قدمت ممثلة منظمة اليونيسيف بالمغرب أواسط الأسبوع الماضي إحصائيات عن وضعية الأطفال بهذا البلد السعيد، وسردت على الحاضرين في نشاط بالمناسبة إحصائيات من شأنها أن تُحَشِّم بلادنا أمام نظيراتها، هذا طبعا إن بقي لنا شي علاش نحشمو. وجاء في إحصائيات اليونيسيف عن بزاقيل المغرب أنه ما تزال نسبة 7 في المائة ممن أعمارهم ما بين 6 و11 عاما (أي شي 250 ألف واحد) غير ممدرسين، ومعنى هذا أن ما يطرق لنا به مسؤولو التعليم ببلادنا رؤوسنا في كل مناسبة لا معنى له ما دام بيننننا هذا الجيش من الأطفال الذين لم يكتب لهم أن يحملوا على أكتافهم الغضة الطرية قنطارا من الكاغيط ويذهبوا إلى حجرات مهترئة يشويهم فيها السّميقلي ليتهجوا في كتاب القراءة جملا مثل: تسكن أميمة مسكنا كبيرا وأغلبهم متكدسون مع آبائهم وإخوانهم وأخواتهم وأمهاتهم وعماتهم وخالاتهم وبنات الأخ وبنات الأخت وربائب آبائهم في براريك من القصدير أو في جحور بإحدى المدن العتيقة، أو ليسيل لعابهم وهم يشاهدون في الكتاب نفسه صورة لصحن مليء بالتفاح والإجاص والموز والأناناس وتحته تعليق مثل: هذه فواكه مغذية ولذيذة، وهم ربما لا يرونها إلا في الدكاكين أثناء مرورهم من السويقة، لأن أثمانها جعلت آباءهم الفقراء لا يصلون إليها إلا بالعين، أمأ أيديهم إذا امتدت إليها فستحرقها لأن العافية شاعلة فيها، وما دام هؤلاء لم يلجوا المدرسة بعد، فمعنى ذلك أن 250 ألفا من أطفالنا على الأقل سنعدهم بين الأميين بعد سنوات. كما أن شي 60 ألف طفل من أطفالنا كل سنة، حسب إحصائيات اليونيسيف، لا يشملهم التلقيح، وبالعربية تاعرابت ما عمرهم دكو شي شوكة، ولا يعرفون شوكة غير تلك المدكوكة في آبائهم الذين يتقاتلون مع الزمان برواتب هزيلة أو بأعمال موسمية. وتعني هذه الإحصائية كذلك أن مثل هذا العدد من الأسر المغربية أو أكثر لا يصلون إلى التطبيب ولا يصل إليهم ويسلمون أمرهم لله. وحسب إحصائيات ممثلة اليونسيف دائما، فإن حوالي 30 في المائة من الأطفال بالمغرب من 6 أشهر إلى 5 سنوات يعانون من فقر الدم، ومعلوم أن من أهم أسباب فقر الدم هذا هو سوء التغذية وعدم توازنها، أي أن الكثيرين من أطفال المزاليط المغاربة دارها بهم الخبز وأتاي، وطباسيل اللوبيا والعدس، أو كما يسميها الطلبة في جامعاتنا الحبوب المانعة للفهم، لأنها تصيب آكلها بالنوم في المدرج فتصبح المحاضرة في واد وهو في واد. اليونيسيف تقول أيضا إن 600 ألف من أطفالنا يشتغلون، وأغلبهم في الفيرمات والحقول، ذلك أن الكثير من الأسر المغربية المزلوطة أصبح مألوفا فيها أن الطفل من كثرة ما يسمع الشكوى من والديه كل يوم حول غلاء الأسعار وكثرة التكاليف وقلة ذات اليد، يفهم رأسه في سن مبكرة ويعول على سواعده الصغيرة ليساهم في ميزانية البيت، وربما يحمل عن أبيه مصاريفه ومصاريف بعض إخوانه. والملاحظ أن القاسم المشترك بين الظواهر سابقة الذكر هو الزلط قبحه الله، أو التفكك الأسري، وقد سبق لقاضية بالدار البيضاء أن صرحت بداية هذه السنة في نشاط عام أن هناك حوالي 41 ألف أسرة مغربية تشتت شملها، وهو ما يعني أن آلاف الأطفال المغاربة في وضع غير مستقر ولا يعرفون طعما للحنان، ومثل هذه الأوضاع هي التي خلفت لنا جيشا آخر من الأطفال المتسولين وآلافا من الذين تأويهم الخيريات ودور الأيتام. وبالعودة إلى أرقام اليونيسيف دائما، فإن هناك حوالي 2320 طفلا من المتخلى عنهم في مراكز تابعة لجمعيات، أما الذين لم تصل إليهم الجهود الضعيفة لهذه الجمعيات القليلة فالله وحده أعلم بعددهم وشوارع مدننا تعج بهم، كما أن حوالي 46500 طفل يعيشون في الخيريات، وأغلبهم طبعا من المتخلى عنهم، وهذه هي نتيجة ولد ولوح للزنقة ونتيجة التفسخ الأخلاقي وسياسة التمييع والتعرية وتشجيع العلاقات غير الشرعية بين الفتيان والفتيات وبين الرجال والنساء، ونتيجة الابتعاد عن عادات آبائنا وأمهاتنا، الذين علمونا أخلاق العفة والحياء، وطبعا لا تسل في مغرب اليوم عن عدد أطفال الشوارع الذين لا شغل لهم إلا ضريب الجانكة ولانكول وشمان السليسيون والتفنن في أشكال التشمكير، وباختصار أصبحت العديد من شوارعنا مصانع للمجرمين والمنحرفين بامتياز. ومن الحقائق المرعبة أيضا عن واقع أطفالنا ما سبق أن أكدته دراسة اجتماعية نشرت السنة الماضية، أنجزت على عينة من الأطفال المتسولين بالرباط وسلا وتمارة وبعض الأقاليم المجاورة، حي إن ثلث الأطفال المتسولين يواجهون صعوبات لإيجاد ما يقتاتون به، ويقتاتون غالبا من القمامات وبركاصات الأزبال. أفلا تستحيي حكومتنا إذن أن تقول لنا إن لها كتابة في الدولة مكلفة بالأسرة والطفولة؟ ثم أفلا نخجل نحن المغاربة جميعا وفينا أطفال يعيشون على القمامة وبقايا الأزبال، وبالمقابل فينا من لهم كلاب وقطط شاط عليها اللحم؟