إن من العدالة الربانية التي بينها لنا، أن نعامل أعداءنا بنفس الطريقة التي يعاملوننا بها (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)، ومن هنا فلا غرابة أن نقاتل من قاتلنا (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم)، وأن نسالم من سالمنا، وأوقف عدوانه علينا، ورد لنا حقوقنا كاملة، أي استسلم وأذعن للحق الذي نملك (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها)، فماذا ينبغي علينا إذن أن نفعل إذا حاصرنا العدو كحصاره للعراق والسودان وليبيا وغيرها من دولنا العربية والإسلامية؟ من البداهة بمكان أنه ينبغي علينا تمشيا مع عدالة السماء أن نحاصره، وهذا الأمر يدخل في إطار الواجب الأخلاقي والوطني والقومي، وفي إطار متطلبات المروءة والكرامة، وفوق كل ذلك يدخل في إطار الواجب الديني. فهل حصار أمريكا يدخل في دائرة الممكن أم هو ضرب من الخيال؟ والحقيقة أن إحكام الحصار على أمريكا في حصار شامل لا يمكن أن يتم إلا إذا صلح حال الأمة، فنهضت من كبوتها، ولملمت شعثها، ورصت صفوفها، واعتصمت بحبل ربها، وهذا الأمر رغم أنه ممكن، بل سيحدث يوما ما، لكنه من الواضح أنه في أيامنا الراهنة غير قائم، ولو صلح حال الأمة لقمنا بمقاطعة أمريكا دبلوماسيا، واقتصاديا وثقافيا وأمنيا، وأجرينا ضدها كل أشكال الحصار، بل لقمنا بمعاقبة الدول التي لا تقاطع أمريكا، وهذا الذي ذكرت يبدو نوعا من دروب الخيال، وهذا صحيح ولا أنكره، ولكن السبب في ذلك هو واقع الأمة المزري وليس شيئا آخر. ولما كان حال الأمة لا يبشر بانفراج سريع، فهل نكتفي بالحسرة والمرارة والألم واجترار العجز؟ أم ينبغي علينا أن نبحث عن بدائل تمكننا من فرض طوق على أمريكا، ربما تكون هذه البدائل أقل درجة مما يمكن أن تقوم به الأمة مجتمعة في حال نهوضها، ولكنها لا تخلو من تأثير هائل على العدو الأمريكي، وأعني بذلك حصار أمريكا عن طريق الشعوب التي بدأ نار الحقد والغيظ والقهر يغلي في قلوبها، والشعوب إذا أرادت أن تحقق غاية ما فعلت بإذن الله، فهي قادرة على فرض حصار مؤثر بدرجة عالية على أمريكا تحت عناوين مختلفة: حصار اقتصادي: وهذا يعني أن كل سلعة أمريكية لها بديل وطني أو عربي أو إسلامي أو دولي يجب ألا نبتاعها، وأي سلعة أمريكية لا بديل لها، وفي إمكاننا الاستغناء عنها، يجب علينا أن نستغني عنها، وعلينا أن نستشعر ونحن نقوم بذلك أننا إنما نؤدي واجبا دينيا، وأن عملنا هذا إنما هو جهاد في سبيل الله، وأننا سنؤجر عليه يوم القيامة، وعلى كل من يخترق هذا الحصار عمدا أو استهتارا أن يستشعر أنه اقترف خطيئة تحتاج منه إلى توبة حتى لا يسأل عنها يوم القيامة. فما تجنيه أمريكا من أرباح، قلت أو كثرت، تتحول إلى طائرات مقاتلة، وصواريخ وقنابل مدمرة، ورصاص وبنادق، أي أنها تتحول إلى تلك المشاهد اليومية المرعبة التي نرى فيها أشلاء ودماء أطفالنا ونسائنا وشيوخنا تملأ الآفاق في كل يوم وفي كل مكان، بل تتحول إلى آلة إذلال للمسلمين في العالم، كما أنها تتحول إلى مخططات صليبية صهيونية هدفها طمس حضارتنا وصرفنا عن ديننا وعقيدتنا: (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله)، (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا)، (ودوا لو تكفرون كما كفروا). حصار الرعب : في الوقت الذي أفقدنا فيه الأمريكيون أمننا في فلسطين وأفغانستان والعراق والفلبين والشيشان وكشمير، وغيرها من الأماكن التي تضربنا فيها أمريكا إما مباشرة أو تساند فيها أعداءنا بكل أشكال الدعم كي يقوموا نيابة عنها بضربنا، ينبغي علينا، ردا على هذا العدوان، أن نحاصر أمريكا بالرعب. فلا يجوز لنا أن نترك من أفقدنا أمننا آمنا، فما حل الأمريكيون في بلد من بلاد المسلمين إلا وكان هدفهم المركزي ممارسة شكل من أشكال العدوان. فهم الذين يجربون آخر ما تمخضت عنه العقلية الشيطانية الأمريكية من أسلحة الدمار الشامل في الفتك بنا، وهم الذين ما انفكوا يحرضون الأنظمة الموالية لهم على ملاحقة وتصفية شبابنا المسلم، وهم الذين يحاربون المسلمين في لقمة العيش، وهم الذين ينهبون ثروات المسلمين، وهم الذين يتفننون في إذلال المسلمين حتى على شاشات التلفزة، كما جرى في المعتقل النازي الصهيوني "غوانتنامو"، وكما يجري اليوم في العراق، ولن نستطيع حصر أشكال العدوان الأمريكي على المسلمين، ويكفي أن الدعاية الأمريكية جعلت كل مسلم إرهابيا ملاحقا مطلوبا في كل بقعة في العالم. فلماذا لا نلاحقهم كما يلاحقوننا؟ ولماذا لا نرعبهم كما يرعبوننا؟ ونحن نملك أن نفعل ذلك، أليس من حقنا أن نصنع من أجسادنا قنابل وقد افتقرنا إلى أسلحة الدمار الشامل التي بها يقتلون أطفالنا؟ فما لم يشعر هؤلاء القتلة أن أمنهم لا يمكن أن يتحقق على حساب أمننا، لن نذوق طعم الأمن، ولقد برهنت الشهيدتان في العراق الحبيب رحمهما الله "ناشد ووداد" أننا قادرون على حرمان أمريكا طعم الأمن، فسلاح الرعب من أمضى أسلحتنا في مواجهة الإرهاب الأمريكي، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول (نصرت بالرعب). كما قال الشاعر "الشابي" : لا عدل إلا إن تعادلت القوى وتصادم الإرهاب بالإرهاب حصار الإعلام: وهذا هو واجب السياسيين والإعلاميين والمؤسسات غير الحكومية أن يقاطعوا الصحافة الأمريكية، فإذا سمحت أنظمتنا العربية والإسلامية بدخول الإعلاميين الأمريكيين إلى بلادنا. فنحن نستطيع أن نفرض عليهم مقاطعة حديدية، خاصة إذا أدركنا أن نسبة كبيرة من الصحفيين الأمريكيين يلعبون دورا أمنيا استخباريا خطيرا، فمقاطعتنا لهم ستكون لها آثار سلبية عليهم على أصعدة مختلفة، على أقل تقدير الصعيد النفسي والأمني والاقتصادي. حصار السياحة: إذا كانت الجهات الرسمية في دولنا عاجزة أن تفرض على الأمريكيين ما تفرض أمريكا على أبناء المسلمين من قيود في السفر والتنقل، فنحن قادرون أن نغلق في وجوههم فنادقنا، ومطاعمنا، ومحالنا التجارية، ووسائط نقلنا الخاصة، وعلينا أن نستشعر أن ما نقوم به واجب وطني وديني، خاصة إذا أدركنا أن هؤلاء السياح الأمريكيين في معظمهم يلعبون دورا استخباريا يخدمون به مصالح بلدهم على حساب أمننا ومصالحنا القومية. هذه نماذج من الحصار وليست كل أشكاله، فكما أن حصار الكيان الصهيوني أصبح عملا وطنيا ودينيا يعتز به أبناء المسلمين في كل مكان، يجب أن يصبح حصار أمريكا كذلك في ضمائرنا ووجداننا، إن أمريكا قد أعلنت الحرب على الإسلام، وها هي ترتكب أبشع صور الإرهاب ضد المسلمين في العراق وفلسطين. الدكتور عبد العزيز الرنتيسي