انتصار آخر لراية المقاومة يتحقق خلال أيام بتنفيذ صفقة تبادل الأسرى بين حزب الله والكيان الصهيوني. صحيح أن الأرقام والتفاصيل لم تكن وفق المأمول، لكن ذلك لا يقلل من شأن ما جرى، سيما وقد حقق الحزب مراده بالإفراج عن أسراه، وعن الأسرى اللبنانيين والعرب عموماً، باستثناء سمير القنطار. من الواضح أن عراب الصفقة الألماني قد توسل قاعدة لا غالب ولا مغلوب، نظراً لإصرار الحزب على شمولها لسمير القنطار مقابل رفض شارون ذلك. والحال أن إخراج القضية على النحو الذي جرى قد فتح الباب أمام الجزء الثاني منها وفق ما ذكر السيد نصرالله، وهو جزء مرهون بمعلومات عن الطيار الإسرائيلي "رون اراد". وهنا يمكن القول إن الحزب سيجد سبيلاً إلى الرجل أكان حياً أم ميتاً. وفي هذه الحال سيفرج عن سمير القنطار، ومعه عدد ربما يكون أكبر من الأسرى الفلسطينيين حيث لم يعد ثمة أسرى من العرب في المعتقلات باستثناء الأسرى الأردنيين. ما جرى إذن هو انتصار مؤكد لحزب الله، لأن الصفقة من الأصل، حتى لو لم تشمل سمير القنطار، كانت نصراً كبيراً للحزب ولبرنامج المقاومة، فيما هي مصدر إحراج لكل المراهنين على ألعاب التسوية مع عدو لا يفهم غير لغة القوة. لا شك أن شارون سيحاول استثمار الصفقة لصالحه في ظل اتهامات الفساد، ومعها حالة العجز السياسي والأمني والاقتصادي التي تلاحقه منذ شهور، وتحديداً منذ أن غرق الأمريكان في مستنقع العراق، وتبين أن رحلتهم المأمولة صوب العواصم العربية الأخرى قد توقفت، وأقله تأجلت إلى زمن غير معلوم!! من حق كل القابضين على جمر المقاومة في الداخل والخارج أن يفرحوا بانتصار حزب الله الجديد، وأن يزدادوا إيماناً بالبوصلة التي ساروا على هديها، والمبادئ التي دافعوا عنها، فقد تحقق النصر أولاً واندحر الاحتلال، وبعد ذلك حرّر الأسرى، فيما لم تأت سياسة الاستجداء منذ أوسلو بأي عائد، وعندما حان زمن المقاومة جرى التلاعب بخياراتها "قدم هنا وأخرى هناك" فغاب الانجاز. فرحون بخروج الأسرى اللبنانيين والعرب ومعهم بعض الفلسطينيين، فيما تحضر مشاعر الحزن والقهر لأن سلطان العجلوني وزملاءه لن يكونوا بين المحررين. وإذا حرروا تالياً، فسيكون بثمن سياسي يتمثل في إعادة السفير الأردني إلى تل أبيب في وقت يتطلب اجراءات سياسية معاكسة بعد تهديدات شارون بشأن المساعي الأردنية لمواجهة الجدار، وفي ظل سياسات الرجل المتغطرسة التي تقابل عربياً باتصالات سرية!! في هذا السياق يمكن القول إنه في حال فشل مساعي تحرير الأسرى الأردنيين، ونجاح حزب الله في توفير معلومات عن "رون أراد"، فإن بالإمكان وضعهم ضمن الجزء الثاني من الصفقة مع سمير القنطار والآخرين. ومن المؤكد أن الحزب لن يمانع في ذلك. أما الأسرى الفلسطينيون الستة آلاف فلا عزاء لهم، فمحاولات المقاومة لتنفيذ عمليات خطف لم تنجح، مع أن نجاحها لن يكون مفيداً في ظل الاستباحة الكاملة للضفة والقطاع بوجود السلطة ووزرائها ومجلسها التشريعي، اللهم إلا إذا وضع الأسرى المحررين في مبنى المقاطعة كضمانة لعدم اعتقالهم من جديد، وإذا قال الإسرائيليون إنهم قد مارسوا انشطة ارهابية، فسيتدخل الوسطاء من أجل نقلهم إلى سجن أريحا كتسوية معقولة!! عذراً، لكنه القهر على إرادة سياسية فلسطينية وعربية عاجزة، ها هو حزب الله يجللها بالفضيحة. تماماً، كما فعل في أيار/نيسان عام 2000 يوم فرّ الجنود الإسرائيليون كالأرانب في جنح الليل وهم غير مصدقين أنهم قد نجوا من لهب الجحيم!! ياسر الزعاترة- كاتب فلسطيني