قال إدريس الخرشاف العضو السابق بأكاديمية العلوم بمدينة نيويورك، إن مصطلح اقرأ حينما نزل غير مجرى التاريخ، ووجه الخريطة الأنطربولوجيا للمجتمع العربي، فحوله من فضاء بدوي، فضاء لا يعرف إلا الرمال والنخيل، إلى منطقة إشعاع حضاري، وأضاف في حوار لالتجديد، أنه لابد لنا من الاهتمام بالإنسان، وذلك ابتداء من البيت والمدرسة، لأن هذه الأخيرة تعتبر المرفأ والمنبع، وتعتبر المصدر لكل حركة تنموية عقلانية مجتمعية في الزمكان الإنساني. وأصر الخرشاف عضو مؤسس كرسي الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بجامعة سيدى محمد بن عبد الله بفاس، في رؤيته لقطاع التعليم أنه جاء وقت التفكر بعمق وبعلمية وتدبر وتأمل، مؤكدا بأن منهجية التلقين لم تعد صالحة، وبأن النجاح هو حينما يكون مستوى الشهادة في نفس مستوى التطبيق المجتمعي، وأشار المتحدث بأن المراد هو دغدغة عقل الإنسان لكي يعيد قراءة القرآن ويعتبره كمحطة إستراتيجية من أجل توليد علوم جديدة. حاوره: عبد الله أموش بداية نهنئك على نيلك لوسام التميز لأكثر الشخصيات العربية تأثيرا في العالم في قائمة الأدباء والمفكرين والعلماء لسنة 2013. ونستهل حوارنا بالسؤال التالي؛ ما واقع الأمة الإسلامية (أمة اقرأ) مع العلم والبحث العلمي المعرفي؟ ❍ ونحن في هذا الشهر الخالد شهر نزول القرآن، الذي جاء يحمل شعار اقرأ باسم ربك، وطبعا هذا المصطلح اقرأ حينما نزل غير مجرى التاريخ، غير وجه الخريطة الانطربولوجيا للمجتمع العربي، فحوله من فضاء بدوي فضاء لا يعرف إلا الرمال والنخيل، إلى منطقة إشعاع حضاري، استطاع أن يغير خلال فترة زمنية محدودة وجه التاريخ، أقول وجه التاريخ لأن الغرب كان يعيش آنذاك في ضلالة عمياء، وبالتالي جاء بهذه الحمولة وأعطى ومضات على عدة متجهات، هذه الومضات جعلت الإنسان العربي ينتقل بهذا النور إلى الغرب، ويدخل العلم والمعرفة العلمية إلى الغرب. بمعنى أنه حينما استمسك بهذا النداء الرباني الذي ينص على اقرأ -وهذا الأخير ليس القراءة فقط بالمفهوم العادي، بل بمعنى تدبر، تأمل، غص في أعماق هذا الكون، حاول أن تبحث في هذا الكون اللامنتاهي في الصغر واللامنتاهي في الكبر- تم استخراج المفاهيم والقوانين التي يمكن للإنسان أن يقوم بتكوينها من أجل بناء الفرد وبناء المجتمع وبناء عقل الإنسان، فكانت هذا الآية التي انطلقت بها تدل دلالة واضحة أن الأمة الإسلامية حينما طبقت تطبيقا لفظة اقرأ من جانبها العقلاني وفي جانبها الإيماني استطاعت أن تغير مجرى التاريخ، لكنها في يوم من الأيام وقعت لها انتكاسة، وكانت هذه الانتكاسة نتيجة الابتعاد عن القراءة؛ أي بمعنى أصح الابتعاد عن التعاليم السماوية وحينما ابتعدنا عنها تخلفنا، وجاء الغرب وأخذ هذه العلوم وطورها، ونحن اليوم نقطف من ثمار هذه التكنولوجيا، وهذه التكنولوجيا سواء على مستوى الثورة الكوانطية أو على مستوى الثورة الرقمية أو على مستوى الثورة البيولوجية نجد منابعها انطلقت من منابع الأمة الإسلامية، التي قرأت القرآن الكريم بعقولها، وأنفسها المطمئنة، وبأرواحها، ومن لا يستطيع أن يسير هذه المسيرة، فطبعا عليه أن يتأخر والله سبحانه أعطانا كل الأدوات من هذه المسيرة، لكننا في نهاية المطاف تركناها وتمسكنا ببقايا لا تسمن ولا تغني من جوع. منذ مدة تتطلع دول العالم العربي والإسلامي إلى النهضة والتقدم والانتقال إلى مصاف الدول المتقدمة، فهل تعتقد أنها ستصل إلى ذلك التطلع بدون الاهتمام بالعلم والبحث العلمي؟ ❍ في الواقع قمت بدراسة طويلة الأمد استمرت أكثر من 19 سنة، وقمت ببناء المنهجية التطبيقية العقلانية الإيمانية التي يجب على الأمة الإسلامية ككل أن تسلكها، إن أرادت أن تتقدم وتغير مجرى التاريخ وتغير هذا الوجه السلبي. فنحن نستهلك التكنولوجيا ونقول هل يمكن أن نقوم بثورة عقلانية وثورة تكنولوجيا من أجل تغيير هذه الوضعية التي يعيش عليها العالم الإسلامي؟ ممكن لكن ذلك يجب أن يسير وفق نظام حسابي رياضي علمي تقني في مدة زمنية تساوي 83 سنة و8 أشهر، وأول هذه الانطلاقة وهي لفظة اقرأ أي بمعنى أصح لابد لنا من تهييئ أرضية الانطلاقة، فالإنسان الذي لا يستطيع أن يقوم ببناء أرضية عقلانية ينطلق منها من أجل المستقبل ومن أجل بناء وتحقيق الهدف الأسمى لا يستطيع أن ينجح في حياته. بمعنى لابد من إستراتيجية؟ ❍ نعم فالرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا، فحينما هاجر من مكة إلى المدينة وضع إستراتيجية وكان له هدف ورؤية، سواء كانت رؤية تكتيكية أم رؤية إستراتيجية، حينما أراد أن يفتح مكة وضع كذلك الإستراتيجية من أجل إقامة الدين الإسلامي، حينما بعث بالرسائل إلى الملوك والرؤساء وضع هدفا. فكل شيء يجب أن ينطلق من قاعدة المنطلق وهي التي يسمونها قاعدة المعطيات، والذي لا يستطيع أن يقوم ببناء قاعدة المعطيات لا يستطيع أن يشتغل، فنقول من أجل بناء هذا لابد لنا أن نعيد قراءة القرآن، لأنه سيعطينا دفعة قوية من أجل استخراج العلوم سواء كانت ماضية أو حاضرة أو مستقبلية، إضافة إلى هذا لابد من استخدام مجموعة من المهارات، وهذه المهارات نستخرجها من المدرسة المحمدية التي هي المدرسة التي تعطينا علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين في مسيرتنا المستقبلية. بمعنى أن إمكانية التغيير والنهوض واردة لكن تحت أي شروط؟ ❍ يمكن لنا أن نغير وجه التاريخ ولكن بشروط فلابد من بناء قاعدة المنطلق بمعنى أصح لابد لنا من بناء إنسان الغد، فإذا لاحظتم في حياتنا اليومية على مستوى التعليم وعلى مستوى الاقتصاد وعلى مستوى الثقافة.. لا نهتم بتاتا ببناء الإنسان دائما، برامجنا تتجه نحو المال أو نحو بناء المدارس.. ويجب علينا أن نفكر كيف نقوم ببناء الإنسان الواعد الذي سيقوم بعملية مكننة المسيرة العلمية وليس الارتكاز على الآلة، فالآلة لا تستطيع أن تقوم بأي شيء إلا بفضل الإنسان الذي يديرها. فإذن لابد لنا من الاهتمام بالإنسان، والاهتمام به يجب أن يبدأ من البيت ومن المدرسة لأن المدرسة تعتبر المرفأ والمنبع وتعتبر المصدر لكل حركة تنموية عقلانية مجتمعية في الزمكان الإنساني. كثيرا ما تصطدم الشعوب في بناء نهضتها بعائق الأمية كما هو متجسد اليوم في الدول العربية والإسلامية، كيف تفسر ذلك؟ ❍ مصطلح الأمية هذا انتقل من عصر إلى عصر، كان في الزمن السابق وهو المصطلح المرتبط بالإنسان الذي لا يعرف القراءة ولا الكتابة، والآن الأمية أخذت بعدا آخر وهي تكمن في الإنسان الذي لا يعرف تسيير التكنولوجيا المتقدمة، وهذا المصطلح مستقبلا إن شاء الله سيكون المصطلح المرتبط بالإنسان الذي يدخل للسيارة ولا يعرف كيف يقوم بملاحتها، أقول ملاحتها بمعنى أصح أي استعمال السيارات المستقبلية التي تمشي على الأرض وتمشي داخل البحر وتطير في السماء، ففي كل عصر سوف نتصادم مع تقنيات حديثة وسيكون مصطلح الأمية يرتبط بوقائع هذه التقنيات. كثيرا ما تحدثت عن تجديد الخطاب الدعوي، والجمع بين المعرفتين العلمية والدينية، ليتسق مع العصر ويثمر ثمار صناعة الحضارة، كيف ذلك؟ ❍ لابد من رؤية المشهد العام، فالإنسان الذي يريد أن يدخل لهذا الفضاء، لابد أن يبدأ بنفسه قبل أن يدعو الآخر. إذا لم نبدأ بأنفسنا ومعرفة ما بأنفسنا وتغيير ما يمكن تغييره داخليا، لا نستطيع أن نمر إلى الخارج، وهذا اقتبسته من عند رب العالمين الذي يقول إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، بمعنى أصح تريد تغير مسيرة مجتمع لكي يتقدم، أو تريد أن تنصح الإنسان من الطريق السلبي إلى الايجابي.. فإذن من أجل هذا لابد من إعادة قراءة ما بنفسي وأقول هل أنا في هذا المستوى حتى أمر إلى المستوى الثاني؟ وهو مستوى النصيحة للآخر فلابد أن أتعرف على ذاتي، ما دوري في الحياة؟ ما هي الأدوات التي يمكن أن أشتغل بها؟ كيف أفكر؟ كيف أتحاور؟.. إذا لم أقم بهذا فسيكون عملي عبارة عن صب ماء بصحراء. إذا صرنا بهذا الشكل وقمنا بهذه المرحلة الأولى، وهي تكوين ذات الإنسان، وتثقيفه ذاتيا ومعرفة دوره في الحياة، وقتئذ يمكن لنا أن نمر إلى المرحلة الثانية، وهي الحوار مع الآخر سواء الأسرة الأبناء المجتمع.. وليس بالضرورة الآخر هو الأجنبي، وحينما أمر إلى هذه المرحلة، وقتئذ أستطيع أن أبحث عن اللغة التي يمكنني أن أطرحها، فاللغة المطروحة لمخاطبة أبنائي، ليست هي اللغة التي سأطرحها مع جيراني، وليست هي التي أطرحها مع المجتمع، بمعنى أن لكل واحد لغة، والله تعالى يقولها في أية واضحة المعالم (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه). فما هي إشكالية الخطاب الدعوي اليوم؟ ❍ الإشكالية المطروحة في الدعوة هي أننا نتحدث بنفس اللغة سواء في المسجد أو المختبر، وبنفس المنطق مع جميع أطياف المجتمع وهذا خطأ، لأن الشاب حينما تتحدث معه يجب أن تستخدم مصطلحات يفهمها هو، وليس نفس المصطلحات التي تستخدم مع الإنسان العادي.. اهتممت بمجال البحث العلمي على مدار سنوات ما هي الخلاصات التي تقدمها اليوم للشباب؟ ❍ بشكل عام الشباب الآن بحاجة إلى من يشد على يديه، فلابد لنا أن نساهم في تكوينه، وليس الشباب فقط ولكن أصحاب الدبلومات العليا وكلنا نحتاج إلى مساعدة عقلية، وما أريد أن أقوله للشباب هو أنه جاء الوقت لكي يجعل بين الفينة والأخرى وقفات تعتبر بالنسبة له محطات تعيد مسيرته في المجال الذي مر به، ونقول للشاب لابد لك أن تركز وتطرح مجموعة من التساؤلات وعليك أن تفكر بعقلك. هل الدرس العلمي المقدم اليوم للشباب بجامعاتنا ومدارسنا العليا والذي يعتمد على التلقين في غالب الأحيان كفيل بتخريج شباب مبدع فاعل في المجتمع؟ ❍ هذا السؤال يحمل مجموعة من الأخبار، تقول أبدا، فالمنهجية المتبعة، وهذا من رأيي الخاص، (ليس فقط على مستوى مؤسسة معينة بل على عدة مؤسسات وأنا درست المؤسسات العلمية والأدبية والتعليمية (الابتدائي إلى الدكتوراه)، وجدت ما يلي، تعليمنا فقير وفقير جدا يعطي الشهادة، ولا يقوم ببناء الفرد، ونحن بحاجة إلى مؤسسة تقوم ببناء الفرد، وهناك من يقول بأنه ينشر بحوث ونجح بامتياز، وأقول بأن هذا ليس بنجاح، النجاح هو حينما يكون مستوى الشهادة في نفس مستوى التطبيق المجتمعي، أي بمعنى أصح لابد أن يكون هذا العلم في خدمة المجتمع، المهم هو أن هذا الشاب الذي يحصل على الشهادة العليا يجب أن يوظفها في خدمة المجتمع، لكنه بكامل الأسف يحصل على شهادة عليا، ولا يستطيع أن يوظفها في خدمة المجتمع، لماذا؟ لأنه تربى وتعلم وفق منهجية غير علمية. هل يستشف من كلامك أن هناك خللا في المنظومة التعليمية؟ ❍ تعليمنا في حاجة إلى تغيير جذري، أقول تغيير جذري لأن كل الإصلاحات السابقة عبارة عن قشور ونحن نريد أن ندخل للعمق، ونقول الآن جاء وقت التفكر بعمق وبعلمية وتدبر وتأمل، ونقول بأن منهجية التلقين لم تعد صالحة، الآن ما أطبقه وأحاول أن أرى الاتجاه الذي تسير عليه، وهو إعطاء العلوم بمناقشة وبحوار، والأستاذ في هذا لا يكون كملقن، وإنما يكون كعنصر داخل الفئة، والمتعلمون هم الذين يحاولون استخراج القوانين والنظريات، أو العمل على إيجاد نموذج رياضي أو بيولوجي أو جيولوجي، ويحاولون إغناء الفضاء. بهذا يمكننا وقتئذ أن نقوم ببناء شخصية الفرد. يؤاخذ بعض النقاد على المشتغلين بحقل الإعجاز العلمي التنقيب في القرآن الكريم، عوض التنقيب في الكون الذي يحيل عليه القرآن، ما تعليقكم على هذا؟ ❍ بشكل عام هناك اتجاهان؛ اتجاه الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، واتجاه البحث العلمي في القرآن الكريم. الإعجاز في القرآن الكريم ثابت ولا غبار عليه يمثل علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين. أما الشق الثاني فهو المرتبط بالبحث العلمي في القرآن الكريم وهو عبارة عن اجتهاد إنساني ومجهود عقلي يبذله الفرد من أجل التوصل إلى معجزات القرآن الكريم ومطابقة ذلك مع ما هو موجود حاليا، في هذه المساحة نقول هنا ينقسم الباحثون إلى قسمين؛ هناك من ينتظر الغرب إلى أن يأتي باكتشافات ثم يقول بأن القرآن تحدث عن هذا قبل 15 قرنا، هذه فئة التواكل على الأخر، أما الفئة الثانية والتي نحاول إبرازها وتوليدها وتشجيعها في هذا العصر، وهي حث المسلم على قراءة القرآن الكريم، والعمل على استخراج المفاهيم العلمية التي نص عليها، ثم القيام ببناء نموذج علمي. ما نريده هو دغدغة عقل الإنسان لكي يعيد قراءة القرآن ويعتبره كمحطة إستراتيجية من أجل توليد علوم جديدة. ثلاث شخصيات في جملة ❍ الخوارزمي هو إنسان أخذ القرآن بيد واشتغل بيد أخرى بينهما العقل. المهدي المنجرة ❍ هو مفكر نسأل الله له الصحة والعافية، نتمنى لو كان لنا في المغرب مهدي في كل المجالات لكي ندفع عجلة الوطن إلى الأمام. ابن الهيثم ❍ بأعماله استطاع الإنسان أن يحافظ على بصره.