنسية؛ حتى وإن كان الرئيس الفرنسي يرفض لحد الآن نشر هذه الأمور... ويدعي الضباط الصينيون عدم مسؤوليتهم على ذلك، وبأن قراصنة حواسيب hackers مستقلين هم الذين شنوا تلك الهجمات. الكذبة مفضوحة جدا؛ لأن العارفين في الغرب يعلمون جيدا بأن الأنترنيت في الصين مراقب بشكل كامل عن طريق نظام انتقاء وفرز أوتوماتيكي لرسائل الإيس.إيم.إيس. ولكل البريد الإليكتروني؛ بما يسمى بـ>الذرع الذهبـي<. قمع في التيبيت يستعمل الكينغباو جميع واجهاته من أجل القضاء على المقاومة التيبيتية داخل الصين كما يتَّبِع كذلك سياسة قمعية ضد التيبيتيين اللاجئين في الهند. وفي العديد من المحاولات سعى الصينيون إلى اغتيال الدلاي لاما. غير أن زعيم التيبيتيين هذا يحظى بحماية جيدة جدا من طرف مصالح تتوفر على تجربة متميزة؛ ولا تتكون طبعا من التيبيتيين فقط. وفي التيبيت نفسه يتدخل في تناسق كل من الجيش، والمخابرات العسكرية، والجبهة الموحدة، والأجهزة المتخصصة في الأمن. كل أنواع العنف مباحة تجاه المقاومين، كما يسمح كذلك بكل شراء للضمائر عندما يتعلق الأمر بضم تيبيتيين إلى (القضية الصينية). وفي الخارج؛ فإن جميع التظاهرات التيبتية تخضع للمتابعة والمراقبة، أو للاختراق؛ فالمصالح الخاصة للحزب موجودة من أجل ذلك. في خدمة التنمية الاقتصادية تعمل كل من وزارة التجارة الخارجية، والدفاع الوطني (ويتعلق الأمرهنا باللجنة الصناعية والعلمية الشهيرة)؛ في توافق وانسجام تامين. والهدف واحد وحيد: نهب نتائج البحث العلمي التي تتوصل إليها المختبرات الأجنبية؛ غربية ويابانية وتايوانية، والحصول على معلومات امتيازية عن الوضع المالي للمقاولات الكبرى في أفق تهييء الدخول في مزايدات والاستيلاء على أكبر قدر من أسهمها، والتعرف على براءات الاختراع الغير مسجلة ولكنها ذات أهمية استراتيجية، ثم التعاطي للتجسس الصناعي في أساليبه الكلاسيكية كذلك... المصالح السرية هي إذن في خدمة زرع كبريات المجموعات التجارية والصناعية الصينية في الخارج. وهذه حقيقة حتمية في الهجوم الذي يشن حاليا ومنذ مدة على القارة الإفريقية على مستوى إنتاج المواد الأولية التي تحتاجها الصناعة (البترول، وغيره من المعادن) وكذلك المنتجات الفلاحية (المطاط والبن مثلا؛ وكذلك الخشب من أجل البناء وغيره). أي صيرورة؟ على العموم؛ فالموارد البشرية التي تتضافر؛ سواء على مستوى الوظيفة العمومية (الغوانبو) أوفي داخل المجموعات الكبرى في القطاع الخاص، بإضافة كوموندوهات القوات الخاصة الموجودة بقوة في التيبيت وفي منطقة كسيانغجيان التي يقطنها المسلمون قي شمال الصين) تعتبر موارد ضخمة جدا؛ مع أننا لم نُعِد المعاهد المتخصصة، ومراكز البحث، والتنظيمات المكلفة بالتحاليل... غير أن العدد الضخم لا يضمن دائما جودة تامة؛ ذلك أن الوسائل التقنية الصينية تبقى ذات مستويات جد منخفضة؛ مقارنة مثلا مع وسائل الولاياتالمتحدةالأمريكية. فالصينيون لا يتوفرون إطلاقا على أقمار اصطناعية للتجسس، ولا على شبكات لاعتراض المعلومات. بل أكثر من ذلك؛ فالكتلة الضخمة من المؤسسات التي تتكلف بالاستعلام تكبح عملية الخروج بخلاصات دقيقة: فالقادة الصينيون لم يتمكنوا بعد من تنظيم مجلس وطني للأمن! بالإضافة إلى وجود حزازات وصراعات عميقة داخل الكتب المركزي للحزب وراء الخلاف حول الاستراتيجية الواجب اتباعها. مؤكد إذن أن الأجهزة السرية الصينية مدعوة إلى أن تصبح أكثر فأكثر جودة في أدائها. فيليب فولاد