التعامل مع الأفكار ومقولاتها مجردة عن أصولها ومنبعها وبنبتها التحتية، واعتبارها فقط مفاهيم إجرائية هو ضرب من اللاعقلانية والعبث العلمي، باعتبار أن المقولات أو بعبارة أخرى الرؤى الفكرية لابد أن تستند على أساس مركزي ومرجعي يحدد ماهية اتجاهاتها، ويضبط قضاياه الكبرى مثلا في الكون و الإنسان والحياة، وهو ما يصطلح عليه بالتصور الفلسفي القيمي أو المعياري، والذي من خلاله يفسر كل ماهر قائم وموجود. وبالتالي فجميع المنظومات الفكرية والثقافية والاجتماعية والتربوية والسياسية تخضع لمرتكزات فلسفية ومذهبية تطغى على منهجها وطريقة تفكيرها، وهي بمثابة الخلفية الحضارية لجميع التصورات، أو بالمصطلح المتداول هو تعبير عن نمط ايديولوجي معين، حتى مسألة المفاهيم داخلة في السياق المذهبي باعتبار أن المفهوم هو انعكاس لرؤية تفسيرية لقضية ما، والمفهوم ما هو إلا تطبيق العلمي لمنظومة فلسفية علمية، وهذا يسري حتى على المصطلحات التي تعبر عن المضامين الثقافية، ضمن سياق معرفي وفلسفي بصورة عامة وخاصة، لذلك تجد اختلافات في التعبير عن اتجاه المصطلح ودلالاته من بيئة لأخرى، نظرا لاختلاف المساقات التاريخية. لذا فالمصطلحات المتناثرة في الأوراق والأفكار ناتجة عن فضاء معرفي تقعيدي مكون لها، وناتج عن سياق تاريخي جدلي بين الوعي والواقع، فالمفاهيم والمصطلحات تشكل جزءا أساسا في الأبنية النظرية والمنهاجية لأي منطومة حضارية ثقافية أو علمية، فالولادة الطبيعية لهاته المفاهيم هي البيئة المعرفية الحاضنة لها، وبالتالي وجود علاقة سببية أو جدلية بين المصطلح المتداول والواقع المتفرع عنه، هاته العلاقة الطبيعية تضمن استمرارية عجلة التاريخ في نفس الثقافة. يمكن القول أن الفضاء المعرفي التاريخي هو خزان المفاهيم، والتي تدريجيا تصنع المصطلح المعبر عن فلسفته الكامنة. باحث في تاريخ الأديان والمذاهب والفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط.