تعد تونس مضرب المثل في الاستئصال وتجفيف المنابع، في مواجهة ما أسمته تطرف ديني، وعبأت لذلك النخبة العلمانية، بشيوعيها وحداثييها من أجل محو آثار الإسلاميين، باستعمال كل الوسائل اللاإنسانية، بدءا باعتقال آلاف الناشطين من حركة النهضة وقيادييها، والزّج بهم في السجون لسنوات طويلة بدون محاكمات، وتفكيك بنيتها التنظيمية، ثم نهج سياسة تجفيف المنابع ثقافيا، من خلال تغيير مناهج وبرامج التعليم الديني، بعد إغلاق جامعة الزيتونة، وإفراغ المؤسسة الدينية من دورها والتحكم فيها، والتضييق على كل رموز الثقافة الإسلامية، ومحاصرة جميع مظاهر التدين في المجتمع. وهكذا أصبح الخيار الاستئصالي، بدعم ومساندة من النخبة العلمانية، نموذجا للشمولية السياسية التي تضيق بالرأي المخالف وبكل المخالفين سياسيا. ومع تطور الأحداث، انتبه اليسار الوطني التونسي وجزء من النخبة إلى حدة وشمول وتوحش الخيارالأمني الرسمي، فبدأت في أواخر التسعينات التحول نحو النضال الحقوقي، ليجد هذا اليسار الذي صفق في البداية لشعار مجتمع مدني بدون أصولية، أي بدون حركة النهضة الإسلامية، مستهدفا هو ذاته، وضحية للدولة البوليسية التونسية.