الخلاف مسألة طبيعية في التجمعات البشرية، تعترض الإنسان في محيطه وبيئته نتيجة علاقته وتواصله مع الآخرين ، وينتج عنه النزاع حين يعجز المختلفون على الاتفاق. وقد يكون النزاع بين فردين أو بين فرد ومجموعة أو بين مجموعتين، والأصل في الأمر أن الخلاف حين لا يجد طريقه إلى الحل ولا يتم تدبيره بالشكل الفعال يتحول إلى نزاع قد يفضي إلى المواجهة والقطيعة. فهل من سبيل للوقاية من النزاع وإذا حصل فما هي الآليات لإدارته؟ -1 الوقاية من النزاع قبل حصوله: ويتم ذلك بالتذكير والتنبيه على مخاطر التنازع والفرقة كما جاء في كتاب الله عز وجل "وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ? وَاصْبِرُوا ? إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " سورة الأنفال (46) فالتواصي بين العاملين للإسلام بطاعة الله تعالى واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم، والحذر من التنازع الذي يفضي إلى الفشل وذهاب الريح، ثم التواصي بالصبر والترغيب في مكانة الصابرين. كلها توجيهات إذا عملنا على تعميمها يمكن أن تقلل من تنامي النزاعات. وعلى الرغم من أهمية هذا المدخل الوقائي إلا أنه غير كاف، فصحيح أن الوقاية أفضل من العلاج ولكنها لم تغن عن إيجاد الأدوية والاستعداد لمعالجة الأمراض حين تظهر لتفادي انتشارها. 2- إدارة النزاعات : وأول خطوة في هذا الاتجاه هي الاعتراف بوجودها وتحديد حجمها دون تهوين أو تهويل وعدم الهروب من محاولة تسويتها أو تحويلها. والخطوة الثانية هي تحديد المرحلة التي يوجد فيها النزاع، فقد يكون في مرحلة كمون على شكل خلاف وتوتر غير حاد، وقد يكون في مرحلة المواجهة حيث الخلاف أكثر وضوحا والسلوك تصادمي وقد ينتقل لمرحلة الأزمة أي ذروة الصراع والقطيعة. أما الخطوة الثالثة فهي الشروع في تدبير النزاعات. وعلى ضوء المرحلة التي توجد فيها والإطلاع على الأسباب التي ساعدت في تفاقمها يمكن اعتماد الحوار لإزالة سوء الفهم،أو التفاوض للبحث في الخيارات البديلة، أو الوساطة لتوفير فضاءات الوئام،أو التوافق لترجيح حل من بين الخيارات والبدائل، أو التحكيم لفض النزاع. وفي الأخير فإن الالتقاء في العمل الجماعي المشترك وفي الفضاء الدعوي الواحد يفرز نوعا من التنافس، والتباين في وجهات النظر، وسوء الفهم المتبادل، الذي قد يتحول إلى خلاف ونزاع، وهو أمر طبيعي، يجب التعامل معه بحسن التدبير واعتماد الآليات الحديثة في إدارة النزاعات وعلاج التوترات والصراعات. مع العمل على التواصي بما في ديننا الحنيف من قيم وأخلاق الوقاية من النزاع المفضي إلى الفرقة والصراع من مثل خفض الجناح والتسامح والاحتساب، وحسن الظن، وإيجاد العذر للآخرين، كما روي عن عمر-رضي الله عنه- أنه قال "أعقل الناس أعذرهم للناس".