يدشن القيادي الإسلامي عبد الوهاب رفيقي، المكنى بأبي حفص، سلسلة حوارات مع قادة من الحركة الإسلامية بالعالم العربي والإسلامي، تحت عنوان «قادة الحركة الإسلامية وتحديات الربيع الديمقراطي» وذلك تشخيصا لأبرز هذه التحديات بين طارئ فيها وقديم اعتلى سلم الأولويات، واستكشافا لمقاربات وطروحات القادة الإسلاميين لكسب هذه التحديات فضلا عن استشرافهم للمستقبل على ضوء تفاعل هذه التحديات والفاعلين فيها. أبو حفص يتفاعل في هذه الجزأ الأول من الحوار معه مع أسئلة الأثر الذي أحدثه الربيع الديمقراطي في فكر وسلوك السلفيين بالعالم العربي والإسلامي وبالمغرب على وجه التخصيص، وما يطرحه هذا التحول من تحديات، في صلة بدخول السلفيين لممارسة العمل السياسي من بوابته الحزبية المباشرة وتأثيرها على الساحة الدعوية وعلى الدعوة السلفية نفسها، كما يجيب عن تصوره لتحدي تدبير علاقة الدعوي بالسياسي بين خيارات الفصل والتماهي أو التمايز. وأيضا عن تصوره للدولة بالعالم العربي والإسلامي في صلة بنقاش مدنيتها من دينيتها، خاصة ما يرتبط بموقع المرجعية الإسلامية والحريات العامة والفردية بها، أبو حفص يتناول في هذا الحوار طبيعة المدارس السلفية بالعالم والمغرب أنواعها واختلافاتها، كما يقدم بعض جوانب التطور الفكري التي عاشه والذي قال إنه جعل له شعار «إيثار الحق على الخلق»، قبل أن يدلي برأيه أيضا في موضوع إغلاق دور القرآن. أسئلة حول المدارس السلفية السلفيون مدارس وتيارات كما سبق وأشرت في إحدى تصريحاتك للإعلام، ما هي معالم أبرز هذه التوجهات إذا أردنا التصنيف وأين يجد أبو حفص نفسه بينها؟ ليس من السهل القيام بهذه العملية، فهذا التيار متسع جدا وأطيافه صعبة الحصر، دع عنك الحديث عن المحددات التي على أساسها يتم هذا التصنيف، فعن أي سلفية تتحدث؟ عن السلفية بمعناها الرائج والإعلامي و الذي قد لا يقصد به إلا طرف معين أو مدرسة واحدة، أم السلفية بمعناها التاريخي و الفكري والعلمي والذي سنتحدث فيه عن الأفغاني وعبده ورشيد رضا، وهؤلاء فكرهم بعيد كل البعد لدرجة التضاد عن الصورة النمطية للتيار السلفي. أم هل سنتحدث عن التيار السلفي باعتباره مقابلا للتيار الحركي الذي له اختيارات قديمة في العمل التنظيمي و السياسي، أم أن هذا الفارق لا عبرة به والمعتبر هو الأدبيات التي تلقن في المحاضن والمجالس العلمية و التربوية؟ وعليه فإن الحركات الإخوانية يمكن اعتبارها سلفية بحكم اعتمادها في التكوين العقدي على نفس الأدبيات. طبعا يمكن الحديث عن تيارات كبرى تنتسب لهذه النسبة، الحركية والعلمية والإصلاحية والجهادية، الحركية التي دخلت العمل السياسي، ولها توجه سلفي في العقيدة و الاختيارات، لكنها تستعمل آليات الإخوان في العمل والمدافعة، وقريب منها الإصلاحية مع بعض الاختلافات، و العلمية التي ركزت على طلب العلم، و ما تسميه بالتصفية والتربية، والجهادية التي اختارت العمل المسلح كمنهج للتغيير، لكنه تقسيم غير جامع ولامانع، ففي زوايا كل اتجاه تيارات و اختيارات، تصل أحيانا لحد التناقض. أما عني أنا فمنذ سنوات عديدة، خرجت من عباءة كل هذه التصنيفات، وهذا ليس دعوى، و لا براءة من أمر لا حرج في الانتساب له، و لكنه واقع منذ آمنت أن الحق توزع في الأمة بين الطوائف والفرق، ولم تستأثر به جهة واحدة، ولو ادعت ذلك، فأنا طالب للحق حيثما بدت لي قوة الدليل اتبعت، بغض النظر عن الخلفية المذهبية أو الانتماء الفقهي والعقدي، لقد جعلت منذ زمن شعارا لي: إيثار الحق على الخلق، ولن أحيد بإذن الله عن هذا المنهج الذي تلقيته عن أئمة كبار كابن الوزير اليماني و صالح المقبلي. ما تعدادك للمدارس السلفية بالمغرب وما مجالات التقاطع والتمايز بينها وبين المدارس السلفية بالعالم؟ المغاربة في هذا الباب دائما تجدهم يمثلون انعكاسا للحالة المشرقية، وهذا تجده حتى عند الليبراليين واليساريين، فهي نفس التوجهات تجد لكل واحد منها طائفة تتبناها و تدافع عنها، قد تكون التيارات الجهادية مختلفة عن غيرها في البلدان الأخرى ، لكن باقي التيارات تكاد تكون نسخة من مثيلتها في الشرق، اللهم بعض اللمسات المغربية لإظهار عدم التبعية، لكنها تبقى محدودة، وأنا شخصيا لا أرى أي إشكال في هذا الاختيار، فالعبرة بقوة الحجة والبرهان ،أيا كان مصدرها و منبعها. تثار بعض الأسئلة حول السلفيين من قبيل عدم وضوح الأفكار والبرامج السياسية، التشدد في الدين والخطاب، سهولة التوظيف والاستدراج من طرف بعض الجهات والأجهزة المحلية والدولية، دعوات القتال في سوريا نموذجا...، ما ردكم؟ وهل من الضرورة أن أرد؟ فقد أكون موافقا على هذا الطرح بنسبة كبيرة، ما لا أقبله هو التعميم و جعل الجميع في سلة واحدة، وعدم التمييز، فهذا ليس بعدل، لكن لا يمكن مقارنة التجربة السلفية بنظيرتها الإخوانية في العمل السياسي، فالذين اختاروا هذا المسلك قضوا أعمارا طويلة فقط في إقناع رفقائهم و أتباعهم بصحته و رجحانه، وقد لاقوا صعوبة كبيرة في ظل تيار كان الرأي المسيطر فيه حرمة التنظم والتحزب، و ضرورة ترك السياسة وعدم الانشغال بها، مما ضيع عليهم أوقاتا طويلة كانت كافية لتطوير مشروعهم السياسي و إنضاج مسارهم الفكري. ومما لا يمكن إنكاره طغيان سمة التشدد في الخطاب والمواقف وقلة المرونة عند كثير من أبناء التيار السلفي،و إن كان الربيع العربي خفف كثيرا من هذه الحدة، كما أن كثيرا من مشايخ التيار ساهموا في هذا التخفيف، لكن قبل ذلك هذا مما ينبغي الاعتراف به حتى يحسن علاجه. أما التوظيف والاستدراج فهذا قد تقع فيه كل التيارات، لكن بعض الاتجاهات السلفية هي أسرع لذلك وأقرب، بحكم مستوى وعي أتباعها، ولا يشك أحد في حماسها و غيرتها و حبها لنصرة الدين، لكن ضعف الوعي يجعل كثيرا من الجهات الخارجية تستغل هذه الحماسة و توظفها لمصالحها الاستراتيجية، مما يوجب على هذه التيارات الوعي بالمخططات الإقليمية والدولية وعدم الانسياق خلفها دون استشعار خطورة ذلك في المستقبل. تحدي المشاركة السياسية كيف تقرأ الأثر الذي أحدثه الربيع الديمقراطي على فكر وممارسة التيار السلفي بالعالم العربي والإسلامي وبالمغرب على وجه التخصيص، في صلة بموضوع التطور الفكري هل بدأت قبله أم معه؟ هل التحولات نهائية أم ظرفية...؟ عالميا التيار السلفي كان يغلب عليه تحريم العمل السياسي، والتحذير من الدخول فيه، وفي أحسن الأحوال مساندة بعض التيارات الإسلامية المشاركة، لكن من باب الإنصاف لا بد من الإشارة إلى كتابات الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق القديمة في هذا الباب، وتجربة السلفية الكويتية في دخول العمل السياسي، و كذا كتابات صلاح الصاوي، وبعض مشايخ الجزيرة العربية الذين اتهموا بداية التسعينات بالحزبية والضلال، فهؤلاء آمنوا قديما بضرورة المدافعة من خلال هذا الباب، وتحملت أعراضهم في سبيل ذلك سيلا من الاتهامات و الطعون والتحذيرات، وبقي الحال على ذلك إلى أن جاءت رياح الربيع العربي، فقلبت كثيرا من الموازين، وهدمت بقوتها كثيرا من النظريات الفكرية التي كانت معتمد القوم في التحريم، قوة اللحظة كان لها أثرها العجيب، حتى إن كثيرا من الذين أصلوا سابقا للتحريم بل وصف المشاركة بالعمل الكفري، رأيناهم أصبحوا من كبار الداعين للمشاركة حتى دون أن يكلفوا أنفسهم تصحيح نظريتهم السابقة، أو التأصيل للواقعة الجديدة، فالوقت و توالي الأحداث لم يسعفهم للقيام بذلك، خاصة وأن قوة ما يجري على الأرض، سهل عليهم حتى إقناع الأتباع. فلم يجدوا صعوبة كبيرة في إقناعهم بضرورة هذا التحول، وقد رأينا من علاماته استقبال الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق بمصر استقبال الأبطال، بعد أن كانت كتاباته متهمة بالانحراف عن منهج أهل السنة. وفي رأيي أن هذه التحولات رغم أني أؤيدها، إلا أن سرعتها لا تطمئنني، فيمكن إذا بكل سهولة التراجع عنها مرة أخرى، ما دامت لم تبن بناء قويا وصلبا ،أنظر مثلا عند الحركات الإخوانية الأمر أصبح مسلما و لا يمكن مراجعته مرة أخرى، لكن بعض التيارات السلفية إذا فشلت التجربة أو هددت كما يقع في مصر اليوم قد تعود لقناعتها الأولى، فهو تحول ظرفي مهدد في كل لحظة بالانتكاس،و هذه قضية يجب معالجتها. بخصوص الحالة المغربية فلا شك أن الربيع العربي أحدث نفس التغيير، إن كنت شخصيا رفقة الشيخ حسن الكتاني نؤمن بالعمل السياسي منذ مدة طويلة، سابقة لدخولنا السجن، فإن تيارات أخرى كالسلفية العلمية لم تؤمن بذلك إلا مؤخرا، من خلال كتابات الشيخين القباج و رفوش، ورأينا مشاركتهم في الاستفتاء والانتخابات البرلمانية، وبالمناسبة أرى أن صلابة التأصيل عند السلفيين المغاربة أقوى منها عند المصريين أو أهل بعض البلاد الأخرى، و أظن أن الوضع السياسي المغربي ساهم في ذلك، ومن شأن ما تتعرض له دور القرآن من مضايقات تعزيز هذا الطرح وتقويته. أي أثر لدخول السلفيين لممارسة العمل السياسي من بوابته الحزبية المباشرة وتأثيرها على الساحة الدعوية وعلى الدعوة السلفية نفسها؟ طبعا سيكون له أثر واضح، من خلال تصحيح الصورة النمطية السلبية التي انطبعت في كثير من الأذهان عن المنسوبين لهذا التيار، وقد وقفت على ذلك من خلال بعض الخرجات الإعلامية التي لاقت قبولا عند كثير من الناس، وتلقيت إخبارا من الكثيرين بتغير الصورة عندهم. العمل الحزبي يشكل حماية للعمل الدعوي، فمما استفدناه من المحنة التي تعرضنا لها، أن عدم وجود الحماية السياسية يعرضنا للخطر في أي وقت، طبعا العمل السياسي لا يحميك مطلقا، لكن على الأقل يجعل خسائرك إذا قدر الله أي ابتلاء أخف، و الخروج منه يكون أسرع، أما الاعتماد على الدعوة الفردية الغير منظمة،و المجردة من أي دعم فلن يعطي أي نتائج مرجوة. كما أن العمل السياسي يمنح مساحات و اسعة للتعبير عن الرؤى و التصورات، والمطالبة بإدراجها في المجالات الحياتية ، مما ليس ممكنا بالاعتماد على المنابر الدعوية فقط. أمام نقاش مدنية الدولة ودينيتها أي تصور ترونه للدولة بالعالم العربي والإسلامي خاصة ما يرتبط بموقع المرجعية الإسلامية والحريات العامة والفردية بها...؟ لا تختلف رؤيتنا كثيرا عن رؤية مختلف التيارات الإسلامية بخصوص ذلك، نؤكد على المرجعية الإسلامية التي تفرض نفسها بحكم البعد التاريخي و الجغرافي والاجتماعي، فالإسلام دين المغاربة المتجذر في وجدانهم و شعورهم، ومن حقهم أن يكون هذا الدين مرجعهم في تدبير المواقف وتحديد السياسات العامة، وبالتالي فإذا نص الدستور على أن هذه المرجعية تعتبر النظام العام للدولة، فكل القضايا المطروحة من حريات و غيرها يجب التعامل معها في هذا الإطار، و هذا لا يعني أننا ندعو للتضييق على الناس، لكننا نعتقد أن في هذه المرجعية من آليات المرونة و السعة ما يسمح لها بتدبير حياة الناس و حفظ كرامتهم و صون حرياتهم. أي تصور لديكم لعلاقة السياسي بالدعوي، بين خيارات الفصل والتماهي أو التمايز كما هو الشأن لتجربة التوحيد والإصلاح والعدالة والتنمية بالمغرب؟ نحن دخلنا في تجربة حديثة، ونرى الحديث عن هذا سابق لأوانه، لكن التمايز و ليس الفصل أمر ضروري و لا غنى عنه لإنجاح المسارين معا، لكن الحديث عن آليات ذلك وتوقيته أمر سيأتي فيما بعد. ألا يعد موضوع إغلاق دور القرآن أحد أوجه تحديات مشاركة السلفيين في إطار تدافعها مع السلطة على اعتبار أن التعليم الدولة من تتكفل به وتتحمل مسؤولية مضمونه، ما قراءتك؟ لكن نظام دور القرآن ليس مسارا تعليميا منتظما يعطي شهادات رسمية تخول ولوج سوق الشغل، هي جمعيات تعلم نوعا من المهارات الذاتية كالحفظ و التجويد، كما أن غيرها يعلم الخياطة و الطرز و غير ذلك، أما الحديث عن التدافع مع السلطة فالأمر ليس محصورا على دور القرآن، الحركات الإسلامية كلها تتدخل في الشأن الديني خارج الوصاية الرسمية، المجالس التربوية التي تعقدها حركة التوحيد و الإصلاح أو العدل و الإحسان لا تتحكم الدولة في مضامينها و لا في أساليبها، لأنها تشتغل في إطار جمعوي، والقضاء وحده من له حق التدخل إذا رآى مخالفة لقانون الجمعيات. أبو حفص في سطور هو أبو حفص محمد عبد الوهاب بن أحمد رفيقي ولد في ماي سنة 1974م، بمدينة الدار البيضاء،عمالة آنفا. بدأ حفظ القرآن في سن الخامسة و أتم حفظه في سن الثانية عشرة، درس المرحلة الإبتدائية و بعضا من المرحلة الإعدادية بمدينة الدار البيضاء، و أكمل المرحلة الإعدادية بفاس، ثم المرحلة الثانوية بها أيضا. حضر في صغره مجالس بعض كبار العلماء والدعاة كالدكتور تقي الدين الهلالي والشيخ عبد الحميد كشك. تلقى أولى مبادئ العلم على يد مشايخ الدارالبيضاء المعروفين كمحمد زحل والقاضي برهون وإدريس الجاي وعمر محسن وعبد الباري الزمزمي وغيرهم. انتقل إلى فاس فأعاد بها حفظ القرآن الكريم، ودرس علم التجويد علي يد بعض المشايخ ومن أبرزهم الشيخ المكي بنكيران المقرئ المعروف. حضر بمسجد القرويين مجالس كثير من مشايخها المعروفين، ومن أبرزهم عبد الكريم الداودي والأزرق وغيرهم. نال شهادة الباكلوريا بالدار البيضاء شعبة العلوم التجريبية. درس سنة بكلية العلوم بالدار البيضاء شعبة الفيزياء والكيمياء. التحق بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وحصل بها على إجازة كلية الشريعة. و نال بكلية الآداب بفاس دبلوم الدراسات العليا المعقمة، بشعبة فقه الأموال في المذهب المالكي. تحقيق نوازل البرزلي المالكي. نال الإجازة في القانون العام باللغة الفرنسية، بكلية الحقوق، بمدينة فاس. له بعض المؤلفات لم تطبع بعد، منها: المقدسات في الإسلام. التجديد بين المشروع والممنوع. العلاقات الدولية في الإسلام وقت الحرب. أصدر رسالة «أنصفونا» من داخل السجن. كان خطيبا للجمعة بحي بنسودة بمدينة فاس. اشتغل بفاس مدرسا وواعظا وخطيبا. اعتقل مرتين بسبب مناهضته للسياسات الأمريكية في بلاد المسلمين. سجن المرة الأولى لثلاثة أشهر ثم المرة الثانية حكم عليه بالسجن لمدة 30 سنة على خلفية قانون مكافحة الإرهاب ثم خففت إلى 25 سنة في مرحلة الاستئناف، قضى منها 10 سنوات ليفرج عنه بعفو ملكي رفقة الشيخين حسن الكتاني و عمر الحدوشي يوم السبت 4 فبراير 2012. عضو الأمانة العامة لحزب النهضة و الفضيلة . المشرف العام على «دار الحكمة للتنمية البشرية و الدراسات الإستراتيجية». معتقل سياسي سابق.