الحذاء الطائر الذي رُمي به جورج بوش في بغداد كان مهماً كتعبير عن حرية الرأي التي بشر الرئيس الأميركي العراقيين بها، إلا أنه شغلنا جميعاً عن الأهم، فقد أدلى بوش بتصريحات وداعية في العراق ثم أفغانستان يحتاج الواحد منا الى أن يلغي عقله وضميره ليصدقها. سأمنع الغضب من أن يضعف حجتي، لذلك سأكتفي بما قال جورج بوش في جولته، والحقيقة كما أعرفها، وأترك الحكم للقراء. - هو قال في مؤتمره الصحافي مع رئيس الوزراء نوري المالكي ان الاتفاق الأمني يثبّت شراكة استراتيجية بين البلدين، ويمهد الطريق لعودة القوات الأميركية الى بلادها مع اقتراب الحرب في العراق من نهاية ناجحة. وأصرُ على أن النجاح مستحيل على جثث مئات ألوف الضحايا، وأنتظر انسحاب الأميركيين فرأيي ان عشرات الألوف منهم سيبقون «للتدريب»، إلا إذا نفذ باراك أوباما ما وعد. - هو تحدث عن الديموقراطية والحرية، ودعم المؤسسات الديموقراطية في العراق، وأتحدى إدارته كلها ان تطلع بإشارة واحدة الى الديموقراطية هدفاً في العراق قبل الغزو، فما حدث هو أنه بعد ثبوت زيف الكلام عن أسلحة دمار شامل وأي علاقة مع القاعدة تحولت الإدارة الى الديموقراطية والحرية، بل الى العراق نموذجاً لبقية الشرق الأوسط. - قال ان الوضع تغيّر في العراق بشكل دراماتيكي عنه قبل سنتين عندما كانت الفوضى والعنف يجتاحان البلاد، وقال ان السنّة والشيعة والأكراد يجلسون الى طاولة معاً، وقد طُردت القاعدة من مراكزها الآمنة. وأصرُ على أن العراق لا يزال يتعرض للإرهاب كل يوم، وانخفاض الإرهاب لا يعني القبول به، فماذا كان رأي الرئيس لو أن عشرة أميركيين أو عشرين أو ثلاثين يقتلون كل يوم في عمليات انتحارية وغيرها. ثم ان الاحتلال هو الذي أطلق حرباً أهلية لا تزال أسبابها كامنة. - تحدث عن تضحيات الأميركيين والعراقيين في الحرب، وأقول ان الجنود الأميركيين الذين قتلوا وأضعاف أضعاف ذلك من العراقيين راحوا جميعاً ضحية حرب غير شرعية أسبابها كاذبة عمداً، وادارته مسؤولة عن نشر الموت والدمار، ويجب أن يحاكم المسؤولون أمام محكمة جرائم الحرب الدولية إذا كان للعدالة أن تنتصر. - قال الرئيس أن أميركا تحافظ على كلمتها، وتظهر لشعوب الشرق الأوسط كيف انها تثق بثبات مع الحرية والعدالة والسلام. وطبعاً هذا كله دعاية في صدق دعاية سيارة مستعملة، وهو مستهلك مثل تلك السيارة، فالولايات المتحدة كانت بلداً ديموقراطياً عظيماً وقُدوة لشعوب العالم، حتى جاءت ادارة بوش، فسرقت من حريات الأميركيين في الداخل، واعتدت على العراقيين، وباعت الديموقراطية والحرية في كل مرة نفّذ لها دكتاتور ما تطلب، فالمقياس هو مقدار سيره في سياستها، لا حرية شعبه أو حقوقه الإنسانية. - اختتم الرئيس بوش كلمته قبل بدء الرد على أسئلة الصحافيين بالقول ان الحرب لم تنته، إلا أنها في طريقها الى تحقيق الفوز بالتأكيد. أولاً، كان الرئيس أعلن في 1/5/2003 أن «المهمة انتهت»، فهل أخطأ أو كذب في حينه؟ ثانياً، لا فوز ممكناً، فالخسائر التي تكبدها العراق في السنوات الخمس الأخيرة تلغي الكلمة كلها. والفوز الوحيد الممكن هو أن ينسحب الأميركيون نهائياً، وأن يحاكم المسؤولون عن الحرب منهم. بين كلمته والأسئلة كان هناك الحذاء الطائر الذي أوجز رأي الغالبية في الرئيس وسياسته، على رغم إِحراجنا كعرب أن يهان ضيف في بيتنا. الرئيس بوش خاطب الجنود الأميركيين بعد ذلك في «قاعدة فكتوري»، أو النصر، ولا نصر هناك إلا الأفلام والأحلام، وبما ان الرئيس كان أمام جمهور أميركي فقد قلب الحقائق رأساً على عقب بجرأة لا يقدر عليها سوى المحافظين الجدد الذين يكتبون له ما يقول. وأريد أن أكمل غداً بمختارات من كلامه في قاعدة النصر المزعوم، وأيضاً في أفغانستان حيث اختار أن يحدث الجنود الأميركيين في قاعدة باغرام التي التصق اسمها بالتعذيب مثل معتقل غوانتانامو