من أبوجا إلى إسلام آباد؛ أصبحت الأنظمة الأوتوقراطية خبيرة في التلاعب بانتخابات؛ لا غبار في الظاهر على أنها حرة ونزيهة؛ حتى تبقى في السلطة. وهذه هي الطريقة التي يتبعونها، وها هي الطريقة الكفيلة بإيقافهم. التحكم في المسلسل كيف يتم ذلك؟.. إنه ليس أسهل من سرقة انتخابات عندما لا تكون هناك رقابة حقيقية على السلطة التنفيذية، ولا يوجد إطار قانوني فعال للبث في النزاعات. وعندما تكون القوانين فضفاضة ومبهمة فإن لجان المراقبة تكون عاجزة عن مواجهة سلطة مركزية قوية. قال كريس هينيمايير مدير برنامج إفريقيا لمراقبة الانتخبابات (IFES): عندما يكون الدستور جزئيا لا يُفَصِّل في النظام الانتخابي بشكل دقيق وقار؛ فإن المراقب يكون أمام مشكلة. وأضاف قائلا:لنأخذ مثالا على ذلك من دستور كينيا الذي يترك للجهاز التنفيذي سلطات ضخمة. فالدستورهناك قد مكن الرئيس موايي كيباكي من نظام واسع من خلال حكومة قائمة على أساس روابط قبلية. ولقد اعترف رئيس لجنة مراقبة الانتخابات صامويل كيفويتو أخيرا بأنه تعرض لضغوط من مكتب رئاسة الجمهورية حتى يعلن عن نتائج الانتخابات قبل التأكد من صدقيتها. كيف يمكن منع ذلك؟.. إن قضاء مستقلا تماما قادرا على البث في النزاعات بكامل الحرية دون أي ضغط مهما كان أمر واجب وحتمي. وكذلك قد يساعد على إيقاف التلاعب. ويجب كذلك أن تشرف على عملية الاقتراع لجان انتخابية مستقلة عوض وزارة الداخلية. التحكم في وسائل الإعلام كيف يتم ذلك؟.. في الدول التي ليست فيها استقلالية كاملة أو ليست فيها استقلالية على الإطلاق لوسائل الإعلام؛ تتوفر الفرص بشكل واسع للدولة حتى تتحكم في وسائل الإعلام أو تبث دعايات مغرضة أو تثلم وتشوه المعارضين. التعرض لوسائل الإعلام المستقلة بالضغوط قبل وفي أفق الانتخابات أمر سائد كذلك. نموذح من الواقع: في الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية بجورجيا قامت حكومة الرئيس ميخائيل ساكاشفيلي بإغلاق قناة إميدي التلفزيونية المتعاطفة مع المعارضة، التي أسسها أحد خصوم الرئيس في الانتخابات، والتي تسيرها مؤسسة روبيرت مردوخ الإخبارية. فيمَ سيطرت أخبار إنجازات الرئيس وأخبار حملته الانتخابية على النشرات في المحطة التلفزيونية الرسمية. ثم بعد ذلك فاز الرئيس التاريخي بسهولة في انتخابات اعتبرت نزيهة من طرف المراقبين الدوليين. كيف يمكن منع ذلك؟.. إن الإكثار من مصادر نشر الأخبار عبر الأنترنيت ونصوص الخطابات الإليكترونية من شأنه أن يجعل من الصعب جدا التحكم في بث الأخبار، وهذا الأمر سبق أن أثبت فعاليته من خلال المدونات الإليكترونية خلال الثورة البرتقالية في أوكرانيا. ومع ذلك فإن أصحاب المدونات المنتقدة للرئيس حسني مبارك في مصر في السنة الحالية لم يسلموا من إجراءات صارمة من طرف الحكومة بلغت حد السجن والاعتقال. وهناك كذلك حلول تقنية أقل تطورا؛ فمنذ الحرب العالمية الثانية وفرت المحطة الأمريكية الحكومية صوت أمريكا خدمة إعلامية مستقلة نسبيا لمواطنين ليس لهم ولوج إلى إعلام مستقل. الإبقاء على المراقبين بعيدا كيف يتم ذلك؟.. هناك تقنية معروفة جدا تتمثل في تحديد مكاتب التصويت التي يبدو فيها التصويت متأرحجا بين الموالين والمعارضين للحكومة، ووضع على رأسها رؤساء مكاتب مدربين وموالين للحكومة في آخر لحظة. وإذا تمكن هذا الموظف من الحفاظ على الصمت لأكبر مدة ممكنة فإن المعارضة لا تفطن إلى اللعبة إلا بعد فوات الأوان. وهناك تقنية أخرى سائدة؛ تتمثل في تهديد، أو ابتزاز أو إرشاء ممثلي مرشحي المعارضة، أو بكل بساطة منعهم من الدخول إلى مكاتب التصويت إلى أن يكون الموالون للحكومة قد أنجزوا عملهم وأغرقوا الصناديق بما يكفي. نموذح من الواقع: خلال الانتخابات البرلمانية المصرية لسنة 2005 تصرف رؤساء مكاتب التصويت على ما يبدو تصرفا متعسفا بحيث تركوا ممثلي المعارضة خارج المكاتب لأطول مدة. والنتيجة أن بعض المكاتب تمت مراقبتها وبعضها لم تكن فيها مراقبة. وفي إحدى مدن الجنوب المصري تعرض ممثلو المرشحين للضرب من طرف الشرطة، وتم اعتقال ثمانية منهم واقتيادهم إلى مكان ما.والذين تمكنوا من الدخول إلى مكاتب التصويت سجلوا جملة من الانتهاكات. كيف يمكن منع ذلك.. إن مراقبي المنظمات الدولية يصعب كثيرا منعهم من الدخول وهم أقل عرضة للتهديد أو لتلفيق التهم إليهم وتعريضهم للقوانين المحلية. غير أنه يبقى من المستحيل توفيرهم بالقدر الكافي لمراقبة جميع مكاتب التصويت؛ وحتى المراقبون الأجانب يجدون في الغالب صعوبة في الوصول إلى ما يحتاجون الوصول إليه لإنجاز عملهم كما يجب. تزوير النتائج كيف يتم ذلك: إنه لم يعد من السهل التزوير في عملية عد الأوراق الانتخابية؛ منذ أن أصبح هناك في الغالب مراقبون دوليون وهيئات المجتمع المدني. غير أنه للأسف فإن النتائج الرسمية يتم في الغالب التدقيق فيها بصيغتها النهائية في المكاتب المركزية بعيدا عن المراقبة مما يجعل عملية إعطاء أرقام مزورة أمرا سهلا جدا. وهناك تقنية أخرى لها شعبيتها؛ وهي التي ـ كما يقول بات ميرلو مدير برنامج الانتخابات في المعهد الوطني الديموقراطي التابع للحزب الديمقراطي الأمريكي ـ تتمثل في إضافة نتائج من مكاتب تصويت شبح، لا وجود لها . وهذا النوع من التزوير يمكن أن يكون محفوفا بالمخاطر؛ فالجمهور عادة ما يلاحظ بقوة الفرق الواضح عندما تقدم له نتائج رسمية بعيدة جدا عن تلك التي قدمتها استطلاعات الرأي المنجزة قبل الانتخابات. نموذح من الواقع: تروي ناديا ديوك المديرة المركزية لأوروبا و أورو ـ آسيا بالمنظمة الوطنية من أجل الديمقراطية)NED)، هذه القصة من انتخابات أذريبيجان لسنة 2000انقطع التيار الكهربائي عن الغرفة التي يجري فيها عد الأوراق الانتخابية، وأبصر المراقبون من خلال أضواء مصابيحهم اليدوية فقط رزمة من الأوراق تنزل من الهواء فوق طاولة العد. كيف يمكن منع ذلك؟..أبدع نشطاء ديمقراطيون في كوسوفا برنامج مراقبة فاعل خلال الانتخابات التشريعية لنونبر الماضي؛ بحيث استعملوا هواتف محمولة لإرسال خطابات قصيرة وعاجلة تتضمن نتائج مكاتب التصويت المعتمدة إلى ممثليهم بالمكتب المركزي؛ مما مكن من إحداث جهاز مراقبة من خلال مقارنة تلك النتائج بالنتائج الرسمية المعلنة. وكانت نتيجة ذلك أن السجل الحقيقي للأصوات المعبر عنها كان حوالي نصف عدد الأصوات المعلن عنها رسميا. بث جو من البلبلة والعجز كيف يتم ذلك؟.. يقول ديف بيتيرسون من المنظمة الوطنية من أجل الديمقراطية(NED) كذلك: لا شك أن النيجيريين يُعتبرون من بين أكبر لصوص الانتخابات في إفريقيا؛ فقد اشتهروا في العالم أجمع بالأربعمائة وتسعة عشر حالة نصب واحتيال، وبالرشاوى في قطاع النفط. وتتمثل الخدعة عندهم في بث جو عام من الفوضى لدرجة ألا أحد يستطيع أن يؤكد بنحو ولو قريب من الصحة من الذي فاز. نموذح من الواقع: الانتخابات النيجيرية لسنة 2007 عرفت فوضى كبيرة جدا؛ بحيث لم تصل بطائق التصويت إلى المكاتب إلا في وقت متأخر؛ والبطاقات الانتخابية تم طبعا متضمنة لأخطاء كثيرة وبمعومات غير صحيحة. وتم تغيير مكاتب ومساطر التصويت في آخر لحظة. بالإضافة إلى التراخي الأمني؛ بحيث تروي التقارير أن عصابات من الشباب المنحرف كانوا يدخلون بحرية إلى مكاتب التصويت مدججين بالعصي والأسلحة البيضاء ويقلبون المكاتب وصناديق الاقتراع رأسا على عقب ثم يفرون؛ بدون أن يتبعهم أحد. ولا أحد يمكن أن يقول هل الحكومة تسيطر على العملية الاقتراعية أو تخربها بكل بساطة. فهي في حياد سلبي من كل شيء. ويُبَـيِّن ديف بيتيرسون كيف يمكن منع ذلك؛ يقول بيتيرسون:الطريقة الوحيدة لإيقاف ذلك هي في إقامة وتمويل مؤسسة مستقلة تسير العملية الانتخابية بكاملها؛ حتى يمكن التأكد من مرور المسلسل في انسياب وسهولة. اللجوء إلى المادة الخام. كيف يتم ذلك: يقول كريس هينيمايير مدير برنامج إفريقيا لمراقبة الانتخبابات(IFES): قال رئيسي العجوز مرة: الهواة فقط يسرقون الانتخابات في يوم الاقتراع. إن التحكم في المسلسل الانتخابي نفسه من البداية هو الوسيلة الأكثر فعالية سواء في سرقة الانتخاب عوض التصرف بشكل وقح في مكاتب التصويت؛ أو في منع التزوير من الوقوع؛ عوض الحاجة إلى مراقبين في المكاتب نفسها. ولكن عندما يفشل كل هذا؛ فإن بعض الحكومات لا زالت مستمرة في ممارسة الطرق المجرَّبة والأكيدة في إرهاب المصوِّتين والمرشحين على السواء. نموذح من الواقع: الاستراتيجية المفضلة في مصر تتمثل في نشر قوات مكافحة الشغب أمام مكاتب التصويت المعروف أن أغلب ناخبيها قد يصوتون لصالح جماعة الإخوان المسلمون. ليس لمكافحة الشغب طبعا؛ ولكن لإرهاب وتفريق الناخبين الذين قد يصوتوا لللإخوان؛ بينما يتم تشييع موظفي الحكومة في الأتوبيسات أفواجا أفواجا وتُملأ بهم المكاتب. في انتخابات 2005 حدثت مواجهة دموية في شوارع الإسكندرية بين جماعات من المنحرفين مسلحين بالمناجل والسواطير تدعمهم قوى الأمن من جهة ومناضلي الإخوان من جهة أخرى؛ وقد احتلت تلك الحادثة الأخبار الدولية لمدة؛ مما سبب إحراجا كبيرا للنظام. كيف يمكن منع ذلك؟.. من حسن الحظ أن هذا النوع الوقح والسافر في سرقة الانتخابات قد توقف عن أن يكون هو النوع السائد أكثر في العديد من أنحاء العالم. وهذا راجع ليس لكون الحكومات أصبحت أكثر نزاهة؛ ولكن إلى يقظة أكثر من طرف المواطنين ووسائل الإعلام. يصف كريس هينيمايير التحولات التي شاهدها في إفريقيا بقوله: بينما كانت هناك في سنة 2007 انتخابات رهيبة في إفريقيا؛ كانت هناك كذلك أخرى جميلة جدا. إن الأمر يبدو كأن هناك جيلا جديدا من الشعوب الإفريقية استيقظ على حقيقة أن الأفارقة قد ظلوا محرومين من حقوقهم السياسية منذ أن استقلوا. ـــــــــــــــــ هذا التقرير أعدته مجلة السياسة الخارجية التي تصدرها مؤسسة ديل كارنيجي بواشنطن، وقد نشر حصريا في موقعها على الأنترنيت في الأسبوع الماضي.