تصريحات بان كي مون المستفزة للمغرب بل معادية له خلال زيارته لمخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر قبل أيام، تصريحات رجل ولايته وقيادته للأمم المتحدة في النزع الأخير.. فشهور قليلة ويغادر غير مأسوف عليه بعدما خالف أعراف أسلافه وأعراف المنظمة الدولية بالحرص على الحياد والموضوعية. وكما قال الله تعالى "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم" فتصريحات بان كي مون بوصف المغرب بلد " محتل" لصحرائه، ستزيد بدون شك إجماع المغاربة قوة وإيمانهم بعدالة قضيتهم صلابة، وسترفع من مستوى التعبئة في الأحزاب والنقابات والمجتمع المدي أو مايعرف بالدبلوماسيات الموازية والشعبية للدفاع عن القضية الوطنية والوحدة الترابية بشكل مستمر. تطورت تفاعلات تلك التصريحات، وقدم المغرب احتجاجا رسميا وواصل مواجهة انزلاقات بان كي مون، وطلب تقليص المكون المدني والسياسي ومغادرة عدد من الموظفين في بعثة الأممالمتحدة في الصحراء (المنيرسو) مع احتمال سحب جنوده المشاركين في قوات لحفظ السلام الدولية في بعض الدول، واحتمال اتخاذه إجراءات أخرى في احترام لميثاق الأممالمتحدة والقانون الدولي، ويرتقب أن يعقد مجلس الأمن -وفق تقارير إعلامية- لقاء لتدارس هذه التطورات الجمعة. باختصار المغرب بعث رسميا وشعبيا (مسيرة الرباطوالعيون) رسائل قوية ليس فقط لبان كي مون ومبعوثه الخاص للصحراء كريستوفر روس، بل لكل خصوم الوحدة الترابية ومن يدعمهم، لأنه في وضع أحسن من أي فترة سابقة من عمر النزاع المفتعل حول صحرائه و ذلك للأسباب التالية: - المغرب فوق صحرائه والصحراء في مغربها، وتعرف مسيرة عمرانية وتنموية متميزة ومتواصلة، أعطتها الزيارة الملكية لمدينة العيون في الذكرى الأربعين للاحتفال بالمسيرة الخضراء في نوفمبر الماضي وإطلاق مشاريع استثمارية ضخمة بقيمة 1.8 بليون دولار، وباتت وجهة جاذبة لاستثمارات عربية وأجنبية بمايعنيه ذلك من توفر للأمن واستقرار. - الإجماع المغربي حول القضية الوطنية والاستعداد للتضحية من أجلها، ومسيرة الرباط يوم 13 مارس الجاري ومسيرة العيون في مابعد نموذج في هذا السياق. - المغرب تفاعل إيجابيا لأجل حل النزاع وتقدم عام 2007 بمشروع الحكم الذاتي الموسع لمنطقة الصحراء تحت السيادة المغربية، ولم يبق مكتوف الأيدي ينتظر بل انخرط عمليا في مشروع الجهوية الموسعة وجعل جهة الصحراء نموذجا، وقد أبانت الانتخابات المحلية والجهوية في سبتمبر الماضي عن تفاعل كبير لساكنة الصحراء ومشاركتهم المكثفة (أعلى نسبة مشاركة على المستوى) لاختيار ممثليهم ومن يسير شأنهم المحلي والجهوي. - دول وازنة في مجلس الأمن اعتبرت مقترح المغرب جدي وذا مصداقية كما هو الحال بالنسبة لفرنسا والولايات المتحدة على سبيل المثال، ولم تكتف بالتأييد الشفوي الدبلوماسي وأعلنت تأييده بقرارت واضحة كما هو الحال لواشنطن، حيث خصص قانون المالية الأمريكي لسنة الجارية وبمصادقة الكونغرس والرئيس باراك أوباما مساعدات مالية تشمل كل التراب المغربي بدون استثناء، ومجلس الأمن نفسه أقر بجدية المقترح واعتبره معطى مهما يمكن البناء عليه لحل النزاع. - جبهة البوليزاريو تعاني داخليا حالة فوران لهيمنة قلة على قرارها، وانتخاب عبد العزيز المراكشي على رأسها للمرة 15 أو 16، فضلا عن قمع المخالفين والتنكيل بأي احتجاج، وتعاني خارجيا من حالة انحصار، خاصة وأن النظام الجزائري داعمها الكبير والرئيسي والمتحكم بقرارها، يعاني من أزمة اقتصادية بعد تراجع أسعار النفط، وحالة احتقان اجتماعي وسياسي، مما جعل أصوات من داخل الجزائر ترفض دعم أطروحة الانفصال، وتطالب برفع اليد عن جبهة البوليزاريو والكف عن إنفاق ملايير الدولارات لشراء التأييد لجمهورية الوهم، شرائح كبيرة في الشعب الجزائري أولى وأحق بها لتحسين وضعها. - السياق الدولي والإقليمي ومخاطر الإرهاب والتطرف على استقرار منطقة المغرب العربي وجوارها الأوروبي وخاصة تداعيات الأزمة في ليبيا، لايسمح بخلق وهم دويلة في المنطقة، والمساس بالوحدة الترابية لبلد قدم نموذجا في العالم العربي في الجمع بين الاستقرار الاجتماعي والسياسي، والتقدم والانتقال نحو الديمقراطية بخطى ثابتة في إطار نظام ملكي، بل أكثر من ذلك يلعب دورا إيجابيا في خلق الاستقرار وتدعيم السلم في المنطقة من قبيل احتضانه المفاوضات بين الأطراف الليبية المتصارعة والاتفاق السياسي برعاية أممية. - أن المغرب دولة عريقة لايمكن لتصريحات بان كي مون وغيره أن تربكها، ولا يمكن أن تتخلى على حقها، فلقد مرت تاريخيا بعواصف لكنها ظلت صامدة موحدة، عجزت الأمبراطوية العثمانية أن تهيمن عليها بعد هيمنتها على الجيران، وجاء الاستعمار الإسباني والفرنسي وتمكن من الدخول لكنه عجز على تقسيمها وفشلت فرنسا في لعب ورقة القبلية والإثنية عبر الظهير البرير، لأن الشعب المغربي أسقط تلك الورقة. والسر في ذلك الوحدة بين مكونات الشعب المغربي، لان تعدد المغرب كان دائما سر قوته وثرائه الاجتماعي والسياسي والحضاري ولم يكن يوما نقطة ضعف، والسر أيضا في القدرة على التضحية والانسجام بين الشعب والحركة الوطنية والقيادة ممثلة في المؤسسة الملكية أوماعرف في الأدبيات التاريخية بالقصر، وهذه الوحدة والانسجام موجود اليوم وفي أحسن مايكون. ماسبق ذكره عوامل قوة للمغرب سيزيدها الاستمرار في الخيار الديمقراطي – لذي بات ثابتا من ثوابت البلاد- قوة بإجراء انتخابات تشريعية يوم السابع من أكتوبر المقبل في أجواء من الشفافية والنزاهة، وعدم التأثر بإحباطات وانتكاسات المحيط العربي والأفريقي. وستكون أقوى كذلك حين يكف البعض في بلادنا عن تصريحات تمس قيمة وحدة التعدد والتنوع المغربي، وتسعى لإثارة النزعات اللغوية والإثنية بخلفيات إيديولوجية، وانتهاج أساليب بائدة جربها الاستعمار وفشل في مس وحدة المغرب والمغاربة.