تغيرت مظاهر المجتمع وتغيرت سلوكيات أبنائه، إذ أصبحت ظاهرة الانحلال الخلقي في أوساط المراهقين تثير الكثير من الاستغراب والكثير أيضا من التساؤلات، إذ أينما حللت في الشوارع، في الأماكن العمومية، في المقاهي، في كل مكان تفاجئك سلوكيات أطفال لم يتجاوزوا الحادية عشر أو الثانية عشر من العمر بكل أنواع الانحراف، سواء منها مزاولة عادات التدخين أو تناول شتى أنواع المخدرات، أو الخمر، أو العلاقات غير الشرعية، خاصة في بعض الأماكن مثل جنبات البحر، أو المقاهي أو الحدائق العمومية، أو حتى داخل أوساط المدارس، إذ لم يعد هناك مكان مؤمن ضد هذه التجاوزات، كما أنه لم يعد أيضا من مكان يستوجب احترام حرمته في نظر هؤلاء الصغار الذين ما يزالون في بداية مرحلة المراهقة. ولعل هذا ما يطرح تساؤلات كبرى حول المسؤول عن داء الانحلال الخلقي الذي أصبح يعج به المجتمع، والذي يصيب الأطفال قبل الكبار؟ الصدمة فاطمة من مدينة الرباط، أم لثلاثة أطفال، عمرها الآن 34 سنة، تجرعت مرارة انحراف الأبناء بامتياز، فابنتها مريم التي لم تتجاوز بعد السنة الأولى ثانوي، بين ليلة وضحاها أصبحت أما عازبة لأب مجهول، تحكي فاطمة والدموع لا تفارق عيناها من قسوة الصدمة، ومن الاعتراف المرير بأنها كانت غريبة جدا عن تصرفات ابنتها، وأنها أم فاشلة، في حين أن الزوج ألقى كل المسؤولية على الأم التي لم يكن من حل أمامها سوى لملمة جراحها، والحرص على إعادة تأهيل ابنتها وتربية المولود الجديد، كما قالت إن الوضع أرحم من أن يتطور لما هو أسوأ، كأن تنحرف ابنتها بالكامل، ومما زاد الأمر تعقيدا واعتبرته فشلا في التربية، اكتشافها للابن الذي لم يتجاوز الثانية عشر من عمره يدخن؛ بعدما لمحته في أحد الأيام يحمل سيجارة في الشارع رفقة زملائه. واعتبرت فاطمة أن غياب المراقبة الجادة هو الذي أدى بابنتها وابنها إلى هذا الطريق، خاصة أنها تعمل اليوم بكامله، والأب لا يدخل إلا في وقت متأخر، ومما يزيد من حسرة الأم أن ابنتها لم تكن تعرف عن الطرف الآخر سوى بعض المعلومات القليلة جدا، وبعدما حدث، بحثت عنه في كل مكان، ولم تعلم عنه شيئا، خاصة أنها لم تكن تعرف اسمه العائلي. إنها قصة تقول فاصمة يصعب تصديقها، لكنها واقع مرير أظهر لهم ضرورة الحرص والتشديد في تربية الأبناء ومراقبتهم. فاطمة أثناء حديثها لـ التجديد كانت جد حريصة على إخفاء آلامها، وحمل المسؤولية عن ابنتها لأنها اعتبرتها في سن حرجة، مرشحة كغيرها من أبناء جيلها للأخطاء، وأن المسؤولية الكبرى لا تقع على البنت بقدر ما تقع على والديها، وعلى ظروف العمل التي شغلتهما عن المزيد من العناية بالأبناء وبمتابعتهم. بين المدرسة والأسرة اعتبر الدكتور أحمد بنعمو أستاذ علم النفس التربوي بكلية علوم التربية بالرباط في تصريح لـ>التجديد< أن ما يحيط بوسط الطفل الأسري وما يشاهده من مناظر يومية في الشارع وفي المؤسسات التعليمية كلها عوامل مؤثرة في سلوكيات التلاميذ والأطفال، فبالرغم من حرص الآباء على حماية أبنائهم من المحيط الخارجي إلا أنه مع الأسف تبقى مظاهر الانحلال الخلقي متفشية في بعض المؤسسات التعليمية أيضا، بحيث أصبح التلميذ غير آمن من العادات السيئة، سواء من أي طفل أو مراهق آخر قد يكون أكبر منه وقد يكون في مثل سنه، الذي عادة ما يكون هو السبب الرئيس في نقله إلى عالم الانحراف؛ بما فيه من سجائر وخمور وعلاقات غير شرعية، خاصة أن بعض المدارس تشهد تجارة قوية للمخدرات، ومن ضمنها الحبوب المهلوسة، وعلاقات بين الجنسين بشكل فاضح في أوساط التلاميذ إلى درجة أن هذه العادة السيئة أصبحت مستباحة بينهم لكثرة ما يرون ذلك علنيا؛ وبدون أي رقابة. وأكد الدكتور بنعمو أن الأسرة تتحمل المسؤولية بشكل كبير في انحراف أخلاق أبنائها، وأن مراقبة الآباء للأبناء ضرورية جدا في هذا الموضوع. على الرغم مما تطرحه من صعوبة في أوساط الأسر التي تتوفر على خمسة أو ستة أبناء. وأشار بنعمو أن هناك أسرا تحرص على إيصال أبنائها إلى غاية باب المدرسة، ولكن من يحمي هؤلاء الأبناء مما يقع داخل المدرسة؟ إذ اعتبر أن رقابة الوالدين تنتهي بمجرد دخول الإبن للمدرسة؛ لتبقى المسؤولية على أطرها بمن فيهم من مدرسين، وحراس عامين وإدارة، ووزارة التربية الوطنية في جميع هياكلها، لأنه داخل مراحيض المؤسسات الدراسية يتعلم التلاميذ شتى أنواع الانحراف. فمسؤولية الأب والأم تنتهي عند إيصال الإبن إلى باب المدرسة، ولا تبدأ إلا عند انتهاء الحصص الدراسية وبداية مشوار عودة التلميذ إلى منزله. كما أكد بنعمو أن هناك عائلات تبذل كل مجهودها في إيصال الأبناء من وإلى المدرسة لكن مع الأسف يفاجأون بأبنائهم تعلموا العادات السيئة من داخل المدرسة نفسها. الوقاية ما ينصح به الدكتور بنعمو من أجل وقاية الأطفال من هذه الانحلالات، هو أن يحرص الوالدان على منح الأطفال تربية ملتزمة ومتزنة كي تصبح لديهم مناعة أخلاقية ومناعة دينية ومناعة تربوية ليقتنع الطفل هو نفسه بأن ما يراه من عادات سيئة فيها مضار للجسم وفيها انحراف أخلاقي وابتعاد عن الدين والعقيدة وغيرها.وبالإضافة لما يعج به الشارع من أنواع الانحلال الأخلاقي التي يراها الطفل أو التلميذ في سن لم يصل حد الوعي بهذه الأشياء، هناك أيضا وسائل الإعلام والأنترنيت، وهذا ما يستوجب الحرص على التربية من طرف الوالدين ومن طرف المدرسين، وإعطاء هؤلاء الأطفال القدوة الحسنة كي يتحصنوا بتربية أخلاقية جيدة. كما اعتبر أن دور الأستاذ لا يقتصر فقط على تلقين العلم والمعرفة، ولكن أيضا على التربية الأخلاقية، واعتبر أن الأستاذ حينما يشعل سيجارته في القسم أمام التلاميذ، فهو لا يصلح أن يكون قدوة للأجيال، فلا نتوقع حسب الدكتور بنعمو أن ينصت التلاميذ لهذا الأستاذ حينما يخبرهم بمخاطر الانحراف لأنه في تلك الحالة يقول عكس ما يفعل، وبالتالي غياب القدوة للتلاميذ. ونعت بنعمو الشارع بالغابة التي تعج بالمخاطر، والتي يصعب حماية الطفل من مخاطرها إن لم تكن عند الطفل نفسه مراقبة ذاتية وقوة الأنا الأعلى والضمير الذي يحميه من الانحراف، إضافة إلى المراقبة المستمرة، سواء المباشرة أو غير المباشرة من طرف الآباء والأولياء. كما طرح المصدر نفسه أهمية توعية الشباب والأطفال بمخاطر الانحلال الخلقي، وبالخطورة التي تنتج عن ذلك؛ كتنقل الأمراض المعدية وغيرها. وعموما اعتبر الدكتور بنعمو أن التربية الدينية والحصانة الأسرية والأخلاقية شيء مهم جدا يمكن أن يكون هو الواقي من التيارات التي قد تجرف الشباب في طريق الانحراف بكل أنواعها، سواء الانجراف وراء العلاقات غير الشرعية أو المخدرات.