الذي يتابع أداء بعض وسائل الإعلام منذ تشكيل حكومة الأستاذ عبد الإله بنكيران، لا يستغرب المدى الذي وصلت إليه في التشويش على هذه التجربة حتى قبل أن تبدأ، فبالأحرى اليوم الذي ذهبت بعض المنابر إلى حد اختلاق معطيات لا تمت إلى الواقع بصلة، وذلك بقصد التشكيك في استقرار الحالة السياسية. فقد تعرضت هذه التجربة حتى قبل أن تبدأ لحملة من الانتقادات، وصفت الحكومة بالتردد وضعف التجربة وغياب الرؤية والبرنامج السياسي والاقتصادي، وغيرها من التهم التي يفترض أن تتاح الفرصة الكافية للحكومة لاختبار مدى صحتها. وقد التحقت بهذه الحملة منابر أجنبية، لم تفرد التجربة المغربية لوحدها بهذه الانتقادات، بل عممت أحكامها على تجارب الحركات الإسلامية التي صعدت إلى الحكم في منطقة شمال إفريقيا تحديدا، من ذلك ما نشرته مجلة جون أفريك في أعدادها السابقة عن تونس والمغرب، بل إن بعضها أفرد التجربة المغربية بخصوصيتها، وحاول في ذلك تسليط الضوء على العلاقة بين المؤسسة الملكية ورئاسة الحكومة، موهما بوجود توتر أو قطيعة بين المؤسستين، عازيا سببه إلى أداء الإسلاميين في تدبير الحكم. من ذلك ما نشرته على وجه الخصوص مجلة إكسبريس الفرنسية. طبعا، لا تخلو تجربة حكومية من تعقب سياستها العمومية وتعريضها للمساءلة والانتقاد، وهذا في جوهره مفيد للتجربة مغني لها إن توفرت المصداقية في الجهة التي تمارسها، وحضرت النزاهة في توظيف المعطيات، وكان القصد من ذلك تقويم التجربة أو قياسها بالاستحقاقات الدستورية. فهذا بدون شك، لا يمكن أن يكون إلا خادما للنموذج الإصلاحي المغربي ، ومنبها للحكومة على أوجه القصور في أدائها، ودافعا لها إلى استدراك ما ينبغي استدراكه وإعادة ترتيب الأسبقيات وبناء الاستراتيجيات المطلوبة. المشكلة تبرز حين يتم التعاطي مع هذه الحكومة منذ البدء بمنطق الطعن في نواياها وكفاءتها وقدرتها على تحقيق الإصلاح، حتى وهي لم تباشر عملية سن السياسات العمومية، ويتم تحريف تصريحات لوزرائها وعدم الالتفات إلى توضيحاتهم، ومحاولة إيهام الرأي العام بصدورها عنهم، بقصد خلق حالة من الغضب الشعبي من مواقفهم، أو حين يتم تأول بعض التصريحات على غير المعاني التي قصد إليها أصحابها، وتجاهل التوضيحات التي بينت المقصود، لنفس الغرض، أو حين يتم اختلاق معطيات لا أساس لها من الصحة يتعلق بعضها بالوضعية الاقتصادية أو باستقرار الأغلبية الحكومية، أو باستقرار الحكومة بنفسها. يتفهم أن تمارس وسائل الإعلام دورها في الرقابة وفي نقد السياسات العمومية، ويتفهم أيضا أن تنبش عن مناطق الضعف والاختلالات في أداء الحكومة وتبرزها بما يمليه خطها التحريري، لكن ما لا يفهم حقيقة، هو أن يتم الانقلاب على قيم النزاهة والمصداقية بل وأحيانا حتى القواعد المهنية في التعاطي مع الحكومة، فتحمل مسؤولية الصعوبات والإكراهات الاقتصادية التي تحدق بالاقتصاد الوطني والتي كانت هذه الحكومة واضحة في كشف المعطيات إلى الرأي العام هذا في الوقت الذي حمل فيه بعض قادة المعارضة الحكومة السابقة المسؤولية عن إخفاء الأزمة وعدم الوضوح مع الرأي العام بخصوص تداعياتها، وتحمل الحكومة أيضا مسؤولية تداعيات الانكماش الاقتصادي في منطقة اليورو، ويطلب منها مع ذلك أن تبقى وفية لنسب النمو التي بشرت بها، وتتهم بالارتداد على مواقفها بخصوص الاقتراض الخارجي، مع علمها بأن هذه الحكومة تحملت الالتزامات التي تمت زمن الحراك الديمقراطي، مع ما يعني ذلك من تكليف ميزانية الدولة مبالغ منهكة. ليس المطلوب تجريد المعارضة من سلاحها، فدورها القوي يساهم في تقوية التجربة الإصلاحية وترشيدها، وليس المطلوب أيضا أن تكف وسائل الإعلام عن دورها كسلطة رابعة في متابعة السياسات العمومية وكشف الاختلالات وجوانب القصور فيها، فالمعول على هذا الدور ليس فقط لتقويم أداء الحكومة، ولكن أيضا لإسنادها ضد كل الإرادات التي تعاكس الإصلاح وتقاومه، لكن المطلوب أن يسيج هذا الأداء بضابط المصداقية والنزاهة والالتزام بقواعد وأخلاقيات المهنة، ذلك أن التجربة الإصلاحية التي يخوضها المغرب هي ملك لجميع المغاربة وليست حكرا على حزب أو تحالف، ومن حق الجميع أن يشارك فيها بمختلف المواقع و الأساليب، شرط أن يكون ذلك كله في خدمة تقوية أركان هذه التجربة وتحصينها من جيوب المقاومة التي تريد أن تستعيد المبادرة وتعيد المغرب إلى ما قبل الحراك الديمقراطي.