جميل جدا أن ينتظم التلاميذ في أندية ثقافية أو فنية تحت إشراف أساتذتهم، وجميل أيضا أن ينتدبوا بشكل ديمقراطي من يمثلهم في مجلس التدبير أو من أجل التواصل مع باقي أطراف المؤسسة، وجميل أيضا أن يحتجوا وطالبوا بحقوقهم المشروعة بشكل حضاري، ومن هذه الحقوق توفير الأساتذة في جميع المواد وإصلاح المرافق الصحية والإنارة والملاعب الرياضية وتوفير الجو التربوي الملائم والأمن الضروري في أبواب المؤسسات... لكن هذه الثقافة الحقوقية التي تعززت مع الميثاق الوطني للتربية والتكوين إذا ماعت وتجاوزت حدودها أصبحت خطرا على التلميذ وعلى المؤسسة برمتها. فحين يصرح التلاميذ في حلقية داخل حرم المؤسسة بأن المذكرة الوزارية رقم كذا لا تجيز للأستاذ أن يخرج التلميذ بسبب الكتاب المدرسي، وحين يضيف آخر بأن بعض الأساتذة ليسوا في المستوى، فهذا عقوق تربوي غير مقبول، لأن المذكرة 50 تخص التلميذ الذي يبحث عن الكتاب المدرسي في السوق فلا يجده، وليس التلميذ الذي يمتنع عن إحضار الكتاب المدرسي وهو متوفر بكميات كبيرة في خزانة المؤسسة، ثم يعمد إلى التشويش والشغب وعرقلة الدرس، وبالتالي حرمان زملائه من حقهم في التعلم والتحصيل. أما تقييم عمل الأستاذ فهذا من اختصاص المفتش وحده ولا يحق للتلميذ أن يتجرأ على مدرسيه. إذا أراد التلميذ فعلا أن يحصل على حقوقه كاملة غير منقوصة، فالطريق سهل جدا: عليه أن ينضبط داخل القسم وينجز واجباته المنزلية ويحضر أدواته ويتحلى بخلق الحياء والحلم ثم يوقر المدرس والمدير والحارس العام والمعيد والعون... عليه أن ينظر لزميلته تماما كما ينظر لأخته ويتخلق بأخلاق طالب العلم. إن طلب العلم فريضة شرعية قبل أن يكون ضرورة اجتماعية، والمدرسة أشبه بالمعبد كما يقول الشاعر الفرنسي فكتور هيكو، وكلما بنينا مدرسة إلا وأغلقنا معتقلا في المقابل. وتبقى الطامة الكبرى أن يتجرأ التلميذ فيرفع يده على معلمه ومربيه. هنا يجب أن نقف جميعا وقفة تأمل في مآل منظومتنا التربوية. كيف نوفق بين حق التلميذ المنقطع أو المفصول أو المتعثر أو المشاغب وبين حق باقي القسم في الهدوء والجودة والامتياز؟ كيف نشرك الأسرة في التنشئة السليمة للطفل لتؤهله لولوج المدرسة العمومية من أجل تحصيل العلم أولا وليس فقط من أجل ضمان وظيفة في المستقبل؟ إن الحركة الحقوقية في المغرب يجب أن تراعي التوازن المطلوب بين حق الفرد ومصلحة الجماعة، لأن المطالبة بالحقوق دون أداء الواجبات يحدث خللا في المجتمعات.