بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم – شيئًا من شأْنِ يوم الجمعهة ما كان وسيكون فيه من الحوادث العظيمة، والخصائص المهمة؛ كما في الصحيح عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((خيرُ يومٍ طلعتْ عليه الشمس يوم الجمعة؛ فيه خُلِق آدم، وفيه أُدْخِل الجنة، وفيه أُخْرِج منها))، وفي رواية له أخرى: "ولا تقوم الساعة إلاَّ يوم الجمعة" وكان من سُنَّته – صلى الله عليه وسلم – أنْ يقرأَ في فجْرِ يومِ الجمعة سورتي: ﴿ الم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ السجدة، ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ ﴾؛ لأنهما تضمَّنتا ذِكْرَ خَلْق آدمَ، ويوم القيامة، وحَشْر العباد ونحو ذلك، وكلُّ ذلك وغيره كائنٌ يوم الجمعة، فكان في قراءته – صلى الله عليه وسلم – لهاتين السورتين تذكير بهذه الأمور الجِسام، والأهوال العِظام. ومِن خصائص هذا اليوم ووجوه تعظيمِه وفضائله التي يُتقرَّب إلى الله – تعالى – بها، ويُبتغى ثوابُه بها، والتي بيَّنها النبي صلى الله عليه وسلم وأكَّد شأنها، وحثَّ عليها، ورغَّب في ثوابها – نظافة البَدَن والثياب، والطِّيب والسواك، والتبكير للجمعة، والدنو من الإمام، وصلاة ما يسَّر الله من النوافل، وتجنُّب أذى المصلِّين، وحُسن الأدب، والاستماع للخطبة، وتجنُّب اللغو . فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ((مَنِ اغتسلَ يوم الجمعة غُسل الجنابة، ثم راحَ – يعني: في الساعة الأولى – فكأنَّما قرَّب بَدَنة، ومَن راح في الساعة الثانية فكأنَّما قرَّب بَقَرة، ومَن راح في الساعة الثالثة فكأنَّما قرَّب كبشًا أقرن، ومَن راح في الساعة الرابعة فكأنَّما قرَّبَ دجاجة، ومَن راح في الساعة الخامسة فكأنَّما قرَّب بيضة، فإذا خرَجَ الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذِّكْر". وفي حديثٍ آخرَ عنه – رضي الله عنه – أيضًا قال: قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((إذا كان يوم الجمعة وقفتِ الملائكة على باب المسجد يكتبون الأوَّل فالأوَّل، ومَثَلُ المهَجِّر – أي: المبكِّر إلى الجمعة – كمَثَل الذي يهدي بَدَنة، ثم كالذي يهدي بقرة، ثم كبشًا، ثم دجاجة، ثم بيضة؛ فإذا خرَجَ الإمام طَوَوا صُحفَهم، وجاؤوا يستمعون الذِّكْر)). فالتبكير إلى الجمعة، والأخْذ بالسُّنن المشروعة في يومها من أسباب زيادة الفضْل، وعِظم الأجْر، والقُرب من الله – تعالى – والسَّبْق إلى أوَّل صفوف أهْل الجنة يوم القيامة. وفي الصحيح قال – صلى الله عليه وسلم -: ((لو يعلم الناسُ ما في النداء والصف الأوَّل، ثم لم يجدوا إلاَّ أنْ يستهموا عليه، لاستهموا))؛ مُتفق عليه. ورَوى أهْلُ السُّنن عن أوس بن أوس الثَّقَفي – رضي الله عنه – قال: سَمِعتُ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: ((مَن غسَّلَ يوم الجمعة واغتسلَ، ثم بكَّر وابتكر، ومَشَى ولم يركبْ، ودَنَا من الإمام فاستمع ولم يلغُ، كان له بكلِّ خُطوة يخطوها أجْرُ سنةٍ؛ صيامها وقيامها)). وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((مَن اغتسلَ يوم الجمعة واستاك، ومَسَّ من طِيبٍ إن كان عنده ولبسَ مِن أحسن ثيابه، ثم خرَجَ حتى يأتي المسجد، فلم يتخطَّ رقابَ الناس، حتى ركَعَ ما شاء الله أنْ يركعَ، ثم أنصتَ إذا خرجَ الإمام، فلم يتكلَّم حتى يفرغَ من صلاته، كانتْ كفَّارة لِمَا بينها وبين الجمعة التي قبْلَها)). ومما ادَّخَره الله في هذا اليوم المبارك أنَّ فيه ساعة يُسمع فيها النداء، ويُجاب فيها الدعاء؛ كما ثبَتَ في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ذَكَر الجمعة، فقال: ((فيه ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائمٌ يُصلِّي يَسأل الله – تعالى – شيئًا، إلاَّ أعطاه إيَّاه – وأشار بيده يُقلِّلها))؛ مُتفق عليه. قال الإمام أحمد – رحمه الله : "أكثر الأحاديث في الساعة التي تُرْجَى فيها إجابة الدعوة أنَّها بعد العصر، وتُرْجَى بعد الزوال". و لصلاة الجمعة فضل عظيم فما بالك في شهر رمضان المبارك.