10 قتلى كل يوم وخسارة 11 مليار درهم إذا قمنا بقراءة إحصائية لعدد حوادث السير على الطرقات منذ سنة 1982 أدركنا هول الأمر. حيث تبين الإحصائيات الرسمية لمديرية الطرق والسير على الطرقات، أن سنة 1982 كانت قد سجلت 25000 حادثة، أي ما يعادل 68 حادثة يومياً، نتج عنها وفاة 2500 ضحية. لكن هذا الرقم قفز ليصل سنة 1992 إلى 41331 حادثة، أي بمعدل 5 حوادث في الساعة، ونتج عن ذلك سقوط 3524 ضحية أي بمعدل 10 قتلى تقريبا في اليوم. 10 قتلى كل يوم و خسارة 11 مليار درهم ومرت عشر سنوات ليصبح الرقم هو 3761 قتيلا بمعدل أزيد من 10 قتلى في اليوم الواحد، وبحصيلة ثقيلة من الجرحى في حالة خطيرة بلغت .14922 هذه الأرقام مرشحة في الأعوام المقبلة (لا قدر الله) للصعود، إذا لم يتم اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة من أجل الحد من حوادث السير. أما إذا أردنا معرفة الأوقات التي تكون فيها الحوادث في أوج عظمتها، فهي عند ساعات خروج الموظفين (12 ظهراً والسادسة مساء) تمثل الفترة العظمى للحوادث التي تقع في مجموع التراب الوطني، سواء كان ذلك داخل المدن أو خارجها. ويعزى ذلك إلى عدم احترام أسبقية اليمين، والسرعة المفرطة، وعدم الوقوف عند إشارات المرور، والتجاوز في الأماكن الممنوع التجاوز فيها، والسكر، وعدم انتباه الراجلين، والحالة الميكانيكية للسيارات. وخلفت حرب الطرق في المغرب خلال 2002 أزيد مما سقط من الشهداء في انتفاضة الأقصى منذ انطلاقتها خلال ثلاث سنوات، وضحايا أزيد من ضخايا الحرب الدائرة في إيرلندا. وتمثل حرب الطرق معضلة اجتماعية ونزيفا اقتصاديا يؤديان إلى عرقلة عوامل التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ويكفي التذكير بأن المغرب يفقد سنويا 11 مليارا درهما بفعلها، مما يشكل 5,2 من الناتج الوطني الخام. خطة استراتيجية استعجالية وانطلاقا من هذا العدد المهول من الحوادث، والعدد المرعب من القتلى، ارتأت اللجنة الوزارية المكلفة بالسلامة الطرقية إعداد خطة استراتيجية استعجالية مندمجة للسلامة الطرقية ترتكز على سبعة محاور، تهم التنسيق وتدبير السلامة الطرقية على أعلى مستوى والتشريع والمراقبة والزجر وتكوين السائقين وإصلاح نظام امتحانات رخصة السياقة والبنيات التحتية الطرقية داخل وخارج المجال الحضري وإسعاف ضحايا حوادث السير والتواصل والتربية. وتتطرق هذه المحاور إلى ما تم القيام به على الخصوص على مستوى اللجنة الوزارية المشتركة للسلامة الطرقية التي يرأسها الوزير الأول، وبصفة خاصة إعداد السياسة الحكومية في هذا المجال، وتنسيق تطبيق هذه السياسة، وإلى ما تم القيام به على صعيد اللجنة الدائمة للسلامة الطرقية التي يرأسها وزير التجهيز والنقل، وبصفة خاصة اقتراح الاستراتيجية الوطنية ودراسة الاستراتيجيات الجهوية وإعداد مخططات العمل وتنسيق تطبيق مخططات العمل القطاعية. وتركزالاستراتيجية فيما يخص المراقبة والزجر على المراقبة الطرقية والفحص التقني والزجر لتجاوز النقص الحاصل في تطبيق العقوبات، والتصدي لحالات العود. في حين يرتكز المحور المتعلق بتكوين السائقين وإصلاح نظام امتحان السياقة على إصلاح الامتحان النظري والتطبيقي وتكوين الممتحنين. وبخصوص التدابير المواكبة، تحدد الاستراتيجية إجراءات تتعلق بالدراسات والمنظومة الإعلامية. ويتعلق الأمر بإنشاء واستعمال قواعد معطيات تخص العربات ورخص السياقة، وإنجاز دراسة رائدة متعلقة بتحديد المناطق التي تكثر فيها حوادث السير داخل المدن، ووضع إجراءات نسقية لافتحاص حالة السلامة الطرقية والمشاريع الجديدة. أما التدابير المرتبطة بالتمويل، فتهم توفير اعتمادات كافية لتمويل البرامج المسطرة، وخلق بنود في ميزانيات مختلف المصالح المعنية تتعلق بالتمويلات الخاصة بالسلامة الطرقية. في حين تركز التدابير المرتبطة بالتقييم على الإنجازات في إطار أعمال اللجنة الوزارية المشتركة للسلامة الطرقية ولجنة التتبع واللجن الجهوية. وسبق أن أكد كريم غلاب وزير التجهيز والنقل أن الاستراتيجية الجديدة أخذت من التجارب السابقة، وهو ما كشف عنه مصدر موثوق داخل وزارة النقل لالتجديد حين أوضح أن هذه الاستراتيجية كان قد وضعها وزير النقل حينما كان تقنيا داخل الوزارة، وعندما أصبح وزيرا انتهز الفرصة لإخراجها إلى حيز الوجود، وأنه حان الوقت لتطبيقها بعد تفاقم الوضع على الطرقات. وبحسب بلعيش فإن الهدف الأسمى من المخطط هو الحد من ارتفاع عدد القتلى في أفق ,2005 والعمل على هبوط هذه النسبة بعد هذا التاريخ، وأن البرنامج يرتكز على أسس الاستمرارية في الزمان والمكان، ومحور هذه الاستراتيجية هو (الإنسان)، وأنه لا يمكن الحديث عن الإصلاح دون الحديث عن الإصلاح القانوني. قانون جديد وتكوين مستمر ويقول المتتبعون إن قانون السير الحالي يرجع إلى سنة ,1953 ولا يمكن به أن نتغلب على حوادث السير، نظرا لأن شبكة الطرق عرفت تغيرا كبيرا، وتضاعف حظيرة السيارات عشرات المرات، مما حتم التعجيل بإنضاج قانون للسير يواكب التطورات. وتقول مصادر عليمة من وزارة النقل والتجهيز إن الأمانة العامة للحكومة ما تزال تحتفظ بمشروع قانون للسير في رفوفها أزيد من سنتين، وهو الذي ستدخل عليه المصالح المختصة التعديلات ليكون جاهزا في أواخر هذه السنة. وترى نفس المصادر أنه لا يمكن أن يتسلم المواطن المغربي رخصة للمرور تطوى على أربع، ويكون مصيرها الضياع في عصر الإعلام والمعلوميات، والحكومة الإلكترونية. والجديد في مشروع قانون السير- الذي ما يزال قيد الدرس- تغيير النظام الحالي للمراقبة، الذي سيكون مبنيا على تقييم آلية المراقبة، ثم القيام بدورات تكوينية للأطر، واقتناء آليات ستكون جاهزة هذا الشهر. وما يميز الآليات الجديدة حسب نفس المصادر هو محدودية التدخل البشري، ثم تقييم مردودية المراقبين. ومع هذا المستجد، سيتم وضع برنامج للمراقبة، وتحديد مقاطع الطرق التي تكثر فيها حوادث السير، خصوصا خارج المدن، وستتركز على مراقبة السرعة، والتجاوز غير المسموح به، ثم حزام السلامة. وسيكون تقييم شهري لكل طريق من الطرق، ليتم التأكد من الحد حوادث السير، ومدى قيام المراقبين بواجبهم. أما فيما يخص الحالة الميكانيكية للسيارات، فهناك إجراءات تتعلق بمراكز فحص السيارات، إذ تأكد أن 99 في المائة منها لا تقوم بواجبها، والعهدة على المصادر العليمة من وزارة النقل والتجهيز، إذ تم إغلاق 35 مركزا في الشهرين الأخيرين، وسيكون قانون معين خاص بهم، يلزمهم بالتوفر على جملة من الآليات، فضلا عن القيام بالمراقبة على الطرق للوزن والحمولة. وقبل ذلك ستكون حملات تحسيسية للسائقين عن الزيادة في الحمولة في مرحلة أولى، ثم مرحلة الزجر. وبتواز مع هذه الإصلاحات فإن السائقين الجدد سيخضعون لتكوين احترافي مهني، ويكون لهم دفتر خاص بهم، والآن فتحت 3 مراكز أبوابها لتهييء السائقين وتكوينهم، والتكوين المستمر للسائقين الحاليين. حاليا لا يخضع نقل الجرحى والمصابين من قبل سيارات الإسعاف لأي تدابير قانونية حازمة، ويتم حاليا بحسب مصادرنا التفكير في وضع قانون يقنن الولوج لهذا الميدان، وسيتم إلغاء الحدود الإدارية فيما يخص نقل الجرحى، ويتم نقله إلى أقرب وحدة صحية، ثم التنسيق مع المستعجلات، والعمل على توحيد الأرقام فيما قريب(الوقاية المدنية، الأمن، الدرك الملكي...). وكشف نفس المصدر أن ما تقوم به وزارة التربية الوطنية لم يعط أكله، وينبغي أن تدخل التربية الطرقية في التكوين العادي للتلميذ. مكانة الشعائر الدينية لا يخفى أن التعبئة ضرورية من أجل إنجاح أي إصلاح، ولا تؤدي التعبئة ثمارها إذا لم يؤمن بها المرسل والمرسل إليه لأن الإمكانيات المادية وحدها لا تكفي. فمن الأخطاء الشائعة التي يرتكبها الفرد (عن قصد أو عن غير قصد) أثناء قيادة السيارة، عدم التمييز بين متطلبات الفرد الإنسانية والتي تنبثق عن حاجاته الفردية، والرغبات اللاإنسانية للسائق التي تخرج لحيز الوجود في فترة زمنية محددة، فتؤدي به أحيانا إلى التهور وارتكاب حوادث قاتلة، يكون ضحيتها في أغلب الأحيان أبرياء لا يمتلكون يد القرار من أجل تجنب حوادث السير. أما تكريم السائقين فهذا جانب له دور أساس في تفادي حوادث السير، ويقترح الدكتور إدريس الخرشاف في بحث له تشجيع السائقين الذين قضوا أكثر من 25 سنة في السياقة دون حوادث السير، وذلك بأن نقيم لهم حفلات خاصة لتكريمهم حتى يكونوا قدوة لغيرهم، ويتم منحهم جوائز وهدايا تشترك فيها كل من مديرية الطرق، وشركات السيارات، والمؤسسات المختصة في التأمين وكل من له علاقة من قريب أو بعيد بإشكالية حوادث الطرق. وبهذا نكون قد حاولنا جميعاً المساهمة في تقليل نسبة الحوادث السنوية التي لا تنذر بالتفاؤل، خاصة وأن الطرق هي ملك للجميع. ويردف قائلا: إنها رؤية طبقنا فيها قول الطب الحديث حينما يقول: إذا أردت شفاء المريض، فعليك بمعرفة أسباب مرضه أولا، لأنك حين تعرف الأسباب يصبح العلاج يسيرا، لأن العلاج ما هو إلا إزالة الأسباب. فلابد من وضع استراتيجية للقيام ببحث ميداني، نستطيع من خلاله بناء نموذج علمي، وهذا لا يكون إلا إذا قمنا ببناء جدول استطلاع من أجل دراسته، ومعرفة العوامل الرئيسة التي تؤثر في شتى مناحي مشكل الحوادث في المغرب. كما يجب أن يضم الجدول أسئلة تتعلق بإقامة الشعائر الدينية المطلوبة من أجل معرفة تنشئة الأفراد من الناحية التربوية، والثقافية، والاجتماعية والروحية. عبد الغني بوضرة