تعرف التصرفات القانونية مجموعة من التغيرات بحسب تغير الزمان و المكان، فما يكون مقبولا في زمان ما يمكن أن يصبح غير مقبول في زمان آخر، ونفس الشيء ينطبق على حالة الأمكنة؛ فما يعتبر تصرفا قانونيا عاديا في مكان ما قد يعتبر كذلك في مكان آخر. و نحن نعلم أن هذا الأمر تتحكم فيه العادات و التقاليد و التعاليم الدينية . ولعل من أهم المواضيع التي تطرح نوعا من الجدل لاسيما في البلدان العربية و الإسلامية هو ثقافة بيع الخدمات الذي لازالت مجهولة عند الكثيرين و مشكوكا فيها عند كثير من الناس الذين لايؤمنون سوى ببيع السلع و المواد الملموسة. وهكذا إذا منحت لشخص ما قمحا أو زيتا أو ما إلى ذلك من المواد المحسوسة؛ فإنه يعطيك في مقابل ذلك مالا، و لا تكون لديه أدنى مشكلة لأنه يرى المقابل الذي منح من أجله المال. لكن إذا تم تقديم خدمة سواء كانت قانونية أو مالية أو عقارية أو ما إلى ذلك من مجالات تحتاج إلى استشارات و توضيحات فإنه لا يكون مقتنعا بإعطاء مقابل مالي لهذه الخدمات.وربما الذي يجعل الشخص يقتنع بهذا الأمر أنه تكونت لدى أجيال كثيرة ثقافة أن من يعطيك نصيحة أو إرشادا أو فتوى فإن المقابل يكون بالدعوة له بالخير والبركات، أو كما نقول بالعامية المغربية «الله يرحم الوالدين «. وكأن هذه الدعوى سيؤدي بها المحامي أو المحاسب أو الخبير العقاري أو المالي أجور الموظفين والضرائب و باقي الالتزامات المالية التي تتقل كاهله. و بحكم التجربة ومن خلال الممارسة العملية لمهنة المحاماة تبين لي أن العديد من الموكلين يحصلون على استشارات قانونية في مسائل حاسمة تخص حياتهم الشخصية و المالية، والغريب في الأمر أنك حينما تخبر موكلا أو زبونا أن عليه أداء أتعاب الاستشارة القانونية تجد عليه علامات الدهشة والاستغراب بشكل يكون لديه قناعة أنك تريد إبتزازه أو النصب عليه. لأنه مقتنع بأن الدعاء للسيد المحامي عند الله هو المقابل، و كأن هذا الأخير درس سنوات عديدة و اجتاز امتحانات و اختبارات مهنية و تخطى إكراهات مادية من أجل أن يحصل على المكانة التي أصبح عليها ومن أجل أن يأخذ الدعوات و الابتهالات كأتعاب و كمقابل عن الخدمات التي يقوم بها. و بعكس المغرب و الدول العربية فإن الأمر مختلف في أوروبا، ذلك أن الناس هناك على درجة من الوعي تجعلهم يقدرون أن وقت المحامي أو المستشار القانوني يساوي المال و أن أي دقيقة إلا و تقدر بثمن، لذلك ترى المحامين أو مقدمي الخدمات في أوروبا و الدول المتقدمة بمجرد دخول الشخص يبدؤون في إحتساب الزمن الذي يمكنه من خلاله عداد خاص معد لهذا الغرض، وأتعاب الإستشارة تختلف بحسب المدة الزمنية التي يستغرقها الزبون . لذلك أظن أنه ينبغي أن يقوم هذا على المستوى الثقافي إذا ما أردنا أن نطور الخدمات بصفة عامة و القانونية منها بصفة خاصة ، فمثلا في الموروث الثقافي الشعبي يعتبر السمسار أو الوسيط هو بمثابة النصاب و المستغل و الذي يأخذ الأموال بدون وجه حق ، بينما ه في القانون مؤسسة قانونية قائمة بذاتها ودورها الإجتماعي والإقتصادي لا يخفى بإعتبارهم من أهم محركات المعاملات التجارية و غير التجارية و من الحرام النظر إليهم بهذه الصفة و من الحرام أن لا تؤدي لهم أجورهم بإعتبارهم « سمسارة» و هم على النقيض من ذلك أناس يساهمون في التنمية داخل المجتمع. ختاما نتمنى أن يكون هناك تحسيس داخل المجتمع من لدن العديد من الجهات بالدور الذي تقوم به المؤسسات التي تقدم الخدمات بشكل يجعل المواطن مقتنعا بدورها في حياته، و ثانيا بإقتناعه أن هذه الخدمات ليست مجانية و إنما مؤدى عنها.