الإسلام والكنيسة ومسألة فصل الدين عن الدولة تحدث فضيلة الدكتور مصطفى بنحمزة، الأستاذ الجامعي بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة، في الحلقة الأولى من المحاضرة عن أرضية الحوار حول حضور الانشغال المدني في الإسلام والأحاديث النبوية المؤكدة لذلك، مفندا تفسير من يرى أن قوله صلى الله عليه وسلم أنتم أعلم بأمور دنياكم تدل على انصراف الإسلام من شؤون المجتمع. ويلفت بنحمزة النظر في هذه الحلقة الثانية إلى قضية فصل الدين عن الدولة، موضحا مفهوم العلم بين الإسلام والكنيسة، ومؤكدا أن الداعين إلى الفصل لا ينظرون من حولهم ولا يبصرون حقائق الأمور. الاجتهاد في الأمور التقنية مطلوب إن حديث «أنتم أعلم بأمور دنياكم» جاء في شأن تأبير النخل، لما قدم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ورأى أن عدم تلقيح النخيل لا يؤتى الثمار، قال:أنتم يا أهل المدينة أهل نخل فافعلوا ما كنتم تفعلون. أنتم أعلم بأمور دنياكم في التقنيات، في القمر وإجراء عملية جراحية، فهذه أمور دنيوية تقنية، فأنتم أعلم بها، فتعلموها كما يتعلمها الناس. إن كتاب الله تعالى علم الإنسان من غراب، وليس هذا حراما، (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه)، والمسلمون تعلموا من غير المسلمين في أمور تقنية، فالصحابة كانوا يزورون النبي صلى الله عليه وسلم ويزورهم، وقد زار بعضهم وهو مريض، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الصحابي: إنك مفؤودا أي أصبت بفؤاد القلب، وقال له: «إيت الحارث بن كلدة، فإنه رجل يتطبب، والحارث بن كلدة لم يكن يومها مسلما، ولكنه نصحه، لأن الأمر تقني. وكانت عائشة، كما يروى عنها، طبيبة، لا يعجب الناس من علمها، وقالوا: لا نعجب من علمك بأمر رسول الله في الأحكام، ولا نعجب بعلمك بالأنساب لأنك بنت أبي بكر، ولكن نعجب بعلمك بالطب فقالت عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا مسقاما، وكانت وفود العرب تأتيه، فكان يسألها عن الدواء، فكنت أصنع له الدواء وكانت قدر رسول الله لا توضع على النار»، فالنبي صلى الله عليه وسلم استفاد من الأمور التقنية التي مارستها الأمم، ولو رجعتم إلى ما كتبه دارسو السيرة النبوية لوجدتم أن الرسول صلى الله عليه وسلم استعمل كثيرا من الأشياء. وعندما أعجب الناس بالنور، ولم يكن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم به نور، قام تميم الداري، بعدما رأى الناس في الشام قد أوقدوا وأسرجوا مصابيح في كنائسهم، بتعليق بعض المصابيح من غير أن يستأذن النبي في المسجد، ولما دخل النبي ليصلي المغرب، ووجد المسجد مسرجا قال: من فعل هذا؟ قيل: تميم الداري، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: نورك الله كما نورت مسجدنا، ولم يقل له النبي أن هذا لا يجوز فهذه تجارب تقنية، فأنتم أعلم بأمور دنياكم في الأمور التقنية وليس في تسيير حياة البشر. فهل نحن أعلم بأمور دنيانا؟ وهل الغرب أعلم بأمر دنياه؟ انظروا إلى الغرب إلى أين وصل في جانب واحد، هو جانب الأسرة كيف أفسدها، هذا الغرب الذي يتبجح بأنه يؤمن بزواج المثليين، والذي يتعصب الآن للشذوذ ويسمح به قانونا، فهل هو أعلم بأمور الأشياء؟ إن الغرب بثقافته وتفوقه ليس صالحا لأن يكون نموذجا ولا قدوة في تسيير الإنسان. الغرب، الذي طالما أحببناه، وكان الناس لا يقبلون أن يناقشوه، هذا الغرب أصبح الآن يظلم، ويرى الشعوب المظلومة بحق فلا يزيد على أن يضيف عونا ومددا لإسرائيل هذا الغرب الذي يرحب بشارون، نجده الآن يقبض الأبرياء ويسلمهم من غير محاكمة ومن غير مناقشة، هذا الغرب الذي أصبح جاشعا لا يتقيد بقيد أو بحق من حقوق الإنسان، لا يسمح بحرية قول أو صحافة مخالفة، فهو معروف، وهو غير صالح لنا، وليس أعلم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في تسيير الشأن المدني، هذه هي الأسئلة التي أحببت أن أطرحها. حالنا مع الإسلام أمرنا أيها الإخوة مع الإسلام أمر عجب، فقد أصبح هذا الدين لكثير من الناس مثل طوق النجاة الذي يحمله البحارة، لا يبحثون عنه إلا في لحظة الغرق، وفي ما سوى ذلك يعبثون وينهون عنه ولا يشركونه. هذا الإسلام كان إسلاما وكان دينا عظيما لما استعملناه من أجل التحرر وطرد الاستعمار من بلادنا، كان إسلامنا لما علمنا أن نكون رجالا أمام القوة المدججة بالسلاح. ولما حررنا الأرض حررناها بالإسلام، ولم نحررها بشعار آخر، لم تجتمع كلمة الأمة إلا بالإسلام، ولم يعط الشهداء إلا رغبة في ما عند الله. فهذا الإسلام يعلينا ويحررنا، ويقبل منه في هذه الحالة أن يكون إسلاما سياسيا، هذا الإسلام الذي نعجب به ونقول إنه صنع عبد الكريم الخطابي، وهو فقيه من فقهاء المسلمين، وعندما ننتهي من ذلك نقول «أيها الإسلام انسحب عنا، ودعنا نتصرف في أمورنا، فأنت لا تصلح لتسيير الحياة». الله أكبر، ما كان هذاالقول أن يقال إلا أن القائل أعطى ولاءه للغرب، وباع نفسه للشيطان، وكل من صمم أن يكون في هذا الجانب، فلن يعجبه الإسلام أبدا، وسيتمنون زواله. والإسلام لن يزول، وسيبقى في ضمائر الأمة وفي دمائها وسيبقى رمزا لعزة هذه الأمة. منذ 1948 ونحن نزحف، ولكن شارون لا يخاف من المفاوضات ولا من المؤتمرات، ولكنه يخاف من أطفال صغار يؤمنون بالآخرة ويفجرون أنفسهم ويتركون توصيات تؤكد إيمانهم بالله وأنهم يريدون أن يلقوا محمدا وصحبه. من يصنع الشرف لهذه الأمة إلا الإسلام، ولكن عن أي إسلام تبحثون؟ هذا الإسلام الهامد الجامد، الزاخر بالخرافات والبدع والضلالات، هذا الإسلام الروحاني، الذي هو رؤى وأحلام ومنامات، وأوهام طائشة لا حدود لها، وعن أي شيء يتحدثون. واليوم أرى بعض الناس يكتبون عن إسلام روحي، وله إشراقات روحية، فهذا ليس شأنا لنا أيها الإخوة، فالبوذية لها أيضا اهتمامات روحية والمسيحية كذلك، نحن شأننا ليس إعطاء الروح فسحة فقط، شأننا أن نعبد الله بحق كما يريد تعالى أن نعبد، وهذا المنزلق الذي تنزلق إليه بعض هذه الكتابات، هو الذي يحتاج منا إلى حديث وإلى إيضاح. الإسلام والكنيسة والعلم الآخرون يقولون: انظروا إلى أوروبا، فهي لم تنجح إلا عندما فصلت الدين عن الدنيا، وعندما انسحبت الكنيسة من حياة الناس الدنيوية استطاعت أن تتفوق وترتقي، ونقول إن هذا القول فيه أكثر من خطإ: 1 إننا عندما نقيس شيئا على شيء، فإنه لا بد أن تكون هناك علة جامعة، وأن يكون هنالك سبب رابط، عندما نريد أن نقس الإسلام لا يجوز أن نقيسه على الكنيسة أو على المسيحية، فإذا كان عيسى عليه السلام يقول: (بعثت إلى خراف بني إسرائيل الضالة)، وإذا كان هو في نصوصهم يقول «دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله»، فالإسلام ينفتح على الناس كلهم (لأنذركم به ومن بلغ)، جاء دينا للناس كافة، وليبين لهم كل شؤونهم: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) فالفارق واضح. 2 إن الكنيسة بحكم تدخلها في كتابها، وجدت نفسها قد طوقت نفسها بمجموعة من الخرافات، وبالتأكيد ليست تلك الخرافات من الدين، لكنها وجدت نفسها تقول: «إن الكرة الأرضية هي شرف الكون ومركزه»، وهي كذلك لأنها شهدت ميلاد عيسى عليه السلام. وحينما اخترع التلسكوب وانطلقت البحوث العلمية، اكتشف أن العام أرحب من ذهن الكنيسة، وقال بعضهم يومها: إن الأرض ليست محور الكون أو مركزه، وقامت الكنيسة تضطهد القائلين، وتعلمون ما فعلت مع كوبرنيكوس ومع أصحابه في هذا الاتجاه، وأن بعض العلماء سجن أكثر من ثلاث سنوات، وكتب عليه أن يقرأ يوميا كتاب التوبة يتوب به مما يقول، ولم يطلق سراحه إلا عندما قبل أقدام وحذاء البابا، ثم عفي عنه، لأنه قال كلمة علمية، وهذا الأمر ليس من شأننا نحن المسلمين، فكتاب ربنا يفتح أمامنا الآفاق ويدفعنا إلى العلم، بل يجعل العلم قيمة من قيم الإنسان، وكلما ذكر العلم في كتاب الله ذكر في معرض التشريف. وإذا ذكر في الجن، ذكر الله تعالى أن الذي عنده علم من الكتاب قال (أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك)، من الذي ليس عنده علم في الجن، فالأعلم أشرف. وفي الحيوانات، كما قال الإمام القرطبي، الحيوان المعلم أفضل من غير المعلم، قال الله تعالى (وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلموهن مما علمكم الله)، قال القرطبي: «انظر كيف أن العلم شرف الحيوان، فالحيوان المعلم يؤكل ما صاده، وغير المعلم لا يؤكل ما صاده. والعلم شرف لهذه الأمة، والإسلام دفع بالعلم دفعا قويا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم أسس اللبنات الأولى، وتحدث عن أشياء غريبة، تحدث عن الأرصاد الجوية، وفي كتاب الموطإ تقرؤون: إذا نشأت بحرية ثم تشاءمت فتلك عيين عزييقة، أي عندما تحدث عن السحابة الموجهة إلى الشمال ثم تذهب إلى الصحراء، إذا كانت نشأت بحرية ثم توجهت نحو الشام تشاءمت فتلك عيين عزييقة، أي أنها سوف تكون سبب نزول المطر، وهذا من علم الأرصاد الجوية، أي عن مستقبل السحابة أو الغيب، ولا أفيض في هذا. أقول إن الفرق بيننا وبين المسيحية فرق كبير، فلا قياس للمسيحية مع الإسلام، ولا يعقد المقارنة إلا جاهل أو متجاهل أو متعسف على الحقيقة. فليس عندنا محاكم التفتيش، أو لا يحاكم الناس عندنا على أفكارهم، وما وقع لبعض العلماء في تاريخ الإسلام، كان لأسباب سياسية، وأحرق كتاب الإمام الغزالي ليس لأنه قال ليس في الإمكان أبدع مما كان، ولكنه كان يحتضن المهدي بن تومرت، الذي أقام الدولة الموحدية، فهو كان خصما سياسيا، وابن رشد وقع له ما وقع، لأنه تحدث عن ملك البربر، وقال ورأيت الزرافة عند ملك البرين، وهذا كلام طويل، يؤكد أن الأمة لم تكن تكره العلم أو تحارب العلماء، أبدا، فلا وجه للمقارنة إذن. 3 ودعنا نقول لهؤلاء: أفيقوا قليلا، أتتصورون أن الكنيسة منسحبة الآن من الحياة؟ الكنيسة والشأن المدني شيء آخر، فهذا غلط كبير، ومن يقول هذا لا يعلم ما يجري حوله، لأن الكنيسة تتدخل في الشأن السياسي العالمي، من يبرئ الكنيسة من هذا؟ في جنوب أمريكا اصطنعوا عبارة لاهوت التحرير أي رجال الكنيسة الذين يقودون التحرير، وفي إفريقيا رصع كثير من الرهبان بجائزة نوبل مثل «بزمان توتو» الذي كان نشيطا في محاربة الأبارتايد وهو راهب من رهبان الكنيسة. وعندما نتحدث عن العالم كله نجد الكنيسة حاضرة، وحينما ذهب البابا في رحلته الطيبة قبل الانتفاضة إلى حائط المبكى كما يسمونه أي حائط البراق، ماذا فعل؟ كتب وثيقة ووضعها في الجدار واعتذر فيها لليهود، فلم يعد حائط البراق بل أصبح حائط المبكى، فكانت هذه الرحلة مساندة عملية من هذا البابا، ووقوفه هناك، هو اعتراف أنه حائط اليهود. وهل تتصورون أن الكنيسة تفعل ما تفعل من أجل إيقاف العسف الذي يلاقيه العرب والمسلمون على يد شارون؟ هل تتصورون أنها كانت بعيدة عن المآسي التي تقع في إفريقيا؟! ألا تعلمون أنها تحمل أكبر مشروع، وهو جعل إفريقيا مسيحية، وأنها وضعت قمرا صناعيا لتعيد المرتدين للنصرانية؟! وقد تم طبع ستة ملايير من الأناجيل يراد بها حشر الناس ليكونوا ضمن العالم الغربي ونفوذه. أعدها للنشر: ع.لخلافة