كثيرة هي الانحرافات التي أصبحت تشوب العلاقات بين الجنسين في المجتمع المغربي، مما ينتج عنه مشاكل لا حصر لها، ويبدو أن تطبع الكثير مع الأسر مع هذا الواقع الجديد جعل الظاهرة تستشري بشكل ملحوظ. الدكتور مولاي عمر بنحماد نائب رئيس حركة التوحيد والإصلاح وأستاذ الدراسات القرآنية يقدم قراءته لهذا الواقع الجديد، ويجيب على تساؤلات تتمحور في مجملها حول قيمة العفة في الإسلام والسبل للوقوف في وجه امتداد هذا النوع من العلاقات في المجتمع، والضوابط التي سنها الإسلام من أجل تقنين العلاقة بين الجنسين. أصبحت العلاقات بين الجنسين تشوبها انحرافات متعددة، وتحمل في الظاهر عدة مسميات من قبيل الزمالة والصداقة وغير ذلك.كيف تقرأ هذا الواقع المغربي الجديد؟ بسم الله الرحمن الرحيم العلاقة بين الجنسين طرأ عليها ما طرأ على العلاقات بشكل عام، فلم يكن ممكنا ان تتغير كثير من المظاهر السلوكية في المجتمع وتبقى العلاقات بين الجنسين قارة وثابتة، والذي يعنينا أساسا هنا هو العلاقة بين الشباب؛ على اعتبار أن حَمَلة التغيير والإصلاح يكونون من هذه الفئة، ونحتاج إلى الاقتراب أكثر من هذه العلاقات لمعرفتها ومعرفة حقيقتها. ومن المهم أن نذكر أن التغيير لم يتجه الوجهة السلبية بإطلاق، بل ما تزال كثير من العلاقات بين الجنسين في إطار الضوابط الشرعية. وتستحق هذه الفئة كل التشجيع، ولذلك جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الشاب الذي ينشأ في عبادة الله من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله. ولاشك أن الفضاءات التي كانت ذكورية بالكامل لم تعد كذلك، ويصدق ذلك على الفضاءات التي كانت خالصة للإناث ولم تعد كذلك، مما مهد السبيل لكثير من التحولات، وعلى رأس القائمة نجد المؤسسات التعليمية، والتي اختفت منها أو تكاد المؤسسة الخاصة بالذكور أو الإناث فصارت أغلبها مختلطة... والتغيرات كما سبق ليست كلها سلبية، والسلبي منها لم ينشأ من فراغ، بل له أسباب كثيرة يأتي على رأسها اتساع دائرة الانفتاح في العلاقات دون أن يتبع ذلك ما يقتضيه هذا الانفتاح من توجيهات تربوية تجعله نظيفا عفيفا. والانحرافات التي تتم الإشارة إليها هناك جهات تسوقها، وترعاها كما في قوله تعالى: وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً (النساء : 27 ) وهناك جهات تحذر من الانحرافات وتقاومها، وهو الشيء المطلوب عبر التاريخ كما في قوله تعالى: فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ (هود : 116 ) ولما كانت الجهات المسوقة أقوى حضورا مع ما يتوفر لها من الإمكانيات لم تكد حملات التحذير والتوعية تؤتي أكلها. ومما يدل على ذلك أن هذه الانحرافات استهدفت الفئات المتدينة أيضا. مما يتطلب مضاعفة الجهود لأن الباطل إنما يملأ الفراغ وليس له من عناصر الصمود شيئا. ولذلك حين يأتي الحق يزهق الباطل كما قال تعالى: وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً (الإسراء: 81 ) وضع الإسلام جملة من الضوابط من أجل تقنين العلاقة بين الجنسين. فكيف نظم الإسلام العلاقات بين الجنسين؟ نعم؛ الدين الإسلامي نظم العلاقات بين الجنسين فشرع كل ما يجعل هذه العلاقة إيجابية طابعها التعاون على البر والتقوى ومنع كل ما ينحرف بهذه العلاقة إلى الأوجه غير الشرعية في الاستجابة لدواعي الفطرة وبالمقابل فتح القناة السليمة الوحيدة وهي الزواج فقال تعالى: وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (المؤمنون :5 ـ7 ) ومن هنا نفهم أحكام الخلوة وأحكام المصافحة وكذا الأمر بغض البصر والأمر بالستر وعدم الإثارة في نصوص كثيرة مشهورة معلومة تضمنت كثيرا منها سورة النور كما في قوله تعالى: قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا الآية (النور :03 ـ 31 )وكلها تدخل في إطار المعالجة الاستباقية ضمن مبدأ الوقاية خير من العلاج. كما فتحت أبواب العلاج أيضا بالتوبة والإنابة وغيرهما... الكلام عبر المسنجر فتح المجال للتواصل بين الذكور والإناث، فماهي القواعد التي لا ينبغي تجاوزها في هذه التعامل مع هذه الآلية؟ المسنجر وسيلة تواصلية اختصرت المسافات، وهو وسيلة متطورة وغير مكلفة، وكان طبيعيا أن يتم توظيفها ككل شيء في الخير أوالشر. والمطلوب هو الاستفادة من الميسنجر في الجوانب الإيجابية وهي كثيرة والامتناع عن نقيضها من الجوانب السلبية ومن ذلك استثماره في تقوية صلة الرحم وفي تبادل الأفكار وفي كل ما هو إيجابي. والآية الجامعة لما ينبغي ان يكون بين الجنسين هي قوله تعالى: فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً (الأحزاب : 32 ) والآية لم تمنع القول، وإنما وضعت لها ضابطا عاما بألا يكون فيه خضوع، بمعنى تمايل وتخنث مثير للشهوات، ولعل المثال الرائع الذي خلده القرآن الكريم في مخاطبة الرجل للمرأة الأجنبية هو ما جرى بين موسى عليه السلام وبنتي شعيب بماء مدين : قال تعالى :وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (القصص : 23 ) والكلمات على قدر المطلوب وزاد الأمر بيانا قوله تعالى: فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا (القصص : 25 ) فحين يكون الحياء يكون كل خير وحين يرفع، يرفع معه كل خير ذلك أن الحياء شعبة من شعب الإيمان. أصبح جزء من المجتمع المغربي يتطبع مع علاقات الصداقة بين الشباب والشابات، وأصبحت بعض الأسر تنظر إليها على أنها علاقات لا مفر من المرور بها بدعوى تحقق التوافق بين الطرفين للوصول إلى مرحلة زواج ناجحة. كيف تعلق على هذا الأمر؟ علاقات الصداقة بين الشباب والشابات هي جزء من القيم التي تغزو مجتمعنا في الحواضر خاصة وينبغي أن يعلم بأنها مما طرأ على المجتمع وغالبا ما تكون سببا لكثير من الانحرافات السلوكية وعليه فإذا كان المقصود بها الصداقة العامة من غير تعيين على أساس أننا ندرس في قسم واحد أو نسكن في حي واحد أو نعمل في مكان واحد ويكون بيننا تواصل وتبادل للتحية أو تعاون على إنجاز أعمال محددة وواضحة فلا بأس بذلك أما حين يكون المقصود هو علاقة خاصة بين شاب وشابة يخلوان بعضهما ببعض فالنتيجة معلومة مسبقا. غالبا في كل علاقة يشوبها الانحراف يشار بأصبع الاتهام إلى المرأة على اعتبار أنها الفاعل الأول والمتهم الرئيسي، فكيف ينظر الإسلام إلى حدود مسؤولية كل طرف في مثل هذه العلاقات؟ العلاقة التي يشوبها الانحراف بين الجنسين لا تسمح بتحميل طرف منهما المسؤولية دائما وفي القرآن بيان لما كان مثلا من امرأة العزيز التي راودت يوسف عن نفسه، وفي السنة مثال للرجل الذي راود المرأة عن نفسها فامتنعت كما في قصة الثلاثة الذين حبست الصخرة في الغار وفي القصة أنه عاود وراودها ثانية وهي محتاجة إليه وفي الأخير ذكرته بالله وقالت له كما الحديث: إتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه بمعنى الزواج . وفي الأمر بغض البصر وحفظ الفروج أمر الله بذلك المؤمنين والمؤمنات كما في الآية السابقة من سورة النور: ولعل الضابط العام هو قوله صلى الله عليه وسلم: إنما النساء شقائق الرجال في الأحكام وهنا نفهم حين يأتي حديث سبعة يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله فمعناه يتجه للرجال والنساء بلا شك فإذا جاء فيه ورجل دعته امرأة ذات حسن وجمال فقال إني أخاف الله رب العالمين فتدخل فيه المراة يقينا بان نقول وامراة دعاها رجل ذا منصب وجمال فقالت إني أخاف الله رب العالمين ما هو التصور الإسلامي لقيمة العفة فيما يتعلق بالعلاقات بين الجنسين؟ العفة قيمة أخلاقية مشتركة بين كل الناس فهي مما فطر الله الناس عليه: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ (الروم : 30 ) فلا يشذ عنها إلا من فسدت فطرته. وهي ممدوحة ومحمودة وغيرها مذموم مرفوض.بل العفة وإن كانت مما يتجه إلى الفرج أساسا فقد اتسع مدلولها فصارت تطلب على مستوى اللسان فيوصف بالعفة بمعنى انه بعيد عن السباب والفسوق ،ويقال عفة اليد بمعنى أنها لا تمتد للحرام،ولا تلح في السؤال كما في الحديث ومن يستعفف يعفه اللّه، و هو المأمور به في قوله تعالى: وَمَن كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ (النساء : 6 ) وقد جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين عفة اللسان وعفة الفرج في قوله صلى الله عليه سلم : (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة). والعفة يصدق عليها ما يصدق على غيرها من ان فيها جهدا ذاتيا وتوفيقا ربانيا ودليل ذلك في قوله تعالى في قصة يوسف عيه السلام: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (يوسف : 24 ) فالله صرف السوء عن يوسف عليه السلام لأنه من عباد الله المخلصين.ومنه الحديث السابق ومن يستعفف يعفه اللّه،ففيه الإشارة إلى أن استعفاف العبد وتنزهه سبيل لنيل توفيق الله له بان يبلغه ما نوى ويحقق رجاءه.ولذلك أمر الله به عباده في قوله تعالىوَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ (النور : 33 ) وفي الآية توجيه وإرشاد إلى الاجتهاد في طلب العفة. ما هي الجهات المسؤولة عن حماية العفة؟ يظهر لي أن العفة مما يقال فيه العفة مسؤولية الجميع، الشباب أولا بإقبالهم على الله وتحصينهم لأنفسهم والتزامهم بالآداب الإسلامية التي تجنبهم الآفات والأمراض الجنسية التي تفتك بالملايين من الناس، الآباء والأمهات بالدلالة على الخير وتزيينه للبنين والبنات وتجنيبهم أسباب الانحراف بمتابعة ما يقرؤون وما يشاهدون ومن يصاحبون...،العلماء والدعاة والمربون والمفكرون والكتاب والإعلاميون ... بتحمل مسؤولياتهم كاملة في بيان الحق والدعوة إليه وحسن تقديمه للشباب ولهم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة كما في هديه وهو يصحح فهم الشاب الذي طلب الإذن بالزنا وخرج من بين يديه عفيفا يصطحب دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم حصن فرجه وطهر قلبه، المسؤولون بمراقبة المواد الإعلامية والمعرفية بكل أشكالها المكتوبة والمرئية وما تشيعه فينا وفي شبابنا من قيم غربية غريبة عنا فتكت بغيرنا وهي إن لم نتدارك الموقف فتكت بنا أيضا، والمجتمع بكل أطيافه باعتبار حماية القيم مسؤولية الجميع.