على خلاف الجلسات المتوالية لاجتماعات لجنة المالية بمجلس النواب، حج أغلب أعضاء اللجنة طيلة يوم الاثنين الماضي، مع تفاوت في عدد الحاضرين بين فترات اليوم، في اللحظة الحاسمة لمسار المناقشة والمصادقة على الجزء الأول لمشروع قانون المالية، فالأمر يتعلق بمناقشة التعديلات المقترحة والبت فيها بين الرفض والقبول، وما يسبق ذلك من تفاهمات بين فرق الأغلبية والحكومة من جهة، وإعداد المعارضة لمقترحات تضع الحكومة أمام مسؤولياتها، والسعي إلى إظهار قدرتها على محاسبتها فيما اقترحته من إجراءات جبائية ومالية في إطار مشروع القانون. غير أن الملاحظة الأساسية التي يقف عليها كل متتبع لأطوار الاجتماع الذي امتد إلى الواحدة بعد منتصف ليل الاثنين/الثلاثاء الماضيين هو مفارقة رفض الأغلبية الساحقة لاقتراحات المعارضة ـ وما أكثرها ـ بشكل يكاد يكون منهجي، وفي بعض الأحيان دون تقديم مبررات موضوعية، مطمئنة أن نواب الأغلبية لن يؤدي أبداً مقترحاً للمعارضة إلا في حالات استثنائية، وذلك لاعتبارات الاصطفاف السياسي، وبالمقابل قبلت الحكومة أكثرية مقترحات الأغلبية. والمؤسف أن التصويت على مواد مشروع القانون المالي، والتي استرعى الجانب الضريبي والجبائي والجمركي فيه الاهتمام الأكبر من التداول، تم بناء على قاعدة معارضة/أغلبية، وليس على قاعدة أن البرلمان هو المؤسسة التشريعية التي يصدر عنها القانون المالي، وبالتالي تعدل بنسبة محترمة مواده، ولا تنساق وراء منطق الحكومة بشكل شبه كلي، بل إن العكس هو ما وقع إذ لم يتم تدخل على المشروع إلا تعديلات شكلية في أغلبها، واستطاعت الحكومة تمرير ما تراه مناسباً لها مطمئنة لنيل أغلبية الأصوات، سواء داخل اللجنة أو خلال الجلسة العامة، دون أن يكون منطق الإقناع والاقتناع بناءاً على نقاش حقيقي هو الفيصل في قبول أو رفض تعديلات الفرق النيابية تتوراى خلاله حدود الانتماء السياسي، وتغلب فيه مصلحة المواطنين والبلاد والاقتصاد الوطني، وليس فقط الحفاظ على توازنات مداخيل ومصاريف الحكومة.