سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الأستاذ جامع المعتصم في تدخل باسم الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب لمناقشة قانون المالية بمجلس المستشارين:نقول لا لهذا المشروع ونطالب الحكومة بأن تعبر عن جديتها في فتح ومواصلة العمل في مختلف أوراش الإصلاح الضرورية لنهضة بلدنا
أعلن المستشار جامع المعتصم، باسم الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، خلال جلسة مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2005 بمجلس المستشارين، عن تصويت الاتحاد ضد المشروع المذكور، وعلل ذلك بعدة أسباب من بينها أن الحكومة لم تظهر عن جدية حقيقية في مواصلة أوراش الإصلاح التي أعلنت عنها، وكذا لكون المشروع يشوبه غموض ولا يتوفر على رؤية ناظمة. وفي ما يلي نص تدخل جامع المعتصم: السيد الرئيس المحترم، السادة الوزراء المحترمون، السادة المستشارون المحترمون، يسرني أن أتناول الكلمة باسم الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب لأساهم في مناقشة مشروع قانون المالية لسنة 2005، و قبل أن أعرض لموقفنا من هذا المشروع وملاحظاتنا بخصوصه، لا يفوتني أن أقول كلمة بشأن ما سمي "بمنتدى المستقبل"، الذي احتضنته بلادنا قبل أيام تحت رعاية الإدارة الأمريكية، وذلك من أجل التسويق لنسخة جديدة من مشروع "الشرق الأوسط الكبير"، والذي يبشر الدول العربية والإسلامية على الخصوص بإصلاحات سياسية واقتصادية وثقافية، والتي تهدف إلى ترسيخ الديموقراطية وحقوق الإنسان على النمط الذي تصدره الإدارة الأمريكية إلى الشعوب المستضعفة، ولنا الحق أن نتساءل: أهي الديموقراطية التي تزرعها الآلة العسكرية الهمجية للإدارة الأمريكية وربيبتها "إسرائيل" في العراق وفي فلسطين وفي أفغانستان؟ أم هي حقوق الإنسان التي تمثل المشاهد المخزية لمعتقلي سجن أبو غريب بالعراق إحدى أنصع صورها؟ أم الإصلاحات التي تنجزها كبرى الشركات الأمريكية وهي تسبر أغوار حقول البترول وتحتكر صفقات إعادة الإعمار؟ السيد الرئيس إننا في الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب نؤمن بأن التواصل بين الثقافات والحوار بين الحضارات هما السبيل الأقوم لتحقيق التعارف وعمارة الأرض، مصداقا لقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)، غير أننا نرفض وبكل حزم وقوة مع كل الشرفاء في هذا البلد الإصلاحات المستوردة أو المملاة من قبل قوى الهيمنة الجديدة، ونقول "لا" لكل محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني والانصهار في مشروع أمركة المنطقة العربية والإسلامية. مشروع بلا رؤية وبنية تواصل الانهيار السيد الرئيس إن مشروع قانون المالية المعروض علينا اليوم يفتقد إلى رؤية ناظمة توجه فصوله ومواده، وهو بذلك عبارة عن ميزانية حسابية لن تمكن من الحفاظ على التوازنات المالية، التي تشكل الهاجس الوحيد للحكومة، فضلا عن أن تراعي التوازنات الاقتصادية والاجتماعية التي ينتظرها المواطنون، لأنه وبكل بساطة قانون لا يرتبط بمخطط أو رؤية واضحة. السيد الرئيس لقد انتظرنا تحقيق وعد إصلاح بنية الميزانية، غير أن واقع المشاريع التي تقدمها الحكومة يثبت استمرار تدهور هذه البنية، وذلك نتيجة الارتفاع المتواصل لحجم ميزانية التسيير التي انتقلت من 55 بالمائة لتصل إلى 63.5 بالمائة هذه السنة، في حين أن ميزانية الاستثمار تواصل التراجع، فبعد أن كانت تمثل 20 بالمائة، انخفضت إلى 12 بالمائة هذه السنة، إضافة إلى استمرار الارتكاز على المداخيل الاستثنائية للخوصصة. وبالتالي فهذه الميزانية: لن تحقق النمو الذي من شأنه أن يحقق الإقلاع الاقتصادي، ويضع الحل لمختلف المعضلات الاقتصادية والاجتماعية، وعلى رأسها معضلة البطالة. لن تدعم تأهيل الاقتصاد الوطني ولن تجعله قادرا على المنافسة ومقاومة الآثار المحتملة لمختلف اتفاقيات التبادل الحر التي انخرطت فيها بلادنا، خاصة وأن هذه الميزانية ما تزال ترعى اقتصاد الريع لنظامنا البنكي بما يجعله محجما عن المبادرة والمخاطرة في تمويل الاقتصاد الوطني. افتقاد الصدقية وانعدام التطابق السيد الرئيس، من الملاحظات التي نسجلها على مشاريع قوانين المالية التي تعدها هذه الحكومة أنها لا تحترم مبدأ الصدقية، الذي يشكل أحد أهم ضمانات شفافية الميزانية، وذلك من خلال استمرار إخفاء العديد من النفقات، وأحيانا سوء تقدير بعض الموارد أو النفقات، ومن ذلك: التعامل مع موارد الخوصصة التي كانت تسجلها كاملة ضمن الموارد وتخفي جزءا معلوما من نفقاتها، والمتعلقة بحصة صندوق الحسن الثاني للتنمية، وصارت الآن تدبر هذه الموارد خارج إطار الميزانية، حيث تضعها في حساب مفتوح ببنك المغرب، قبل أن توزعها بمرسوم بين الميزانية والصندوق. وهو ما يتنافى مع مبدإ وحدة الميزانية. ومن ذلك الإخفاء المستمر لنفقات ضريبية تؤديها الحكومة دون أن تكون قد توقعتها وفقا لمقتضيات المادة 1 من القانون التنظيمي للمالية، وبالتالي دون أن تحصل على الإذن البرلماني بخصوصها وتصرفها في تناقض صارخ مع مقتضيات المادة 9 من نفس القانون. وتجدر الإشارة إلى أن قانون المالية يحترم تلك القواعد المنصوص عليها في المادتين 1 و9 من القانون التنظيمي للمالية في ما يتعلق بالرسوم الجمركية. ومن الأمثلة الأخرى تقدير متأخرات الصندوق المغربي للتقاعد في حدود 11.08 مليار درهم، في غياب تدقيق يوضح الحجم الحقيقي لمديونية الدولة لفائدة الصندوق، مما يعني أن الحكومة ستحصل على إذن بصرف مبلغ كبير لا نتوفر على المعطيات التي تؤكد صدقيتها، مما يدفعنا إلى مطالبة المجلس الأعلى للحسابات من أجل تقديم المساعدة اللازمة للبرلمان لتدقيق المبالغ المستحقة للصندوق، باعتبارها تمثل حقوق المأجورين وذوي حقوقهم من الأرامل والأيتام. وإننا في الاتحاد الوطني للشغل، إذ اخترنا الدفاع عن هذه المبادئ وقدمنا تعديلات ترمي إلى ترسيخها وتمثلها، فإننا نسعى بذلك إلى توفير الشروط الضرورية لحوار جاد حول المالية العمومية. حصان طروادة لتمرير النصوص بمسطرة استثنائية السيد الرئيس، لقد اختارت الحكومة منذ السنة الماضية أن تستخدم قانون المالية حصان طروادة لتمرير نصوص قانونية تتوفر لها كل مواصفات النصوص العادية من حيث وحدة النص وتعدد المقتضيات ذات الأبعاد التنظيمية والتي لا تكون لها أحيانا آثار على الموارد أو النفقات، كمدونة التسجيل، التي جاءت ضمن قانون 2004، وكتاب المساطر الجبائية التي تضمنها هذا المشروع. مما يمكن الحكومة من تفويت قوانين عادية بمسطرة استثنائية خاصة بقانون المالية، مما ينتج عنه الحد من المبادرة والدور التشريعي للمؤسسة البرلمانية. ويبقى الإصلاح الضريبي في غرفة الانتظار السيد الرئيس، لقد جاء هذا المشروع بعدد جديد من المقتضيات الضريبية عبارة عن إجراءات معزولة ومتناقضة أحيانا تتراوح بين الإعفاءات غير المبررة لبعض الأنشطة والمؤسسات، وبين تضريب بعض القطاعات والمواد التي كانت تحظى بالإعفاء، ومن ذلك إخضاع التعاونيات الفلاحية وتعاونيات الصناعة التقليدية في الوقت الذي يتطلب فيه الأمر تأهيل هذه التعاونيات لمقاومة الآثار السلبية المتوقعة لاتفاقيات التبادل الحر، بمقابل استمرار استفادة محتكري العقار من إعفاءات غير مقبولة، إضافة إلى استمرار إثقال كاهل المأجورين بمعدلات ضريبية مرتفعة لا يسلم منها حتى ذوو الدخل المحدود منهم، مع أن ميثاق الاستثمار كان يلزم بتخفيض معدلات الضريبة، بل إن الحكومة قد اقترحت السنة الماضية مشروع الخفض إلى 41.5% ، وتم التراجع عنه في آخر لحظة مع الوعد بإنجازه في مشروع هذه السنة 2005، وهو ما لم يتحقق. وفي هذا الصدد، فإننا نطالب بالتعجيل بإصلاح ضريبي يدعم توسيع الوعاء مع تخفيف العبء عن الملزمين الملتزمين، وعلى رأسهم عموم المأجورين. إصرار على الخوصصة دون تقويم السيد الرئيس، إن مشروع قانون المالية لهذه السنة يكرس الاستمرار في خيار الخوصصة دون أدنى جهد لتقويم مساره، بعد أن يتم تقييم نتائجه، مما سيؤدي إلى تصفية أغلب المؤسسات المنتجة والحيوية للبلاد في مناخ يتسم بالضبابية وعدم الوضوح، ولا أدل على ذلك من أن المذكرة الإخبارية بخصوص الاكتتاب في أسهم اتصالات المغرب لم يؤشر عليها المجلس الأخلاقي للقيم المنقولة إلا يوم 21 نونبر 2004 أي ليلة فتح الاكتتاب، مما يجعلنا نتساءل عن سبب ذلك والدواعي الكامنة وراء هذا التأخير. كما لا يفوتنا التعبير عن تخوفنا على مستقبل الموارد البشرية العاملة بالشركة، حيث أن الاتفاقية الجماعية الموقع عليها في منتصف ليلة التفويت لشركة "فيفندي" تثير الكثير من الشكوك والظنون التي لا نستطيع الجزم بمصداقيتها. الملف الاجتماعي والمبادرات المحتشمة السيدة الرئيس، لقد تعددت جلسات الحوار الاجتماعي وتعددت معها الالتزامات التي تقر بها الحكومة، لكن وبكل أسف، يستمر التماطل في تنفيذ مقتضيات هذه الاتفاقات وتختار الحكومة أسلوب الاستجابة الجزئية والمناولة الانتقائية مما يؤدي إلى استمرار الاحتقان في العديد في القطاعات، وخصوصا بالجماعات المحلية، وفئات المتصرفين ورجال ونساء التعليم وقطاع الصحة، مما يؤكد مرة أخرى أن الحكومة تفتقد إلى لوحة قيادة شاملة ومتوازنة ومندمجة للبرامج التي من شأنها أن تحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يطمح إليها الشعب المغربي بكل فئاته. ومن الملفات العالقة، والتي تنتظر الإسراع في التنزيل والإرادة اللازمة للتفعيل، مدونة التغطية الصحية، التي تنتظرها الفئات الاجتماعية المحرومة من أبسط الخدمات الصحية، خاصة بعد أن تم الرفع من تعرفة الخدمات التي تقدمها المؤسسات الصحية العمومية. لهذا فإننا نجدد مطالبتنا للحكومة بأن تعبر بصدق عن جديتها في فتح ومواصلة العمل في مختلف أوراش الإصلاح الضرورية لنهضة بلدنا وعلى رأس هذه الأوراش ملفات إصلاح التعليم والقضاء والإدارة. وإلى أن يتحقق ذلك وتعبر عنه الحكومة من خلال قوانين مالية صادقة وشفافة فإننا سنصوت ضد هذا القانون. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.