نشرت جريدة التجديد يوم الثلاثاء 17 فبراير 2004 في صفحتها الرابعة حوارا مع الداعية والمفكر الإسلامي الدكتور حسن الترابي. وبقدر ما كان هذا الحوار متنوعا أثار لدي مجموعة من الملاحظات نوجزها فيما يلي: 1 طرح سؤال على الأستاذ الترابي يتعلق بتقويمه لتجربة الحركة الإسلامية في المغرب، فكان الجواب أن الأمر وقف في كل حين على ميزان الحريات والنوايا العامة في كل بلد. وهذا الأمر طبيعي لكن من الواجب ألا ينسينا الظروف الدولية المتحكمة في العلاقات الدولية، لأن التعامل مع البلد الأصلي دون استحضار الهوامش الدولية يعطي نتائج معكوسة. وهذا ما اصطلح عليه بالنسبة للترابي الضغوط. خاصة عندما قال بأن شدة الضغوط على الحركة الإسلامية تفرض عليها الكتمان. 2 لقد اعتبر الدكتور الترابي أن المغرب كان دوما مصدر الثقافة الإسلامية والآن ضعف دوره الإشعاعي. وهذا مؤشر على أن معطى الضغوطات حاضر، لذلك من الواجب أخذه بعين الاعتبار. لذلك ركز الترابي على تحديات ملموسة تواجهها الحركة الإسلامية بالمغرب: إنه اليسار والتيار الليبرالي. لكن الإشكال المطروح عن أي يسار يتحدث الترابي و إلى أي ليبرالية يشير؟ إن منطق التواصل يقتضي البحث عن نقط التقاطع مع اليسار والتعاون مع التيار الليبرالي غير المتوحش، لأن جزءا كبيرا من مبادئه لا يختلف مع منظومة الإسلام. وإن إطلاق المصطلحات بدون قيد أو شرط يساهم في تعقيد العلاقات الداخلية مما ينعكس منطقيا على الاستراتيجية الوطنية لمواجهة الضغوطات الخارجية. وإذا كان الدكتور الترابي قد ركز على تيار اليسار والليبرالية، فيجب أن نستحضر كذلك المعارك الداخلية داخل الجسم الإسلامي. لهذا صرح الدكتور في حواره على أنه كان يسأل الله أن تتوحد الحركة الإسلامية ولو تيارا فكريا عاما حتى تساهم في تمكين ثقافة الإسلام في المجتمع. 3 عندما طرح سؤال على الدكتور يخص العلاقة بين تياره، والسلطة الحاكمة، أكد على أن المشكل يتعلق ببنية الدولة الإسلامية، معترفا بأنهم كلما كانوا يحلمون بقيام الدولة الإسلامية، إلا وتدخلت القوة الخارجية، فقدروا أن ينهجوا القوة من أجل مقاومة قوة الخارجي من جهة وبناء دولة الإسلام. إلا أن الملاحظ حسب تقديري أن اجتهاد استعمال القوة من أجل الوصول إلى بناء الدولة كان غير صائب. والمؤشر أنه كما قال الترابي عندما جاء الميقات وبدأ الدستور يتنزل قوانين ومناهج إلى الواقع اختلفنا. والسؤال المطروح لماذا هذا الاختلاف؟ أو بعبارة أخرى هي القضية متعلقة بالاختلاف أم سوء تدبير هذا الاختلاف والتحكم في إدارة التدافع؟! أم أن الأمر متعلق بنتائج القوة الطبيعية التي ركبت الحركة الإسلامية صهوتها عندما أسست الدولة؟ إذن فالتقدير الحقيقي أن مشكل بنية الدولة مرتبط حتما بأزمة البنية الفكرية. ومن ثم أكد الدكتور الترابي على نوعين من طبيعة الاختلاف. الأول يلخصه السؤال التالي: هل تبسط الدولة المشيئة للناس يمارسون إرادتهم بأن يتشكلوا كما يشاؤون كفارا أو مسلمين، حزبا لله أو أحزاب شيطان كما كان في المدينةالمنورة أم أنه لابد أن نشدد عليهم؟ والاختلاف الثاني يلخصه السؤال التالي هل يتولى المسؤولون السلطة بالشورى واختيار الناس، ويحاسبون ويكون بينهم وبين الجمهور معقد له أجل ويتعاقبون أو يبقون أبد الدهر بالجبروت؟ إن الملاحظ على هذين السؤالين أن طبيعتهما لا تسمح بالتواصل مع الآخر، ولا تستطيع أن تبني الدولة المنشودة والمؤشر هو إدخال مصطلحات الكفر والشيطان في عالم السياسة رغم الدلالات المتوخاة من طرحهما. وهذا ما يؤكد على أنه قبل الحديث على أزمة بنية الدولة لابد من بسط الإشكالية البنيوية للفكر. إذن فهي خلافات إسلامية الهوية، لكن بنيتها ليست إسلامية. ومن المفروض أن تكون الحركة الإسلامية قد هيأت القاعدة الفكرية لمواجهة هذا المصير الذي عبر عنه الدكتور الترابي بقوله: لم نكن نعلم قبل أن ندخل إلى هذه الساحة أنه كان ينبغي أن نتذكر التاريخ وقدر الفتنة التي قد يفتتن بها الإنسان، فقد يفتتن بالمال العام حتى وإن كان متطهرا أمينا من قبل، وقد يفسد ويستبد بالآخرين وعلى مخالفيه. 4 يميز الدكتور الترابي بين الغايات والمقاصد التي وضعت طوعا وطاعة لله وخشية منه. أو فرضت عليهم الديمقراطية من الغرب قهرا وخوفا لا من الله. إن هذا الخطاب للأسف لا يساعد على التعايش ويحدث مفارقة بين معطيين أولهما من الله والآخر من الإنسان، والأصل أن الكل لله، لأنه سبحانه له المشرق والمغرب. وما قدر الإنسان إلا نبراس من سنن الله الكونية. ومن ثم فالإشكال هو التوفيق بين إرادة الله، وإرادة الغرب خاصة فيما هو مشترك بين المذهبين تجنبا لكل شرخ يساهم في إحداث مفارقات تعيق التنمية والتواصل وهذا إشكال كبير في البنية الفكرية للحركة الإسلامية لذلك أثناء التقويم يقول الدكتور الترابي إنه إذا ما كتبنا عن الحركة الإسلامية في السودان سنكتب عن خطئنا وصوابنا وعن قصورنا ومنجزاتنا. ويرد الدكتور الأخطاء إلى أن الحركة الإسلامية بالسودان دخلت ساحة ما دخلتها حركة إسلامية قبلها لأنها سباقة وما تفقهت كثيرا لأن كتب الفقه الإسلامي السياسي ضعيفة وإذا لم يعمل المرء لا يتفقه. والملاحظ أن الدكتور الترابي يخلط أثناء التحليل بين الحركة والحزب والدولة. وحسب تقديرنا فإن لكل مؤسسة خصوصيتها ومنهجها للعمل. وهذا لا ينفي وجود نقط مشتركة. وأخيرا نردد ما خلص إليه الترابي عندما قال ولكن التاريخ يدور وتلك الأيام نداولها بين الناس والآن صحوة الإسلام ستتحول إلى ثورة حياة وثورة فكر إن شاء الله. ونتمنى ألا يكون هذا الفكر أنانيا، بل منفتحا على الاجتهادات الكونية البانية حتى يتم التفاعل والتدافع بين الأفكار البانية لقواعد التعايش والتلاحم والبناء. نور الدين قربال نائب برلماني لحزب العدالة والتنمية