الحديث عن الحركة العلمية بجامعة القرويين حديث ذو شجون، ذلك أن النبوغ والإبداع ما انقطع يوما في رحاب هذا الجامع المبارك.. ستقتصر هذه المقالة على العلوم الدينية واللغوية والأدبية بجامعة القرويين، بينما تخصص مقالة أخرى-ضمن هذا الملف- للعلوم التطبيقية في جامعة القرويين ..ومعلوم أن الإشعاع العلمي للقرويين امتد منذ العصر الإدريسي إلى العصر الحاضر..وقد انتشرت في أرجاء القرويين كراسي العلم وخصصت لها أوقاف، واعتبر كرسي العلم في جامعة القرويين مؤسسة ذات نفوذ معرفي كبير، يقول الكتاني في «فاس عاصمة الأدارسة» : «ذكر م?رجمو محمد بن إدريس العراقي إمام النحاة في عصره عنه أنه ولي تدريس كرسي سيبويه بالقرويين..وقالوا عن عبد الواحد الونشريسي أنه جمع بين خطط الولايات الثلاثة : الفتيا بفاس والقضاء بها والتدريس بالقرويين.. وعن فاس أخذت الدنيا بعد ذلك نظام كراسي العلم والأستاذ الجامعي الكبير». واضطلع الإمام المنجور بمهام جسام على مستوى العلم والأخلاق، وتفرغ للتدريس بالقرويين وملحقاتها كالعطارين والمصباحية ومساجد فاس الأخرى التي تتحرك وفق الخطة المرسومة من القرويين. وقد كانت دروس القرويين يحظرها الطلاب، والحرفيون وأرباب المهن، وعقدت بها المحاضرات يحضرها الرجال والنساء، والولاة والقضاة والموسيقيين.. وترسخ المذهب المالكي في أحضان القرويين بدأ بالعمل المؤسس الذي قام به سيدي دراس يوم كان ابن أبي زيد القيرواني يزوره بفاس لتلقي العلم فتأمّل.. وقد تبلور المذهب المالكي عبر ما كتبه أعلامه الكبار الذين احتفظوا بالأعراف والعوائد المكونة لشخصية المجتمع المغربي في كتب النوازل والفتاوى والفهارس والكنانيش التي تعتبر بحق وثائق سوسيولوجية شاهدة على العصر، ولم يقتصر الإشعاع العلمي لل?رويين على الرجال، بل نبغت عالمات وأديبات وفقيهات وقارئات ومحدثات، وعالمات بالطبيعة... ويذكر الأستاذ عبد العزيز بن عبد الله في كتابه «معطيات الحضارة المغربية»، ج2 (1963) ثلة من العالمات اللواتي نبغن بفاس كأم الحسن بنت سليمان بن أصبغ المكناسي تلميذة بقي بن مخلد، وأم عمرو بنت أبي مروان بن زهر طبيبة دار المنصور، ولها بنت هي ابنة أبي العلاء كانت عالمة بصناعة الطب والولادة، وورقاء بنت ينتان الفاسية الأديبة الشاعرة، توفيت بفاس عام 540ه كما في «جذوة الاقتباس» لابن القاضي. وأم العلاء العبدرية نزيلة فاس، كانت قبل ذل? عالمة بغرناطة، وست العرب بنت عبد المهيمن الحضرمي السبتي، أجاز لها ابن رُشيد السبتي عام وفاته سنة 721ه كما في «أزهار الرياض» للمقري..