ينسب إلى علي رضي الله عنه قوله: الناس صنفان: أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق، وأقول زيادة في تصنيف جنس الأخوة في الدين: هناك أخ لك في العمل للدين والاجتهاد في إقامته والدعوة إليه على منهج متابعة السنة في الاعتقاد والقول والعمل، وعلى طريق العاملين لدين الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا ونظاما. إنه أخوك في المشروع الحضاري الكبير، واللبنة التي تلتحم معها في بناء الدعوة المرصوص، والعضو الحي الذي تشكل معه وبقية الأعضاء جسم الحركة بهذا الدين، والخلية التي تتقاسم معها ذات المقاصد والمبادئ والدفء والغذاء والمحيط والتحديات. وكما للشيطان وأعوانه مصلحة كبيرة في التحريش بين عموم المؤمنين لهدم أركان هذا الدين،له مصلحة خاصة في تفكيك لحمة الجسم الحركي وزرع الأورام بين مكوناته وخلاياه. وتماما كما يبلى الإيمان تبلى الأخوة فيه، إذا لم يحظيا بالتجديد وإعادة نفخ الروح، والعلاقة جدلية كلما قوي الإيمان قويت أخوة المؤمنين، ويكاد العصف بالأخوة يأتي على الأصول بالنقض والانحسار. وقد يبدأ العصف متدرجا من زوال المودة ولب الأخوة، إلى مجرد علاقات التعاون والعمل المشترك داخل التنظيم، كما هو الشأن داخل هيئات وتنظيمات بعيدة عن هذه السبل والمقاصد. وما ينبغي تثبيته ابتداء، هو مستوى أخوة الدين، قبل أخوة العمل للدين، وهذه تكون في حدها الأدنى الواجب هو كف الأذى من الظلم والافتراء والغيبة والحسد والغل وسوء الظن والنجوى والتشكيك والاتهام بغير حق ودون تبين أو دليل، والسخرية والتنابز والتجسس، والتباغض والتدابر، وعدم اختيار القول الحسن: (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا) (الإسراء: 53) وأي تجمع حركي أو دعوي أو يدور في فلكهما،لم تتخلص أعضاؤه من هذه الآفات الخطيرة، سيكون حتما، إذا غلبت فيه، عديم البركة، وأداة فاسدة لا تصلح في عملية الإصلاح، بل سيكون مشكلة تنضاف إلى مشكلات الأمة، ويحتاج بدوره إلى إصلاح، إن لم يتحول في أسوإ حالاته إلى محضن يزداد فيه الناس إثما، عوض جمع الحسنات التي كانت مقصد النشأة أول مرة. ثم يكون المستوى الثاني المفروض، الذي يتجلى في الحد الأدنى من حق المسلم على المسلم، كما جاء في الحديث: حق المسلم على المسلم ست: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فاجبه، وإذا استنصحك فأنصحه، وإذا عطس فحمد الله فشمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه)، وهاتان الأخيرتان بدأ يدب إليهما الضعف، والحال أن تفقد المريض واتباع الجنائز يعود بهما المسلم بأجر وفير قبل أن يكون لهما تعلق بالأخوة في الدين. ثم ما يكون من حال إصلاح ذات البين، كما قال تعالى: (إنما المومنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم) (الحجرات 10) وحال تسويته مع النفس فيما يلزم فيه الشرع ذلك: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبُّ لنفسه). وكذا إيصال الخير والنفع إليه قدر المستطاع ولو على مستوى ما هو مفروض وواجب كالزكاة وغيرها، إذ معلوم أن أحب الناس إلى الله أنفعهم لعياله . وكل ما أمر به النبي صلى الله عليه من رحمة الصغير، وتوقير الكبير، وإعانة الضعيف، ونصر المظلوم، وكظم الغيظ، والعفو عن الناس، والإحسان إليهم. ثم حال المؤمنين بعد ذلك مهما اختلفت تخصصاتهم في المشروع الحضاري الكبير، نَصَحَةٌ متوادون، متحابون متوالون ومتناصرون، يسود بينهم الصدق وحسن الظن، والصفاء والوضوح والثقة، ولم لا يكون الإيثار أيضا، وقد كان سمة بارزة لمن طلب منا الاقتداء بهم والسير على خطاهم، روى حذيفة العدوي قال: انطلقت يوم اليرموك، أطلب ابن عم لي في القتلى ومعي شيء من الماء وأنا أقول: إن كان به رمقٌ سقيته، فإذا أنا به بين القتلى، فقلت له أسقيك؟ فأشار إلي أن نعم، فسمع رجلاً يقول: آه .. فأشار إلي ابن عمي أن انطلق واسقه، فإذا هو هشام بن العاص قلت: أسقيك، فأشار إليّ أن نعم، فسمع آخر يقول: آه .. فأشار إلي أن انطلق إليه، فجئته فإذا هو قد مات، فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات . فهلا رفعنا سقف أخوتنا، مراتب في الإحسان، ليكون لنا بين يدي الرحمان، خير دليل وبرهان على صدق انتمائنا لمشروع أهل الإيمان.