نقدم هنا نص الوثيقة رقم : أي أو11652 جي ديي اس / ر-71100-زد بتاريخ 7 يناير 1975 من وثائق أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية، التي كشف عنها في يوليوز 2006. وتتضمن الوثيقة نص التقرير السنوي الذي رفعه سفير الولاياتالمتحدةبالرباط إلى وزارة الخارجية في واشنطن عن أوضاع المغرب الداخلية وسياسته الخارجية خلال عام 1974. وهو تقرير أدبي شامل ومفصل سنكتفي في هذا العدد بنشر الجزء الأول الخاص بالسياسة الداخلية على أن ننشر الجزء الثاني منه الخاص بالسياسة الخارجية يوم الأربعاء القادم. ويوضح التقرير كيف كان ينظر السفير الأمريكي الي الفاعلين السياسيين بالمغرب والذي يعد الملك الحسن الثاني هو اللاعب الأكبر الحريص علي الإمساك بقوة بكل خيوط اللعبة متبعا سياسة العصا والجزرة وكيف كان اللاعبين الثانويين بين من جرب العصا فزادت رغبته وتوهجت شهيته لأكل الجزرة. وتأتي الأهمية التاريخية لسنة 1974التي يتناولها التقرير من أنها سنة المغربة ، والسنة التي تلت حرب أكتوبر التي شارك المغرب فيها بتجريدة عسكرية أرسلها للدفاع عن سوريا ،والسنة التي انعقدت فيها القمة العربية بالرباط واستعاد الملك و المغرب فيها مكانتهما بعد أن كان النظام قد تعرض لمحاولتي انقلاب : ففي عام 1971 وأثناء حفل الذكرى الـ42 لميلاد الحسن الثاني ببلدة الصخيرات الواقعة قرب الرباط العاصمة، هاجم 1400 جندي الحفل مخلفين 100 ضحية من بينهم سفير بلجيكا في المغرب، كما جرح أكثر من 200. ونجا الملك الحسن الثاني وأحبطت قواته الانقلاب. وبعد أقل من سنة من محاولة الصخيرات وعند رجوع الملك من زيارة لفرنسا، تعرضت طائرته لهجوم من أربع طائرات مقاتلة من نوع إف/5 في محاولة اغتيال ، فهبطت طائرة الملك اضطراريا بمطار القنيطرة ونجا الملك وأعدم الضالعين في المؤامرة وعلى رأسهم الجنرال أوفقير. والسنة أيضا التي بدأت المطالبة الجدية بجلاء القوات الأسبانية عن الصحراء وتسليمها للمغرب باعتبارها أرضه وتوطدت فيها علاقات المغرب بالولاياتالمتحدة ووصلت فيها أول المعدات العسكرية الأمريكية كما هي السنة التي تضاعفت فيها أسعار خامات الفوسفات. ولذا يعد تقرير السفير بمثابة شهادة تاريخية من مراقب حسن الاطلاع. وضعية السياسة الداخلية لقد استطاع الملك خلال عام 1974 أن يولد رؤية قوية عامة للوحدة الوطنية بمواصلته إقامة توازن سياسي متعدد الأوجه. على الرغم من حقيقة أن القاعدة الشعبية لا تستسيغ الوضعية الاقتصادية (أنظر أدناه) التي لا تحمل إشارة على تحقيق تقدم في العدالة الاجتماعية أو تحسين الوضع ولا يستسيغ أيضا التضخم ، وأن قطاع الزراعة المختلف لم يستفد شيئا ، بل علي العكس قد أسفرت المغربة عن إقطاع جديدتكون من هؤلاء المتخلفين بالفعل في البنوك والمؤسسات المتنوعة الذين قد انتقلوا إلى وضعية أحسن ، قانونية أو غير قانونية ، لشراء حصص الأجانب من خلال المغربة الجارية . لكن هذا أعطى الملك آلية أخري للتوازن الذي يمكنه من تهدئة الشعب حول الطيف السياسي. إنها استراتيجيه شرقية جيدة تعين الملك أو على الأقل لا تحمله صعوبات إضافية بعرض مدفوع الثمن. أ ـ باستثناء مجموعة عبد الله إبراهيم وبن صديق الصغيرة للإتحاد الوطني للقوات الشعبية بالدار البيضاء فإن جميع المجموعات الحزبية قد تجمعت معا واجتمعت حول قضية الصحراء على الرغم من مواصلة المعارضة لمختلف السياسات المحلية . ب ـ المفضلون لدى الملك هم الشبان الذين يشجعهم والتقنيون الأكفاء في الإدارة الذين يدربهم على درجة من صنع القرار وأحيانا يتم ترقيتهم إلى وزراء عندما يحتاجهم في اللحظة الأخيرة ( مثلما فعل في مسألة مغربة البترول) عندما يكون الأمر ضروريا تماما. ويوضح الملك دائما في أنه يرغب في نقل القرارات التقنية وبسرعة بقدر الإمكان الى هؤلاء الذين تعلموا بعد انتهاء حقبة الحماية الفرنسية . وهؤلاء الشباب (وقليل من النساء) تواقون إلى مشاركة أكبر في الحكومة. إنهم باكورة التقنوقراطية (حتى لو كان بعضهم منتسبا للأحزاب) ولكنهم لا يتعجلون رؤية عودة السياسيين القدامى التقليديين التي بإمكانها المنافسة لتنمية سريعة للبلاد الذين يشكون فيها بجدية. ولذا ، فإنه ولو أن كل من السياسيين والتقنوقراط يرغبون في توسيع قاعدة السياسة المغربية إلا أن اهتمامهم أبعد مايكون عن الانسجام. ج ـ قد يتساءل المرء: لماذا الشيوعيون (حاليا غيروا اسمهم إلى التقدم والاشتراكية) يساهمون في هذا المضمار؟ الإجابة : إنهم حيث يوجد الكثير ليكسبونه والقليل ليخسرونه، فإنهم يقفزون بسرعة الى عربة جوق الصحراء. وتخلص بذلك علي يعته من تهمة معاداة القومية التي كانت دائمـا خطرة بسبب ارتباطاته بالشيوعية الدولية. وتخلص كذلك من الشكوك قبله من أنه يخـدم الجزائر مثل كلل يجري لحسابها. وإذا ما واصل الملك خططه الانتخابية والبرلمانية فإن الحزب الشيوعي سوف تتاح له الفرصة للانتظام فيها، أما إذا تراجع الملك عن كلمته ، فإنه قد يستفيد من السخط على ذلك. واستغلال الحدث للركوب فوق الغضب الاجتماعي مبيننا أن أكاذيب النظام قد بدت جلية. علي أي حال فإن الحزب الشيوعي يأمل في أن يمول أخيرا. الملك من ناحية أخرى قد استكمل صورة الوحدة الوطنية ومحميا من جناحه اليساري ، ويستطيع أيضا أن يظهر للولايات المتحدة بكامل الثقة بأنه يملك خيارات أخرى ، وأنه حينئذ لا يمكن أن يؤخذ بخفة وجهة نظر الحزب الشيوعي بأنه غير مجد. هذا التكتيك الثابت ليس هو ما يستسيغه الشباب اليساري الراديكالي الذي نهل من الفلسفة المعاصرة والتوجه المباشر الذي يجتذب بعض ذوي التكوين المادي، ولكن الشيوعيين القدامى مثل علي يعته الذين منذ عهد لينين يزدرون الطفولة اليســــارية ووضعوا مكانها التيكتيكات المنظمة علي حساب التطلع الأكبر؟. د ـ إن المزاج السياسي للقوات المسلحة هو الأكثر صعوبة للتحليل . ووصول شحنة من المعدات لأمريكية قد لطف إلى حد ما التيار . بينما الدعوة إلى رالي الصحراء من المحتمل أيضا أن تكون قد قلصت من المعارضة العسكرية . ولكن من الصعب معرفة ذلك أو الجزم به. إلا إن المؤكد هو أن تنفيذ برنامج التحديث القادم من لدن الولاياتالمتحدةالأمريكية سوف يساعد على إعادة النظر باهتمام من قبل ضباط الجيش إلى المعدات والتدريب وتشغيل وحداتهم. وعامل الاستقرار العام سيكون أكبر من عدم الثقة المزمن لدى القيادات العسكرية والمجموعات السياسية وصغار التقنوقراط. وسيفصل ذلك العسكريين عن أي تحالف محتمل مع السياسيين. ه ـ حيثما توجد اعتقالات حاليا لبعض الطلاب ، وهو ما يبدو متصلا مباشرة بقضية الخـــبز والزبدة ، فقد أخذ عدد من الطلبة الماويين والمدرسين إلى الحجز القضائي في نوفمبــر1974 . ولكن يبدو أن الطلبة مطمئنون إلى أن الغالبية العظمى من الطلبة قد أظهروا مساندتهم لهم. وـ هناك مسببات أخرى لعدم الرضا..والظن أنها ستستمر فاعلة، حيث لا يبدو ثمة منفذ لبروز سياسة مؤثرة، في هذا الوقت على الأقل ، تقي النظام من أي مخاطر جدية عليه. ز ـ إذا واصل الملك مسيرته، بالنسبة لخطط الانتخابات والبرلمان ، كما تأمل في تفاؤل جميع المجموعات من أنه سيفعل، فإن المخرج فيما بعد لن يكون مؤذيا. بالنسبة للاستياء المعبر عنه والتنديد، فسيتراجع عندما لا تدع سياسة يقظة الوضع يخرج عن اليد. إذ كل وسائط المعارضة الهادفة والمؤثرة قد تلقت دروسا قاسية في فن الحياة الخطرة . ومما لاشك فيه أن هذه الدروس محفوظة في ضفاف الذاكرة حيث تبين متى تكون المعارضة مأمونة أو غير مأمونة.وإذا المرء أضاف إلى ذلك،السم والهشاشة اللتان استرضى بهما المعنيين (وقليل غير معني)، بالإضافة إلى ملاحظة الحقيقة المتمثلة في نقص التكوين السياسي والمهارة التنظيمية . بدون معارضة فإن المرء يصل إلى استنتاج..( يعدله الإدراك بأنه لا تنبؤات سياسية آمنة أبدا.). بأن الملك في سبيل الوصول إلى وضع جيد تماما يمكنه الإمساك بالوضع الداخلي على أحسن وجه مرض له. 3 ـ الاقتصـــــاد: المغرب تواجهه في السنة الجديدة مشاكل عديدة: يواجه المغرب مثل باقي العالم مشاكل عديدة : تضخم مرتفع ، بطالة متنامية ، شحة الأموال ،مع توقع سنة أخرى سيئة المحصول واضطرابات اجتماعية محتملة ، ولكن هناك عوامل ايجابية أخرى جيدة مفتقدة في الدول الأخرى هو العدد الكبير من العمال في الخارج الذين يدفعون مبالغ كافية لعائلاتهم التي تركوها خلفهم. وثمن المنتج من الفوسفات الذي يتزايد بالتوازي مع التضخم العالمي واستشراف الطلب عليه الذي يظهر معه راسخا. على الأقل ، فإنه على مدى الشهور الحرجة المقبلة فإن مغربة معظم المشروعات الأجنبية قد أنجزت بأقل تضارب ومحافظة على مناخ له جاذبية معقولة للاستثمار الأجنبي. وسجل المديونية جيد والدول الخليجية تبدو مستعدة لجعل بعض الأموال التي تحتاجها التنمية متاحة.وأسعار الفوسفات قد ارتفعت من 14 دولار للطن إلى 42 دولار للطن في نهاية عام 1973 وفي يوليوز 1974 بلغ ثمن الخامات الجيدة 63 دولار للطن. هذا التضاعف في السعر لأربع مرات هو الذي زاد من أهمية الفوسفات وجعل حصته في الناتج المحلي الخام تبلغ 20 في المائة بعد أن كانت 4 في المائة. وكمصدر للعملات الأجنبية ارتفعت حصته من 21 في المائة إلى قرابة 63 في المائة.. حوالي مليار ومائة مليون دولار. هذا ، مع زيادة تحويلات العمال في الخارج ... هذا كله هو المفتاح للمظهر الجيد للاقتصاد المغربي خلال العام الماضي. ووقوع المغرب على الحدود الشمالية لمنطقة الساحل قد عرضه لأسوء تأثيرات الجفاف. إلا أن الإنتاج الزراعي ، بالرغم من تعرضه إلى نقص الأمطار وتعرض الحبوب لمرض الصدأ ، إلا أن تأثير دلك عليه لم يكن حادا. وصادرات الحمضيات أبانت أن الدولة أخذت على عاتقها أن تصارع من أجل أن يظل تشغيل البساتين التي هيأها الفرنسيون المستعمرون فعالا. ولقد بات ضروريا على المغرب استيراد 800 ألف طن من الحبوب بعد أن كان يبدو مكتفيا ذاتيا منها. وبسبب تضخم أسعار السكر والزيت فإن استيرادها سيكلف أكثر من 160 مليون دولار. هذا بينما عائدات الفوسفات والتحويلات النقدية عزلت لحسن الحظ المغرب عن احتسابه ضمن الدول الأكثر تضررا. ولقد استنفد فشل المحصول وغلاء أسعار الغذاء عالميا ما يعادل ثلاثة أرباع الدخل تقريبا. خطة السنوات الخمس الجارية والتي نفذت هذا العام وقدر تمويلها من الحجم الكبير القياسي لعائدات الفوسفات ، قد تواجهه صعوبات مستقبلية عندما يدخل المغرب عام 1975 مع 360 ألف الي 500 ألف عامل بالخارج ، إذ أن تقلص التوظيف الأوروبي قد يعقد المشهد الاقتصادي عام 1975. بالإضافة إلى ذلك ، فإن عام 1974 كان عام مغربة الاستثمارات الأجنبية ، حيث أخذت الشركات المسجلة خارجيا شركاء مغاربة مرضي عنهم تملكوا 50 في المائة من أسهمها مع رؤساء مجالس إدارة مغاربة قد أضفي تأثيرا مهلهلا على قطاع الأعمال . ومعظم الصعوبات والمفاوضات المغربية الطويلة ، خاصة تلك المتعلقة بشركات توزيع البترول انتهي العام ومازالت متواصلة فيما عدا شركة إسو التي بمساعدة قوية من السفارة وصلت إلى اتفاقية مع الحكومة.
