مباراة ودية بطنجة .. المنتخب المغربي يفوز على نظيره الموزمبيقي بهدف لصفر    المغرب يهزم الموزمبيق ودياً بهدف أوناحي.. والركراكي: "لدينا اليوم أسلحة متعددة وأساليب مختلفة"    الشرطة تحجز آلاف الأقراص المخدرة    حموشي يقرر ترقية مفتش شرطة ممتاز    المسرحية المغربية "إكستازيا" تهيمن على جوائز الدورة 30 لمهرجان الأردن المسرحي    المنتخب المغربي يهزم موزمبيق وديا.. أوناحي يسجل أول هدف في ملعب طنجة بعد تجديده    منظمة الصحة العالمية تعترف بالمغرب بلدًا متحكمًا في التهاب الكبد الفيروسي "ب"    تداولات بورصة الدار البيضاء سلبية    المكتب المغربي للسياحة يستقطب المؤتمر السنوي لوكلاء السفر الهولنديين إلى المغرب    الجزائر.. إجلاء عشرات العائلات جراء حرائق غابات كبيرة غرب العاصمة    مجلس النواب يصادق على مشروع قانون المالية لسنة 2026    عبد الحميد صيام: قرار مجلس الأمن حول الصحراء حمل عدة نقاط تناقض تثير تبايناً واسعاً في قراءات أطراف النزاع    وفد كيني يستكشف الفرص بالصحراء    المغرب يُنتخب لولاية ثانية داخل اللجنة التنفيذية لهيئة الدستور الغذائي (الكودكس) ممثلاً لإفريقيا    إدارة مركز التوجيه والتخطيط التربوي تنشر معطيات تفصيلية حول الجدل القائم داخل المؤسسة    مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال ال24 ساعة الماضية    الطرق السيارة بالمغرب.. افتتاح فرع مفترق سيدي معروف بمعايير هندسية وتقنية دقيقة    أبوظبي.. ثلاثة أعمال أدبية مغربية ضمن القوائم القصيرة لجائزة "سرد الذهب 2025"    ملعب طنجة.. الصحافة الدولية تسميه "ابن بطوطة" ومطالب محلية بتثبيت الاسم رسميًا    إطلاق المرحلة الثالثة من تذاكر "الكان"    أمطار رعدية ورياح قوية بعدة مناطق    مبديع: "أنا ماشي شفار ومنطيحش ريوكي على فلوس الجماعة"    وزارة الصحة تطلق حملة وطنية للكشف والتحسيس بداء السكري    إحباط محاولة لاغتيال أحد كبار المسؤولين الروس    جنوب إفريقيا تحتجز 150 فلسطينيا    بطولة اسكتلندا.. شكوك حول مستقبل المدرب أونيل مع سلتيك    أكثر من 170 لاعباً يحتجون في الدوري الكولومبي بافتراش أرض الملعب    فرنسا.. مقتل شقيق الناشط البيئي أمين كساسي في مرسيليا رميا بالرصاص    شَرِيدٌ وَأَعْدُو بِخُفِّ الْغَزَالَةِ فِي شَلَلِي    متابعة "ديجي فان" في حالة سراح    الصناعات الغذائية.. مسؤول حكومي: "التعاون المغربي-الإسباني رافعة للفرص أمام المصدرين المغاربة"    بوانوو: بلاغ وزارة الصحة لم يحمل أي معطى حول شبهة تضارب المصالح ولم يشرح التراخيص المؤقتة للأدوية التي يلفها الغموض التام    دراسة: ضعف الذكاء يحد من القدرة على تمييز الكلام وسط الضوضاء    شركة الإذاعة والتلفزة تسلط الضوء على تجربة القناة الرابعة في دعم المواهب الموسيقية    الحكم على سائق "إندرايف" سحل شرطيا ب11 شهرا حبسا وغرامة مالية    موقع عبري: الجالية اليهودية في المغرب تفكر في استخراج جثمان أسيدون ونقله إلى مكان آخر بسبب دعمه ل"حماس"    الملك يهنئ خالد العناني بعد انتخابه مديرا عاما لليونسكو    استفادة "تجار الأزمات" من أموال الدعم.. الحكومة تقر بوجود ثغرات وتؤكد ضرورة تصحيح اختلالات المقاصة    تصفيات مونديال 2026.. مدرب إيرلندا بعد طرد رونالدو "لا علاقة لي بالبطاقة الحمراء"    عمال راديسون الحسيمة يستأنفون احتجاجاتهم بعد فشل الحوار ويكشفون "مقترحات مجحفة" لإقصائهم    ملكية واحدة سيادة واحدة ونظامان!    رشق الرئيس السابق لاتحاد الكرة الإسباني بالبيض في حفل إطلاق كتابه    بوعلام صنصال بعد الإفراج: "أنا قوي"    استطلاع: 15% من الأسر المغربية تفضل تعليم الأولاد على الفتيات.. و30% من الأزواج يمنعون النساء من العمل    إدارة مستشفى محمد الخامس بالجديدة توضح: جهاز السكانير متوفر والخدمات الطبية مفتوحة للجميع    بأغلبية 165 صوتا.. مجلس النواب يقر الجزء الأول من مشروع قانون المالية    سعيد بعزيز: لوبي الفساد تحرك داخل البرلمان وانتصر في إدخال تعديلات لفائدة مقاولات التأمين    المركز الثقافي الصيني بالرباط يُنظّم حفل "TEA FOR HARMONY – Yaji Cultural Salon"...    مدير المخابرات الفرنسية: المغرب شريك لا غنى عنه في مواجهة الإرهاب    تحطم مقاتلة يصرع طيارين في روسيا    المسلم والإسلامي..    ثَلَاثَةُ أَطْيَافٍ مِنْ آسِفِي: إِدْمُون، سَلُومُون، أَسِيدُون    دراسة: لا صلة بين تناول الباراسيتامول خلال الحمل وإصابة الطفل بالتوحد    مرض السل تسبب بوفاة أزيد من مليون شخص العام الماضي وفقا لمنظمة الصحة العالمية    وفاة زغلول النجار الباحث المصري في الإعجاز العلمي بالقرآن عن عمر 92 عاما    بينهم مغاربة.. منصة "نسك" تخدم 40 مليون مستخدم ومبادرة "طريق مكة" تسهّل رحلة أكثر من 300 ألف من الحجاج    وضع نص فتوى المجلس العلمي الأعلى حول الزكاة رهن إشارة العموم    حِينَ تُخْتَبَرُ الْفِكْرَةُ فِي مِحْرَابِ السُّلْطَةِ    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تجديد القراءة في أحداث الهجرة

إنها لحكمة عظيمة أن تبدأ أعوامنا من تاريخ الهجرة النبوية. كعنوان لميلاد أمة الرسالة الخالدة والخاتمة. وتذكرة للمؤمنين بميلادهم المتجدد كل عام ، وكأن الأمة تولد كل عام مرة. ولهذا فالحديث عن الهجرة كأمر رباني، ووحي من عند الله تعالى صالح لكل عصر وفي كل مصر. فالحديث عنها يجعلنا نقف أما منبع تستمد الأمة منه: عناصر البقاء، وزاد المسير وأصول الامتداد. ولهذا لا بد أن نعلم جميعا أن الهجرة بمعناها العام، يمتد جذوره إلى أعماق الحياة البشرية كلها. ولكي نقف على بعض هذه المعاني سنعرج على المحاور التالية:
أولا وقائع وأحداث قبل الهجرة النبوية:
حتى تخضع الهجرة إلى سنن الله الكونية فقد تقدمتها أحداث ووقائع ممهدة. حيث نجحت بيعة العقبة الثانية، وقبل الأنصار استقبال رسول الله صلى الله عليه وسلم وحمايتَه ومنعه بأمولهم وأولادهم وأنفسهم، بعدما أصبحوا يمثلون الرقم الأكبر بالمدينة. كما أغلقت أبواب الدعوة منذ ثلاث سنوات، فبعد قريش رفضت كل من بني شيبان، وبني حنيفة، وبني عامر الاستجابة لدعوة رسول الله. وتوفيت السيدة خديجة رضي الله عنها، الملاذ الداخلي لرسول الله صلى الله عليه وسلم . ومات أبو طالب السند الخارجي لرسول الله. ومرت محنة الطائف بآلامها، وثبت عصيان ثقيف.. بعد كل هذه الأمور العظيمة، جاء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن مر أصحابك فليهاجروا. هجرة تختلف عن كل الهجرات السابقة. لأن هذه الهجرة إلى طيبة الطيبة سيتبناها شعب بكامله، خلاف ما كان في الحبشة الاعتماد على رجل واحد: « ملك لا يظلم عنده أحد «. والجو العام في المدينة أصبح محبًّا للإسلام. والأمر بالهجرة إليها جماعي فلا عذر للتخلف ولا للاختيار...
كل هذا يوحي بأنه ثمة مشروع ضخم سيُبنى على أرض الهجرة: وأن هذا المشروع يحتاج إلى كل طاقات المسلمين.. ولهذا لم يسمح لأي مسلم صادق بالتخلف وعدم المشاركة في بناء هذا المشروع: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ) الأنفال: 72.
ثانيا مشروع إقامة الأمة الإسلامية:
يقول الحق سبحانه (وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) النساء:99. وهنا لا بد أن نقرر أن الهجرة لم تكن تعني في أي وقت مضى الفرار بالدين والعقيدة وترك الديار..ولا كانت ذهابًا للمجهول..وتركا للأموال.. والأعمال..
إن الهجرة حياة جديدة!! لأنها كانت انتقالاً معنويًّا من حال إلى حال؛ إذ بعدها مباشرة نقلت الدعوة الإسلامية من حالة الضعف إلى وضع القوة، ومن حالة القلة إلى وضع الكثرة، ومن حالة التفرقة إلى وضع الوحدة، ومن حالة الجمود إلى وضع الحركة، ومن الانحصار إلى الانتشار، ومن الاندحار إلى الانتصار، ومن وضع الدعوة إلى واقع الدولة.
ولهذا لم يكن أحد من الصحابة يشك أنها ستكون شاقةً.. وأنها ستكون استعدادًا لأيام عظيمة...كيف يغيب هذا والوحي يتنزل من السماء ليبشرهم جميعا بعظم أجر المهاجرين يقول جل من قائل : (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلاً يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) الحج: 58 ويقول سبحانه (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) النحل: 41.
ثالثا الهجرة المعنوية:
لا شك في أن تأخر الإذن بالهجرة إلى ما كانت عليه بعد ثلاثة عشرة عام، أي ما سماه أهل السير والمغازي بالمرحلة المكية: مرحلة البناء والتهذيب والتشذيب وحفظ الدعوة في الأنفس، لتتحقق الهجرةالأولى: هجرة إلى الله بتوحيده وتحقيق عبادته وإلى ورسوله صلى الله عليه وسلم باتباع سنته، والاقتداء بسيرته.
إن أول مراحل الهجرة هي: تحقيق التوحيد، وترك المعاصي، والبُعْد عن مواطن الشبهات..أخرج البخاري ومسلم بسنديهما إلى أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ). وقوله صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ الْمُهَاجِرَ مَنْ هَجَرَ مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ).
ولهذا اقتضت حكمة الباري سبحانه وتعالى أنه لكي تكون بَدْر والأحزاب وخَيْبر وتَبوك... لا بد من المرور من مدرسة مكة. فهنا البداية التي لا بد منها.. فبغير مكة لن تكون المدينة.. وبغير المهاجرين لن يكون الأنصار.. وبغير التوحيد والإيمان والأخلاق والصبر على البلاء، لن تكون أمة ودولة وسيادة وتمكين...
رابعا قضية النية، لماذا نهاجر؟:
روى البخاري بسنده إلى عُمَر بْن الْخَطَّابِ رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إلى اللهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إلى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إلى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ) فالهجرة متأسسة على النية. وعليه، فلا يمكن أن نسوي بين الذي ترك كل ما يملك ابتغاء مرضات الله، وسعيًا لإنشاء أمة إسلامية، ورغبةً في تطبيق شرع الله في الأرض..مهاجرا إلى الله وإلى رسول الله... والذي عاش لحياته فقط، ولو كانت في الحلال فقط...
خامسا الأخذ بالأسباب وعدم الالتفات إلى المسببات:
قال سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) الأنفال. لقد بذل صلى الله عليه وسلمكل ما يدخل في طاقته لإنجاح الهجرة. نعم قد نلاحظ بعض الثغرات الخارجة عن حدود التخطيط البشري: فالمشركون قد وصلوا إلى بيت الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الموعد الذي كان يظنه. والمطاردون وصلوا إلى باب غار ثور. وسراقة بن مالك استطاع أن يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه. وبريدة الأسلمي وقومه وصلوا للرسول صلى الله عليه وسلم... لكن المستفاد هنا أنك إذا قمت بما عليك (مَا اسْتَطَعْتُمْ) وأخذت بما تستطيع من أسباب، فإن الله حسبك سيكفيك ما لا يدخل تحت طاقتك وسيكمل لك ما يحدث من نقص خارج عن إرادتك..
ولهذا تأمل معي: فقد أغشى الله عيون المشركين أمام بيت الرسول صلى الله عليه وسلم فلم يروه وهو خارج، ولم يجعلهم يُلقون نظرة واحدة داخل الغار ، وأساخ أقدام فرس سراقة في الرمال وألقى الرعب في قلبه، وشرح صدور بريدة وقومه للإسلام فآمنوا وقد خرجوا مشركين فعادوا مسلمين...
سادسا الاعتماد على الله واليقين فيه وحده:
بعد أن بذل رسول صلى الله عليه وسلم أسبابه كاملة تحلَّى بيقين عظيم في أنَّ ما أراده الله تعالى لا محالة أنه سيكون. فتأمل معي كلمته الخالدة (مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا) وتأمل معي أيضا عدم التفاته إلى الخلف في الطريق. وكأنه صلى الله عليه وسلم يقرر لنا قاعدة مفادها أن المتوجه إلى الله لا يولي وجهه إلى غيره. وبدون هذا اليقين لا يمكن للدولة المسلمة أن تقوم.
سابعا حرصه صلى الله عليه وسلم على الصحبة:
عاش حياته صلى الله عليه وسلم في مكّة بصحبة، وخرج إلى الطائف بصحبة، وقابل الوفود بصحبة، وعقد البيعة التي بنيت عليها دولة الإسلام بصحبة، وها هو يسأل جبريل عن صاحبه في الهجرة.. كل هذا وهو رسول الله المؤيد بالوحي (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ . إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة :67 قاعدة محمدية نبوية أصيلة (الشَّيْطَانُ مِعَ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مِنَ الاِثْنَيْنِ أَبْعَدُ) فمن السُّنَّة طلب الرفقة في السفر(لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم، ما سار راكب بليل وحده) البخاري. فإن كان هذا حال رسولكم فكيف يكن حالكم في دنياكم؟ لن تقوم لكم قائمة إلا ب(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى. وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة: 2.
ثامنا حال القائد القدوة مع أتباعه:
يعيش معاناة شعبه فقد عاش معهم حياتهم بكل ما فيها من آلام وتضحيات، كان من الممكن أن يُنقل من مكّة إلى المدينة بالبراق: ولكن لا بد للمسلمين من طريق عملي لبناء الأمة، طريق في مقدور عموم المسلمين وتحت وسعهم... ولا بد أن يسير في هذا الطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب21
فإذا أحب الله باطن عبده ظهرت عليه مواهب الفتّاح
وإذا صفت لله نية مصلح مال العباد عليه بالأرواح
تاسعا التخطيط من التكليف:
الخطة هي رسالة تبيِّن أهمية تحديد الهدف، ووضع خطة متدرجة ومؤقتة بإجراءات واقعية تحقق الهدف، وتأخذك إلى ما تريد مستقبلاً بمشيئة الله تعالى .
ولهذا وجدنا خطته صلى الله عليه وسلم على مراحل: الهدف المرحلي القريب: إقامة المجتمع المسلم في المدينة. والهدف الإستراتيجي المتوسط: إقامة الدولة المسلمة. وأما الغاية الكبرى: التمكين لدين الله في الأرض.
فلم تكن خطة الهجرة لعام واحد، أو أعوام قليلة، وإنما كانت لمرحلة كاملة من الدعوة إلى الله . ولم تكن لفرد واحد أو أسرة واحدة أو قبيلة بمفردها، وإنما كانت لأمة ممتدة زمانًا ومكانًا...
عاشرا الصديق والهجرة النبوية:
إن حدث الهجرة النبوية يعلمنا أيضا كيف ينبغي أن يكون حال المسلم مع هم الدعوة إلى الله وكيف ينبغي أن يتأول قول الله تعالى : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف : 108
فأبو بكر الصديق رضي الله عنه استعمل عائلته كلها في سبيل الله؟ يأخذ خمسة آلاف درهم، هي كل ما يمتلك لينفقها على الدعوة إلى الله، وقبلها أنفق خمسة وثلاثين ألف درهم في سبيل الله، وسيظل ينفق في المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيبقى ينفق وهو خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيظل ينفق وهو على فراش الموت، لقد اشترى الجنة، (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) التوبة:111 . وحُقَّ لرجل له مثل هذه الصفة أن يرضيه الله (وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرضى) الليل: -17 21. فسرت بأنها في أبي بكر رضي الله عنه . وحق لمثله أن يبكي فرحا من بشارة الوحي له بكل ما بشر به وأن يتغنى ب :
وردَ الكتابُ من الحبيبِ بأنَّه
سيزورُني فاستعبرتْ أجفاني
غلبَ السرورُ عليَّ حتى أنني
من فرطِ ما قد سرَّني أبكاني
يا عينُ صارَ الدمعُ عندك عادة
تبكين من فرحٍ ومن أحزانِ
الحادي عشر فقه الواقع:
من الحكمة أن نقف عند بعض اللحظات الفارقة، خاصة عندما نتعرض لبعض القواطع ونمارس أدب المراجعات لنجدد أسلوب المسيرة الدعوية كل حين، بناءً على فقه دقيق لواقعنا، ومعرفة صحيحة لإمكاناتنا، و تقدير سليم لقدراتنا.. من أجل صياغة مشاريعنا الدعوية : والهجرة النبوية علمتنا أن الفقه بالدين الإسلامي، والفقه بالواقع الإسلامي، والفقه بالواقع الإنساني هي مفاتيح التنمية الحقيقية.
الثاني عشر: فن التعامل مع الطاقات والقدرات
لقد قدم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم درسًا عظيم الفائدة في فنون توظيف الطاقات، ومهارات استغلال كل الإمكانات والقدرات المادية والبشرية المتاحة لتنفيذ خطته..فأناط المسؤولية المناسبة للرجل المناسب والمرأة المناسبة:
مسؤولية تأمين الرفقة: وكانت من نصيب الصديق رضي الله عنه. وقد رأينا كيف نجح في مهمته.
مسؤولية تأمين المعلومات والأخبار: عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنه وقد رأينا كيف نجح في مهمته.
مسؤولية تأمين التغذية: أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وقد رأينا كيف نجحت في مهمتها.
مسؤولية التمويه: الراعي عامر بن فهيرة رضي الله عنه، الذي كان يمحو الآثار بغنمه.
وقد شارك فيها أيضا سراقة بن مالك بعد فشل عملية المطاردة. وهنا لابد أن نشير إلى درس آخر مع سراقة وهو أهمية الرؤية المستقبلية لتحقيق الأهداف، ولبث روح الأمل في نفسية العاملين في حقل الدعوة: يبشر سراقة ليس فقط بظهور الإسلام على قريش أو على العرب، بل وبسقوط عرش كسرى تحت أقدام المسلمين، وأَخْذ كنوز كسرى غنيمة، ( كَأَنِّي بِكَ يَا سُرَاقَةُ تَلْبَسُ سِوارَيْ كِسْرَى).
وهذا منهج القرآن الكريم في تربية المسلمين، لأن الله تعالى ينزل آيات البشارة والتمكين في أصعب الظروف والأحوال، ففي حصار الشعب ينزل الحق سبحانه وتعالى: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) الفرقان:1-2. فلا نستغرب أن نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يبشر سراقة والحال كما نعلم .
مسؤولية خريطة الطريق: أحد الأَدِلاَّء الخبراء بالطرق، وهو عبد الله بن أريقط، الرجل المشرك.
بعد هذا الذي ذكرنا وغيره من دروس الهجرة كثير، لأن عطاء السيرة عطاء متجدد بتجدد الزمان والمكان وحاجة الإنسان، نخلص إلى
أن الهجرة النبوية لم تكن وما كانت يوما أبدا فرارا بالدين والعقيدة..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.