سبق في العدد السابق أن تناولنا خمسة مبادئ الأولى من ميثاق حركة التوحيد والإصلاح، نكمل عرض بقية المبادئ، وهي على الشكل التالي: 1 العمل الجماعي المنظم: العمل الجماعي مبدأ أصيل، ووسيلة ضرورية، تستمد أصالتها من نصوص القرآن والسنة. وتقصد الحركة بهذا المبدأ القيام بالدعوة بطريقة جماعية منظمة، ذات هيئات ولجان وتخصصات. وهذه الصورة تقابل العمل الانفرادي الذي يعتمد فيه الفرد على قدراته الذاتية. ليس هذا المبدأ اختياراً ظرفياً، وإنما هو مبدأ خاضع للسنن الكونية الجارية على الإنسان والكون والحياة. والمطلع على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، يلاحظ حضور هذا المبدأ سواء في المرحلة المكية أم المدنية وفي عصرنا يتأكد هذا المبدأ حيث إن التنظيمات والهيئات المناوئة للإسلام أخذت بمبدأ التنظيم في برامجها ومخططاتها. فكيف بمن يدعو إلى الإسلام على هدى ونور من ربه. 2 الحرية والشورى: هذا المبدأ تبع للمبدأ السابق، وهو مبدأ مزدوج يجمع بين الحرية في اتخاذ القرار، والالتزام بالعمل الشوري لممارسة الحرية المسؤولة، وهذا المبدأ مقابل للاستبداد بالرأي، والإعجاب به. ويخبرنا التاريخ أن الشورى كانت دائماً خلق الأنبياء في الوقت الذي يكون فيه الطغيان والاستكبار خلقاً للطواغيت والمعاندين. لقد كان هذا الخلق من الصفات الأساسية للرسول صلى الله عليه وسلم، في أمور البيت والسياسة والحرب والمال والاقتصاد وغيرها. وقد مدح الله الجماعة المسلمة في مكة بأن أمرهم شورى بينهم. -3 الطاعة والانضباط: ما تم الاتفاق عليه - بعد التشاور- يحتاج إلى التزام وتنفيذ، ولا يتم هذا المبدأ إلا بالطاعة والانضباط للقرارات التي تتخذها الحركة و مسؤولوها طاعةً لله ورسوله. "يايها الذين ءامنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الامر منكم فان تنازعتم فى شىء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تومنون بالله واليوم الاخر ذلك خير وأحسن تاويلا"سورة النساء 58، فكل من ولي أمراً من المسلمين فهو أميرهم ولو كان سفراً من الأسفار. وينبغي التوسط في الطاعة بين التمرد على القرارات الشورية والطاعة العمياء عندما يتعلق الأمر بمعصية لا يقرها الشرع. 4 التدرج: هذا المبدأ سنة كونية وشرعية واجتماعية وتاريخية؛ فقيام الأمم وانتصار الحضارات، خاضع لهذا المبدأ، فهو صارم ومطرد لا يحابي أحداً، من عرفه سخَّرَه ومن جهله صادمه، فكانت الغلبةُ له. وفي السيرة والسنة النبويتين، وفي سِيَرِ السلف الصالح من الصحابة والتابعين والدعاة، أمثلة كثيرة على ضرورة الأخذ به. وعلى العاقل التمييزَ بين التدرج بصفته سنة كونيةً، وبين التباطؤ الناشئ عن الخوف من الناس، والحرص على الدنيا وكراهية التضحية في سبيل الله. -5 المخالطة الإيجابية: لا تتم الدعوة إلا بمخالطة مادتها، ومادَّتُها هم الناس، فالمخالطة تفتح آلاف الفرص لدعوتهم إلى الحق. وسيرة الأنبياء شاهدة على هذا السلوك؛ فهم لم ينتظروا من الناس المجيء إليهم، بل غشوهم في مجالسهم ونواديهم وأسواقهم...وفي المقابل نهى الإسلام عن العزلة المطلقة، لأن الإنسان في حاجة إلى أخيه باستمرار. ومن يبرر اعتزال الناس بالأذى الذي يلحقه منهم، يحرم نفسه من الأجر العظيم الذي بشر به المصطفى صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي حث فيه على المخالطة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم إذا كان مخالطا للناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط ولا يصبر على أذاهم"(الترمذي) -6 التعاون على الخير مع الغير: التعاون مع الناس مبدأ قرآني ثابت، وأولى الناس بالتعاون الدعاة العاملون في حقل الدعوة ممن ليس في حركتنا، ثم الأقرب فالأقرب. بل إن هذا التعاون قد يصل إلى من ليسوا على الإسلام، لأن البر بهم والقسط إليهم ليس من الولاء المحرم.