صلاح الأسرة مؤداه بالضرورة صلاح المجتمع والعكس صحيح، إلا أن سير الحياة الزوجية قد تعترضه عوارض فتتنغص الحياة الأسرية ويصبح الزوجان في حالة عدم توازن واستقرار، مما يجعلهما في حاجة إلى خدمات متدخلين لأجل الإصلاح الأسري، و مراكز الإرشاد الأسري من أهم متدخلي المجتمع المدني لإصلاح ذات البين وإعادة التوازن إلى الأسرة نظرا لأنها تسعى إلى تجاوز الخلافات، والبحث عن نقط التوافق لأجل الحفاظ على استقرار الأسرة وبنائها. و من هنا يعتبر الإرشاد الأسري إحدى الوسائل الإصلاحية في المجتمع، كما أنه عمل اجتماعي تفاعلي يتواصل فيه الفرد مع المجتمع بشكل إيجابي. لهذا كان لتناول هذا الموضوع أهميته: نجاة من الطلاق (ف. ح) زوجة وأم لبنتين كانت تعيش مع زوجها الأستاذ في هناء إلى أن تمت ترقيته ليصبح مديرا بإحدى المؤسسات التربوية، تقول زوجته فأصبح يعاملها معاملة مغايرة لما كانت عليه، وهو ما أجج الصراع بينهما كاد أن يصل بهما الحال إلى الطلاق، لكنها اهتدت إلى الاستعانة بخدمات الإرشاد الأسري وتوجهت إلى أحد المراكز بسلا وحكت مشكلتها للجنة خاصة بالاستماع والإرشاد واتبعت الخطوات التي نصحتها بها المستمعات لتلمس أن مشكلتها بدأت تسير نحو الحل واستطاعت فعلا بتدخل مركز الإرشاد الأسري أن تنجو من الطلاق، وهي تقول ل "جديد بريس": "لن أنسى جميل النساء اللواتي ما إن تعرفن على مشكلتي حتى سعين بكل جهدهن لإفهام كل طرف من طرفي أسرتي ما له وما عليه تجاه استقرار الأسرة والحفاظ على آصرة الرباط المقدس، بل واعتمدن السماع لكلا الطرفين والمرور عبر مراحل إلى أن عادت المياه إلى مجاريها وأنا الآن أعيش مع زوجي في راحة وهناء، وحتى ابنتي لاحظتا التغيير والفضل يرجع لخدمات الإرشاد الأسري الذي لولاه لتحطم بناء أسرتي". (ف. ح) ليست الوحيدة التي استفادت من خدمات الإرشاد الأسري التي تكللت بالنجاح بل إن عددا من الأسر نجت من كابوس أبغض الحلال بسبب تدخلات مراكز الإرشاد الأسري التي أصبحت تعمل بمقاربة الصلح، حتى إن مركز كرامة للإرشاد الأسري بطنجة كان أعد دراسة أكد فيها ارتفاع حالات الصلح ضمن الحالات الواردة عليه لأجل الاستماع. تعريف الإرشاد الأسري الإرشاد هو مساعدة تتم بين متخصص في هذه المهنة ويسمى المرشد، و الثاني المسترشد والذي يطلب المساعدة للتغلب على المشكلات التي تواجهه، وذلك بمساعدة وخبرة المرشد والذي يوجه المسترشد نحو تطوير مهاراته واستخدامها في حل مشكلاته. والإرشاد الأسري هو مساعدة أفراد الأسرة على تحقيق الاستقرار والتوافق الأسري وحل المشكلات الأسرية، ويهدف إلى نشر الوعي حول أسباب الحياة الأسرية السليمة وأصول عملية تنشئة الأبناء ووسائل تربيتهم ورعاية نموهم والمساعدة في حل مشكلاتهم. ويعرف "ولمان"، حسب موقع البرونزية، الإرشاد الأسري النفسي بأنه هو الإرشاد الذي يتناول العمليات التي تتم داخل الأسرة كوحدة، وفيه تلتقي الأسرة مع المرشد لمناقشة ديناميات كل فرد من حيث علاقاته وتفاعلاته مع باقي الأسرة. خدمات مقدرة عبد الهادي اليماني، نائب رئيسة جمعية أم البنين للعناية بالأسرة بالرشيدية، أوضح من جانبه ل "جديد بريس" أهمية خدمات الإرشاد الأسري التي يقدمها مركز الإرشاد التابع للجمعية المذكورة والتي تعنى بخدمة استقرار وتوازن الأسرة في ظل فهم كل طرف من أطراف الأسرة لحقوقه وواجباته وقال في هذا الصدد: "من خلال تجربتنا الميدانية تبين لنا أن عددا من المشاكل الأسرية والارتباكات داخل الأسر تعزى إلى عدم فهم كل طرف للطرف الآخر داخل الأسرة وعدم فهم خصوصياته، وخاصة بين الزوجين، وبالتالي نحن نعمل على إفهام الطرفين لخصوصياتهما". وأضاف اليماني أن من بين أسباب ارتباك الأسر وجود خلل في استيعاب معنى الحق والواجب، إذ إن أغلب الحالات يطالبون بالحقوق متناسين الواجبات التي عليهم، وهنا نحن نقوم بالتوعية على أساس أن العلاقة الزوجية هي علاقة تعاونية". ومن جهة ثالثة أشار اليماني، الخبير في التنمية الذاتية، إلى تموقع الأبناء بالنسبة للأبوين، مشيرا إلى أن خدمات الإرشاد الأسري تدفع الأبوين إلى التعاون على التربية وعدم إقحام الأبناء في الصراع الزوجي أو إمالتهم إلى جانب دون الآخر، وقال: "نراهن على جعل كل زوج دعامة لزوجه في تربية الأبناء وعدم جعل الأبناء ورقة في الصراع. وأجمل المتحدث نفسه خدمات الإرشاد الأسري في "العمل على تعليم فن ومهارة حل المشكلات إذ غالبا ما تكون الأفكار والمعلومات متوفرة حول المشكلات ونحن علينا تعليم المهارات لتجاوز المشكلات ومراحلها وتبين من خلال العمل الميداني أن هناك ثمرة للعمل الإرشادي ولله الحمد سواء من خلال تتبع الحالات الواردة علينا أو من خلال الاستمارات التي تعبأ أثناء تنظيمنا لدورات تكوينية أو من خلال شهادات أبناء بعض الأزواج الذين نعمل على إرشادهم". إصلاح ذات البين سعاد زخنيني، مستشارة قانونية بمركز الوئام للإرشاد الأسري بسلا، ومحامية بهيأة الرباط، أكدت أن مراكز الإرشاد الأسري تبذل مجهودات جبارة لإصلاح ذات البين عبر متخصصين في الجانب الاجتماعي والنفسي والقانوني، وتلقى ترحيبا من المقبلين عليها، وهناك ارتفاع في حالات الصلح التي تدل عليها إحصاءات مراكز الإرشاد الأسري، إلا أن هذه الأخيرة لم تتوفر على آلية قانونية تمكنها من تفعيل هذا الصلح في الحالات الواردة على محاكم قضاء الأسرة، وذلك نتيجة فراغ قانوني. وأضافت المحامية زخنيني، في إحدى مداخلاتها تناولها "جديد بريس" سابقا، أن مراكز الإرشاد الأسري تقوم بعمل كبير في توعية أفراد الأسرة وإصلاح ذات البين بين الأزواج وكذلك بين الآباء والأبناء وحماية النساء المعنفات معنويا وجسديا وتنجز في ذلك محاضر، ولكن تبقى هذه المحاضر سجينة الملفات الخاصة بمراكز الإرشاد الأسري لافتقادها الحجية القانونية والصبغة القانونية رغم كون الأشخاص الذين أنجزوا هذه المحاضر يشهد لهم بالكفاءة المطلوبة. الإرشاد في كتاب نظرا لأهمية الإرشاد الأسري في الحفاظ على استقرار الأسرة والتقليص من حالات الطلاق المتزايدة، خصص منتدى الزهراء للمرأة المغربية كتابا للموضوع تحت عنوان: "الإرشاد الأسري: أضواء على التجربة" وهو أول عدد ضمن سلسلة الزهراء التي يصدرها المنتدى. ويتضمن الكتاب مقتطفات عن تجارب خمس دول عربية إسلامية في مجال الإرشاد الأسري. وتناول الكتاب مفهوم الإرشاد الأسري وتطرق لكيفية ممارسته ببعض الدول العربية الإسلامية. ضرورة ملحة من نافلة القول إنه في ظل التزايد المطرد في المشكلات الزوجية والأسرية وبالتالي تزايد الطلاق في المجتمع لأسباب لها آثار مدمرة في حياة الأفراد والأسرة، وهي تشكل تكلفة اجتماعية مرتفعة على المستوى المادي والنفسي والاجتماعي، يجب التوجيه بضرورة وجود مراكز استشارية بإمكانها مساعدة الأسر التي تمر بظروف استثنائية، وذلك لتقديم المساعدة المهنية التي قد تحول دون تفاقم الأمور وتساعد على التقليل من حالات وقوع الطلاق.