تحتاج افتتاحية نيشان الآخيرة إلي وقفة تحليلية لما حملته من خطاب تحريضي يلعب ورقة القانون من أجل الدعوة للتصفية للخصوم. داعية إلى الشجاعة والوضوح، وهو الشيء الذي يبدو أنها التزمت به لتكشف عن وجه استئصالي يهدد المكتسبات الديموقراطية للبلد ويريد الدفع بالمغرب إلى استيراد النموذج التونسي لعقد التسعينيات. المشكل في الافتتاحية يبرز في الربع الأخير منها ويمكن تفكيكه لثلاث نقط تحتاج كل منها لرد ومناقشة واضحة. في النقطة الأولى قالت الاقتتاحية اشنو هو مشكل الدولة مع البي.جي.دي. بالصراحة؟ واش خايفين الحزب الإسلامي يخلخل الإسلام المغربي كما قال فؤاد عالي الهمة؟ إلى كان هذا هو المشكل فلتقله الدولة بوضوح، عوض أن تبحث عن الذرائع لضرب الحزب من تحتها. وهو ما يعني أن الضرب من فوق الحزام هو مواجهة العدالة والتنمية بتهمة خلخلة الإسلام المغربي، ولهذا رغم أن كاتب الافتتاحية في ما كتب لم يصل لدرجة تبني موقف فؤاد عالي الهمة، إلا أن وجود هذا الموقف بالنسبة إليه كاف لوضع الموقف من العدالة والتنمية في مسار إقصائي، وهنا لا نحتاج للتذكير بأن السيد فؤاد عالي الهمة سبق له أن سار في هذا النهج وكانت النتيجة جر البلد إلى ورطة أمنية وسياسية ما يزال المغرب يعاني منها. لكن المشكل الأكبر في الافتتاحية يبرز في الفقرة الثانية بوضوح والتي تجعل المشكل يتجاوز قضية العدالة والتنمية إلى حركة التوحيد والإصلاح، وهنا ينتقل كاتب الافتتاحية من اعتماد صيغة الاحتمال إلى صيغة الجزم الذي يضعه في موقف المحرض، فلنقرأ جيدا ما كتب إن قانون الأحزاب يمنع صراحة أن يستغل الدين لأغراض سياسية. وهذا بالضبط ما يفعله حزب العدالة والتنمية كل يوم؛ مختبئا وراء حركة التوحيد والإصلاح. يقدم الكلام قراءة علمانية مزعومة للقانون يصبح معها تصريح حزب سياسي بكونه ينطلق من مرجعية إسلامية وله علاقة شراكة مدنية مع هيئة دعوية بمثابة جريمة، وهي فضلا عن كونها دعوة صريحة إلى علمنة الدولة، مع أن دستورها ينص على أن لهذه الدولة دين تقوم على أساسه هو الإسلام فإنها تهمة مردودة لتفاهة مرتكزهان باعتبار أن الفقرة المشار إليها ليست سوى توجيها لمن يعنيهم الأمر بجعل الحرب على العدالة والتنمية مرتكزة على قضية مرجعيته الإسلامية وعلى علاقته بحركة التوحيد والإصلاح، وهي آوضح دليل على نزوع استذصالي واع أو غير واع لدى البعض، ولنا أن نسأل: من الذي يخالف القانون؛ هل هو من يعمل في انسجام مع دستور المملكة الذي ينص على أن دين الدولة الإسلام، أم أن المخالف الحقيقي للقانون والدستور هو من يدعو إلى التطبيع مع الشذوذ وإلى إباحة التعاطي للمخدرات وتقنينها، ويحتفل بنشره المستفز لمشاعر المغاربة لصور رموز البورنوغرافيا، فهل وضع كاتب الافتتاحية احترام القانون نصب عينيه وهو يشتغل على تلك القضايا. لكن ما هي مشكلة افتتاحية نيشان الحقيقية والتي تريد أن تجعلها مشكلة الدولة، هذا ما تقمة الفقرة الثالثة فحركة التوحيد والإصلاح التي تدعي الاستقلالية عن الحزب؛ في الوقت الذي تزوده بالأطر والمواقف الإيديولوجية، أي أن مواقف الحركة المعنية بمناهضة التطبيع مع الشذوذ، وتجاوز أحكام الإرث ، والتطبيع مع الكيان الصهيوني، ورفض فصل الدين عن الدولة وغيرها من موقف الدفاع عن الهوية الإسلامية للمغرب أصبحت هي المشكل. والحل بحسب الافتتاحية هي الشجاعة والوضوح دون أن تقول ما يقتضيه ذلك؟ والواقع أن تقديم المبررات لشن حرب لم تجن منها دول مجاورة إلا الخراب، و دعوة للدولة إلى تبني الأطروحة الاستئصالية للوافد الجديد . أما الشجاعة الحقيقية والوضوح الحقيقي هي في التعامل الصارم والشجاع مع من يسعى حقيقة لخلخلة الإسلام المغربي، والتي كانت تصريحات المنسق المزعوم لشواذ المغرب والتي تبجح فيها بالدعم الإسباني له أكبر نموذج لها .