دأبت الكثير من الأسر المغربية على الاحتفال برأس السنة الميلادية في الوقت الذي اختارت فيه أخرى تجاهل المناسبة على اعتبار أنها ليست من شأنها، وتختلف طرق الاحتفال والنظر إليه من أسرة لأخرى حسب أنماط عيشها ونظرتها للأمور. ونظرا لكون الموضوع فيه شق اجتماعي وشق ديني فلابد للمختصين من توضيح الطريقة السليمة كي تمر أجواء ليلة رأس السنة دون خسائر مادية ومعنوية. ويرى الداعية صالح النشاط أن على الجمعيات القيام بدور التحسيس بالمناسبة للحد من المظاهر المخلة والمشينة للفرد والمجتمع، مضيفا أن الجمعيات وباقي الفاعلين في التحسيس والتوعية الدينية يملكون مؤهلات لتبصرة الناس بخطورة ارتياد تلك الأماكن التي تهبط بمروءة الفرد، وتقتل حياءه وتقضي على سلم وأمن المجتمع". حبيبة أوغانيم رقم جديد (م. ق) أم لثلاثة أبناء كبروا في كنف أسرة لا تلقي بالا لاحتفالات رأس السنة وساروا على نهجها صرحت ل "جديد بريس": "مناسبة رأس السنة الميلادية لم نلق لها بالا يوما. والحمد لله ابنائي كبروا حاملين هذه القناعة بأن ذلك الحدث لا يهمنا في تفاصيل عاداته وطقوسه عدا أننا سنكتب رقم السنة الجديدة بعد يوم 31 دجنبر. فكما اعتبرناها نحن الآباء، أبناؤنا أيضا يعتبرونها مرحلة من العمر قد نقيسها بشهور وسنة انقضت ليس إلا". وأضافت (م. ق): "صحيح قد نتوصل بالتهاني وقد نتبادلها نحن أيضا مع البعض في سياق مختلف دون أي تمظهرات احتفالية، فهي ليلة عادية جدا قد نسعد لسبب أن الفاتح من يناير هو يوم عطلة لا أقل ولا أكثر". انطباعات حلوانية (ج. ص) سيدة يقصدها الناس في أحد أحياء الرباط لاقتناء الحلوى بمناسبة رأس السنة الميلادية، صرحت ل جديد بريس أن الإقبال يكثر على الحلويات الخاصة بالمناسبة، وأغلب الأسر لا تستحضر البعد الديني وإنما تسعى للاجتماع الأسري، وتحدثت عما يروج في عالم بيع الحلويات إذ يعمد غير الحرفيين إلى المغامرة بجودة المواد نظرا لكثرة الإقبال، في حين أن المهنيين يخافون على سمعتهم ويحرصون على الجودة في المواد والإعداد، لكنها من وجهة نظرها ترى أن المناسبة فرصة لاجتماع أفراد الأسرة وتجنب خروجهم الذي لا تؤمن عواقبه في ظل انتشار السكر والعربدة. وفي ما يتعلق بتجربة أسرتها مع الاحتفالات قالت المتحدثة نفسها: "قبل سنوات كنا نحتفل، لكن الآن تغيرت النظرة بعد وعينا من خلال وسائل الإعلام المختلفة وخصوصا القنوات الجادة ومواقع الأنترنت". واستحضرت (ج.ص) نموذج أسرة عرفت كيف تستغل تقارب مناسبة المولد النبوي الشريف وحلول السنة الميلادية الجديدة لتعرف أبناءها بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم في المناسبة الأولى وتوضيح الشوائب حول النبي الكريم عيسى عليه السلام وقاية لأبنائها من الانحراف العقدي خصوصا مع انفتاح الأبناء على الأنترنت وسهولة تصيد المنصرين للأبناء عبر شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها من وسائل التواصل الإلكتروني. اختلاف الأنماط أجملت الأستاذة خلود السباعي المختصة في علم الاجتماع حديثها عن احتفالات الأسر المغربية برأس السنة الميلادية بقولها "إن نمط الاحتفال يرتبط بنمط عيش الأفراد"، موضحة أن الذي اعتاد على السهر والذهاب للخمارات يحيي تلك الليلة بالذهاب للخمارات، عكس المحافظ الذي يستغل تلك المناسبة للاجتماع مع أفراد أسرته خاصة في ظل ضغوط الحياة المهنية والدراسية. وأردفت السباعي خلال حديثها ل جديد بريس، أن مناسبة ليلة رأس السنة الميلادية عند الكثير من الأسر تتخذ فرصة للتخفيف من ضغط الحياة اليومية. أما ما يرسخ عادة الاحتفال فتراه الباحثة في علم الاجتماع أنه هو الإعلام الذي يعمل على الإشهار للاستعداد للفرجة تلك الليلة وهذا يتجه خصوصا نحو الفئات الموجودة في البيوت على بساطتها، والتي تغتنم المناسبة للتجمع الأسري. نزع عباءة يرى الداعية صالح النشاط أن احتفالات الأسر المغربية برأس السنة الميلادية جردت من عباءتها الدينية لتصبح احتفالا بمرور سنة واستقدام أخرى. وأوضح النشاط في تصريح ل جديد بريس أنه "ككل سنة، تتهيأ مجموعة من الأسر المغربية للاحتفاء بليلة رأس السنة الميلادية، وهذا يدخل حسب زعم هؤلاء، في العوائد التي انتشرت واشتهرت بين عموم الناس، حتى إذا سألت أحدهم في هذا الموضوع، يقول لك بأن هذا الاحتفال هو للفرح باختتام سنة بكاملها واستقدام سنة جديدة مع التمني بأن تكون مفعمة بالمحبة والسلام والخير والبركة". وأضاف النشاط: "إذا كان البعد الديني في الاحتفال بليلة رأس السنة الميلادية بدأ يتلاشى في السنوات الأخيرة، على اعتبار أن الكنائس المسيحية نفسها مختلفة حول تحديد يوم ميلاد المسيح، ولم يعد فاتح يناير هو اليوم المجمع عليه، وبالتالي، نُزعت العباءة الدينية عن الاحتفال برأس السنة الميلادية، وأصبح احتفالا بمرور سنة". الواقعية (م. أ) أب لثلاثة أبناء من مراكش صرح ل جديد بريس بأنه وأسرته يتعاملون مع المناسبة بواقعية دون الخوض في تفاصيل عقدية وقال: "يمر يومنا عاديا جدا، لا نعد له أي شيء، لكننا نهنئ بعضنا البعض بمرور سنة واستقبال أخرى لأنها مسألة واقعية، والواقع لا يرتفع كما يقال، فنحن نعد أيامنا بالميلادي ونوقت أسفارنا بالميلادي، ونبرمج برامجنا بالميلادي، فهي سنة تسير معنا سير الشمس و القمر". (م. أ) الذي يعمل مستشارا في إحدى الجمعيات المهتمة بالترشيد الأسري لم ينف أنه تحدث مع شباب حول الاحتفالات برأس السنة الميلادية من باب التحسيس بأهمية التفريق بين إيلاء الأهمية لانقضاء سنة وقدوم أخرى بدل الغوص في مسائل عقدية هم في غنى عنها. المكوث خير نظرا لما تعرفه ليلة رأس السنة من إقبال على الخمر والمخدرات، وما يترتب عن ذلك من عربدة في الطرقات وحوادث سير فإن أغلب الأسر تفضل المكوث في البيت حرصا على سلامتها من الاعتداءات المتوقعة، وفي هذا الصدد قالت (س. م) ل "التجديد إنها تؤمن بأن الاحتفالات خاصة بالمسيحيين وأن الخروج من البيت قد تعقبه مصائبذلك فهي تفضل أن تقتني الحلوى للتناولها رفقة زوجها وأبنائها في البيت دون استحضار لأي نية احتفالية أو عقدية، وإنما حرصا على مكوث أبنائها في البيت وعدم الخروج والتعرض لأي بلاء. هذا وتعمل الأجهزة الأمنية على تكثيف عملها بالمناسبة مجندة تعزيزاتها الأمنية تحسبا لوقوع تهديدات قد تمس الأمن، وكذلك تقوم اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير بتوعية الناس بضرورة أخذ الحذر خاصة بالليل بسبب تعاطي الخمور والتهور في السياقة مما يؤدي إلى إصابات أو قتل للنفوس. وتتسبب الحوادث الناتجة عن التهور في تلك الليلة أيضا في ارتفاع نسبة الوافدين على المستشفيات وخاصة أقسام المستعجلات. الترشيد أكد الداعية صالح النشاط على ضرورة ترشيد الناس في المحطات التي يمرون منها، وذكر منها محطة الاحتفالات برأس السنة الميلادية وقال بهذا الخصوص: "إن كان ولا بد من الاحتفال بهذه الليلة، ومخافة أن يتشبه المسلم بغيره، فهناك بعض جوانب الترشيد لهذه الاحتفالات، وأذكر منها: اعتبار هذا الاحتفال عادة من عوائد الناس، وليس طقسا دينيا مرتبطا بولادة المسيح؛ مع التأكيد على تلقين الناشئة خطورة التشبه بغير المسلمين في أعيادهم. والاعتبار بقيمة الزمن في حياة الإنسان، وأن عمره مجموعة من الأيام والشهور والسنوات، وكلما انقضت سنة ذهب بعض العمر، إضافة إلى تقييم ما أنجزه وقام به الإنسان خلال سنة مضت، لتدارك الضعف في السنة المقبلة. والاعتدال في الإنفاق على الأكل والشراب الذي اعتادت بعض الأسر تخصيصه بهذه المناسبة، وإذا استطاع الإنسان أن يجلس في بيته في تلك الليلة سيكون مفيدا له ولأسرته، حتى يتجنب ما أمكن تلك الحوادث التي عادة ما تصاحب الاحتفالات برأس السنة الميلادية. أما دور الجمعيات في توعية الناس بعدم ارتياد بعضهم الحانات والخمارات في تلك الليلة، فهذا واجب المواطنة الذي تستشعره تلك الجمعيات في الحد من المظاهر المخلة والمشينة للفرد والمجتمع، وتملك الجمعيات وباقي الفاعلين في التحسيس والتوعية الدينية مؤهلات لتبصرة الناس بخطورة ارتياد تلك الأماكن التي تهبط بمروءة الفرد، وتقتل حياءه وتقضي على سلم وأمن المجتمع".