المتابع للشأن الفلسطيني هذه الأيام يصاب باختلال التوازن في أحكامه وتحليلاته نظراً لما يراه ويسمعه من القيادات الفلسطينية ومناصري كل طرف من أطراف تلك القيادات. المدرسة العباسية تدعو إلى حوار بين جميع الأطراف الفلسطينية، وعلى وجه التحديد حركة حماس، المدرسة الحمساوية تستجيب للدعوة وترحب بها، وهي أيضاً تدعو للحوار مع كل الفصائل والمقصود حركة فتح العباسية. والمتابع لهذا الشأن يعلم عن تفصيل صلح مكة بين الطرفين المتنازعين، ويعلم أسباب الفشل وأهمها مشروع دايتون، ويعلم تفاصيل اجتماع صنعاء، ويعلم المتابع تفاصيل اجتماع السنغال ناهيك عن اجتماعات القاهرة المتعددة. لم يعد الأمر مستعصياً على أحد أن يعلم بأن هناك اتجاهين، الأول مسالم مسلِّم يريد الزعامة والوجاهة والتجارة في آن واحد، وآخر يريد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ولو على أسنة الرماح، أنهما طرفان متوازيان لا يمكن أن يلتقيا. حدثني صديق - التقيت - عن الحال الفلسطيني قبل وبعد دخول السلطة الفلسطينية إلى الأرض المحتلة عام 1967 بعد اتفاق أسلو المنحوس يقول: كنا مرتاحين في الضفة والقطاع، نعرف عدونا ونرصد خطاه ونتربص للنيل منه، كان المجتمع الفلسطيني موحداً وعبر عن تلك الوحدة في انتفاضته أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، تلك الانتفاضة لم يستطع حتى العملاء اختراقها. اليوم الحال غير الحال تعدد الأعداء وازداد عدد العملاء، وأصبحوا يشتغلون ضد الوطن والمواطن علناً وبحماية مسلحة. سألت محدثي القادم من فلسطينالمحتلة؛ حدثني ماذا جرى في غزة، وما هو الحال هنا؟ قال: بعد أن استتب الأمر للحكومة المقالة في غزة بقيادة فصيل واحد متضامنة قيادته، انضبط الأمن واختفت عصابات الابتزاز المسلحة وفرض الخوة المالية على التجار وأصحاب المصالح والأفراد الباحثين عن وظيفة. هذه الانجازات لا يروق للطرف الآخر ولن يقبل بها بسهولة، فمن وقت لآخر يحدث إشكالات لكن في حدودها الدنيا والتي من السهل السيطرة عليها، لكن أحداث الشاطئ الأخيرة التي أودت بحياة أفراد من حماس وبعض المواطنين استدعى حماس أن تضرب بقوة بحثاً عن الجناة وإلا فإن هيبتها الأمنية ستفقد إذا لم تقبض على الجناة. جدت قوات الأمن في غزة بحثاً عن الجناة وكان عليها أن تقبض على كل من تحوم حوله الشبهات وسارت قوى الأمن في كل اتجاه إلى أن وصلت حي الشجاعية المعروف بأنه المعقل لفتح العباسية وهنا جرى الصدام وازداد اليقين لدى قوات الأمن في غزة أن الجناة في هذا الحي فكانت الأحداث المؤسفة والمرفوضة شعبياً. تقول التقارير: إنه تم القبض على رأس الجناة، وكتائب الأقصى تقول إن المعتقل هو زكي السكني وهو مسؤولها في غزة، وأن عائلة حلس فتح التي قاومت قوات الأمن عند البحث في حي الشجاعية عن الجناة فرت من المواجهة إلى فلسطينالمحتلة، البعض أجبر على العودة والبعض بقي للعلاج أو آثر السفر إلى رام الله وانتهت المعارك الضارية. سؤال كل عاقل لماذا لا يتعاون الناس في فلسطين إبان الأزمات مع رجال الأمن في البحث عن العابثين بالأمن والقبض عليهم، وخاصة إذا كان هناك ضحايا من الأبرياء أو سلبت أموالهم وأعراضهم؟ يُنحي البعض باللائمة على حركة حماس بأنهم تجاوزوا الخطوط الحمراء، كما تقول الدكتورة عشراوي، والسؤال الذي يبحث عن إجابة لماذا لا يستجوب وزير الداخلية المستقيل السيد القواسمة كشاهد عن معاناته الوظيفية والنطق بأسباب استقالته. تقول عشراوي على محمود عباس أن يكون رئيساً لكل الفلسطينيين وليس لفصيل محدد، فهل يستطيع أبو مازن أن يكون ذلك الرئيس؟ في عمان يوم أمس الاثنين شنت بعض قيادات فتح الوطنية هجوما شرساً على ما أسموه بخط دايتون في صفوف حركة فتح، وهذا ما قالت به حركة حماس، البعض الآخر في الاجتماع ذاته رجال فتح الشرفاء شكواهجوماً على من يدعون إلى إسقاط خيار المقاومة والكفاح المسلح، بعد أن مزقت إسرائيل كل اتفاقاتها السابقة مع أركان السلطة، وهذا ما تقول به حماس. في كل حركات التحرر الوطني تجري تعديات والعمل الوطني الفلسطيني ليس مستثنى من ذلك، فحماس أخطأت في مواقف وأصابت في مواقف أخرى، واعترفت بأخطائها علناً، لكن الطرف الثاني لم يعترف بما نفذت بعض قياداته من جرائم ارتكبت في حق الوطن والمواطن الفلسطيني. حماس أخطأت عندما أغلقت بعض وسائل الإعلام الفلسطينية، لكن دور وسائل الإعلام في الأزمات الوطنية تهدئة النفوس، وتوحيد الصفوف، ومنع تأجيج الخلاف بين الأطراف المختلفة. إننا نناشد كل الأطراف الفلسطينية وخاصة وسائل الإعلام أن تعمل على وأد الفتنة، والامتناع عن التحريض وعدم البحث عن السلبيات.. من أجل الوطن.