يعد الدكتور طه جابر العلواني أحد أعلام الفكر الإسلامي المعاصر البارزين، اشتغل منذ أزيد من ثلاثة عقود على قضاياه باحثا مؤلفا ومحاضرا وناقدا، تسلم مشعل مشروع إسلامية المعرفة بعد الاغتيال الغادر للمفكر الإسلامي الفلسطيني إسماعيل راجي الفاروقي. وكان مديرًا للمعهد العالمي للفكر الإسلامي، وهو الآن رئيس جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في أمريكا. العلواني من المفكرين الإسلاميين القلائل الذين يفكرون بصوت مرتفع وغير معهود، وقد اتجه في السنوات الأخيرة اتجاها نقديا صرفا، واضعا الكثير من القضايا التي تعتبر من المسلمات في الفكر الإسلامي موضع المساءلة والنقد، وقد طلع على المختصين وقرائه عموما بمشروع أسماه مشروع مراجعة التراث الإسلامي. منتقلا لأول مرة من الدعوة النظرية إلى مجال التطبيق العملي .متسلحا بمنهج أصولي صارم اكتسبه من خلال دراسته المعمقة لهذا العلم، وانفتاحه الواعي والمسئول على بعض المناهج الحديثة. وقبل أن يطرح الدكتور العلواني مشروعه قدم له بمقدمات وإشارات اكتسبت في البداية طابع العمومية والتبسيط، واستطاع بذكائه وخبرته الطويلة في البحث، ومعرفته الدقيقة بخريطة الفكر الإسلامي وتياراته ، وتفكيكه للخطابات النقدية السابقة؛ أن يتوصل إلى أن هذه الخطابات تفتقد للرؤية الصائبة والشرط الموضوعي لإحداث الإصلاح المنشود.لأنها لا تلم تشخص الأزمة تشخيصا صحيحا. آمن العلواني بأهمية المسألة الفكرية في المشروع الإسلامي وانتهى إلى الإقرار بأن أزمة الأمة هي أزمة فكرية بالدرجة الأولى تتفرع عنها باقي الأزمات ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ... وجوهر هذه الأزمة في نظره يكمن في اختلال في مصادر التلقي أو في مناهج التفكير، لذلك طرح باسم المعهد العالمي للفكر الإسلامي مشروعا نظريا من عناوينه العريضة كيف نتعامل مع القرآن الكريم ؟ كيف نتعامل مع السنة النبوية؟ كيف نتعامل مع التراث؟ واستكتب المعهد في هذه القضايا ثلة من العلماء والمفكرين الذين أدلوا بآراء مهمة وعميقة في هذه القضايا. وقد امتد الطرح النظري لمشروع إسلامية المعرفة لسنوات طويلة راكم خلالها كما لا بأس به من الآراء والأفكار التي شكلت زخما نظريا كبيرا استوعبه الكثير من المهتمين. تجنب العلواني السقوط في نفس المأزق الذي سقطت فيه المشاريع السابقة كما تجنب إستراتيجية الصدمة التي لجأ إليها كثير من المتحمسين الذين فاجئوا الرأي الإسلامي بأفكار وأراء صادمة بسبب التسرع وغياب الخبرة وعدم مراعاة الظروف مما أدى بالكثير من هذه الآراء إلى الفشل في إحداث التأثير المطلوب بسبب ردود الفعل القوية التي أحدثتها. واستطاع العلواني أن يتقدم بهذا المشروع خطوة خطوة وبطريقة سلسة لكن بثقة كبيرة في النفس وصدق ومصداقية في الرأي. ويلاحظ أن الدكتور العلواني استبعد ـ في البداية ـ من منشورات المعهد العالمي للفكر أعمالا تميزت بجرأة غير معهودة، مثل كتاب السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث،للشيخ محمد الغزالي رحمه الله، وكتب المفكر السوداني الراحل أبو قاسم حاج حمد، وخاصة كتابمنهجية القرآن المعرفية، ولوحظ بخصوص الأخير أن العلواني تبنى الكثير من الأفكار والمفاهيم التي طرحها حاج حمد ،وعمقها وأصلها وأدخلها إلى المجال التداولي الإسلامي، مثل (الجمع بين القراءتين) و(جدلية الغيب والإنسان والطبيعة) و(منهجية القرآن المعرفية) .... بعد اطمئنان العلواني لاستجابة ولو نسبية لمشروعه ، انتقل من مرحلة الدعوة والدعوى التطرية إلى مرحلة أخرى تميزت بالتدقيق في المفاهيم والمعارف والقضايا وتطبيق المنهج النقدي على الكثير منها. وهذه القضايا التي تناولها ليست جديدة، كما انه ليس الوحيد الذي راجعها، لكن ميزة الرجل أنه الوحيد الذي تناولها داخل المنظومة الإسلامية متسلحا بعلم أصول الفقه وعلم مصطلح الحديث والمنهج النقدي المعاصر. فمن خلال الحوار الذي أجراه معه موقع إسلام أون لاين، مع الدكتور العلواني بعنوان العلواني ومراجعة التراث الإسلامي.. مشروع جديد عبر عن آراء جريئة في كثير من القضايا التي تعد من صميم اهتمام الفكر الإسلامي، وحللها. يعتبر العلوني أن ختم النبوة ليس مجرد فضيلة من الفضائل التي أضيفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هي محدد منهجي.. لذلك رفض بعض الافكار السائدة في الوسط الإسلامي من ذلك فكرة المهدي المنتظر وعودة المسيح ويرى أن فكرة المهدي، دخلت إلينا من خلال التفاسير، وربما صاغها البعض أحاديث لمصلحة ما، هذا يستدعي النظر والتدقيق ونقد متونها وأسانيدها بدل المرة ألفا، وهناك أحاديث أخرى في الصحيحين وفي غيرها، هي في حاجة إلى إعادة نظر. وتساءل العلواني عما سيفعله هذا المهدي؟ وما الذي سيفعله عيسى؟ الأمم الآن لم تعد تخضع ذلك الخضوع المطلق لأفراد، يعني آخر ظاهرة خضوع للفرد وأعلن أن من حقه ألا يقبل أحاديث ما، قد يكون صح سندها عند غيره، لكنه اكتشفت في السند عيبا، أو صح متنها عند آخرين ونقد المتن واكتشف به عيباً، وفقاً للمنهج الأصولي، كما فعل في بحوث سابقة له حول حديث الردة حديث (من بدل دينه فاقتلوه) و حديث (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث) وكما درسنا حديث (ستفترق أمتي على بضع وسبعين شعبة. ويضيف: هذه الأحاديث مشتهرة على الألسن وصححها كثيرون، لكن وجدنا فيها عيوباً وفقاً لمناهج المحدثين، فما العيب أن يقوم طالب علم أو شخص مختص بدراسة وفق المناهج التي وضعها المحدثون، ليثبت لنا أن هذا الحديث فيه عيب لم يكتشف ويكتشفه، {كلاً نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك} أنا لا أدعي لنفسي أي شيء فيها أنا مجرد طالب علم أخطئ وأصيب. ويرى العلواني أنه لا حجية للسنة إلا بالقرآن، وكل العلماء متفقون على أن الحديث إذا خالف القرآن يُنحى، القرآن هو الذي يؤخذ به، هو الحاكم على الحديث، هو المصدق والمهيمن على تراث النبيين كافة، فلم أفعل أنا شيئا غير هذا، ولم أتجاوز الحدود المرسومة لدى المحدثين ولدى أهل العلم. ويرى أن فتح النقاش حول موضوع السنة فذلك لا يعني إنكار السنة أو حجيتها، فلا تلازم بين هذا وذاك.. ويضرب لذلك مثال الإمام أبو حنيفة الذي لا يستطيع أحد أن يتهمه بأنه أنكر السنة، فهو لم يأخذ بقوله عليه الصلاة والسلام، {لا نكاح إلا بولي}... مع أن الحديث صحيح، بل بلغ حد الشهرة ولم يأخذ به؛ لأن الله في القرآن قد نسب النكاح إلى المرأة وقال {حتى تنكح زوجاً غيره}، وقال: {ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن}. أما مسألة نزول المسيح فقرر العلواني أنه ليس عليها من القرآن الكريم دليل فهذا نص لا يتحمل أي تأويل ولا تفسير، فالذي يكون مخصصًا من قبل الله إلى بني إسرائيل كيف يصبح رسولاً للعالم لولا أن مصلحة النصرانية العالمية ومصلحة التنصير تقتضي تأكيد هذه العقيدة المنحرفة من عقائد المسلمين، لكي تنص على مصلحة الإسلام إلى جانب مصلحة اليهود، فالآن نحن نحارب بهذه العقيدة.. اليهود يرون أنهم سيقيمون الهيكل من أجل أن ينزل المسيح، اليهود يعتبرون أن الإبادة للعرب ومعركة هرمجدون إذا ما كان يفهمها هؤلاء إنما هي تمهيد لنزول السيد المسيح، وأن هذا السيد المسيح هم مختلفون عليه سموه المشابه ويعتبرونه يهودي، والنصارى يرون بأنه المسيح عيسى بن مريم. ويتأسف العلوني لكون النصوص الإسلامية الواردة في هذا من بعض الأحاديث هي أيضا إلى صف النصارى في هذا، يعني لو سلمنا فيما يقولون، لماذا يأتي السيد المسيح بعد خاتم النبيين، إلا لإزالة صفة الختامية عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وفتح أبواب المتنبئين. ويرى العلواني أنه لا حجية للسنة إلا بالقرآن. (يُتبع)