من خلال تتبعنا لمسألة وجود الألفاظ الأعجمية في النص القرآني، في كتب الأصول و اللغة والتفسير والكلام، نخلص إلى أن الاختلاف ليس حول عروبة النص، مادام صفاؤه وإعجازه جزءا أساسيا في العقيدة الإسلامية، وإنما دار جل النقاش حول حضور بعض الكلمات الأعجمية وتأثيرها في النسق العام الذي بنى الكلام الإلهي عليه إعجازه. فوجود ألفاظ فارسية أو سريانية أو عبرية أو يونانية أو حبشية أو غيرها مثل: أباريق، إبراهيم، استبرق، إنجيل، توراة، زنجبيل، سجيل، طاغوت، عدن، فرعون، فردوس، ماعون، مشكاة، ونحو ذلك من الكلمات ، لا يلغي النسق العام للنص. لذا حاول العديد من العلماء إثبات محافظة النص على صفائه بالرغم من وجود كلمات لا تنتمي في الأصل له، لكنها أصبحت جزءا منه بمجرد تعرضها للتغييرات الإعرابية والاشتقاقية التي تصيب عادة الكلام العربي. يقول الغزالي : "إذا اشتمل جميع القرآن على كلمتين أو ثلاث أصلها عجمي وقد استعملها العرب ووقعت في ألسنتهم لا يخرج القرآن عن كونه عربيا وعن إطلاق هذا الاسم عليه ولا يتمهد للعرب حجة، فإن الشعر الفارسي يسمى فارسيا وإن كانت فيه آحاد كلمات عربية إذا كانت تلك الكلمات متداولة في لسان الفرس فلا حاجة إلى هذا التكلف". وروى ابن فارس عن أبي عبيدة قوله :" وذلك أن هذه الحروف أصولها أعجمية ، كما قال الفقهاء، إلا أنها سقطت إلى العرب فأعربتها بألسنتها وحولتها عن ألفاظ العجم إلى ألفاظها فصارت عربية، ثم نزل القرآن وقد اختلطت هذه الحروف بكلام العرب"، ليجمع في الأخير بين الرأيين معا دون ترجيح كفة أحدهما على الآخر: " فمن قال: إنها عربية فهو صادق، ومن قال عجمية فهو صادق ". وتتضمن هذه المقارنة اعترافا ضمنيا بالطبيعة اللغوية للنص القرآني مادامت تشبه نصا أدبيا آخر في لغة أخرى هو الشعر الفارسي. وفي الحالتين معا يظل الوافد الجديد عنصرا داخل النسق اللغوي ما دام يأخذ طبيعته و تغيراته. وهكذا ، فإن العلماء الذين أثبتوا وجود الكلمات الأعجمية في القرآن لم يكونوا أقل دفاعا عن النقاء اللغوي للنص القرآني مادام الغرض الأسمى هو الحفاظ على النسق العام وفق مبدأ صوتي وصرفي يصوغه الشاطبي بقوله :"فإن العرب إذا تكلمت به صار من كلامها.ألا ترى أنها لا تدعه على لفظه الذي كان عليه عند العجم إلا إذا كانت حروفه في المخارج و الصفات كحروف العرب ،وهذا يقل وجوده، وعند ذلك يكون منسوبا إلى العرب. فأما إذا لم تكن حروفه كحروف العرب أو كان بعضها كذلك دون بعض فلابد لها من أن تردها إلى حروفها، ولا تقبلها على مطابقة حروف العجم أصل.ومن أوزان الكلم ما تتركه على حاله في كلام العجم ومنها ما تتصرف فيه بالتغيير كما تتصرف في كلامها وإذا فعلت ذلك صارت تلك الكلم مضمومة إلى كلامها كالألفاظ المرتجلة والأوزان المبتدأة لها". ومن ثم فالعلماء الذين نافحوا على اشتمال القرآن على بعض الكلمات الرومية والهندية والفارسية، مثل الشوكاني، يعتمدون على القول بأن كل جديد يأخذ مكانه الطبيعي كجزء من الكل، ولا يتعلق الأمر برأيين متعارضين يحلو للبعض، كما فعل نصر أبو زيد، ربطهما بالصراع الفكري بين العلماء ذوي الأصول العربية مثل الشافعي وذوي الأصول الفارسية مثل أبي حنيفة. بل إم المسألة مؤسسة على مبادئ رئيسة هي كانت حاضرة في أذهان الدارسين: 1 ضرورة التلاقح والتأثر والتأثير بين اللغات المختلفة، والعربية ليست استثناء في الأمر. 2 التعريب في كلام العرب، ظاهرة مقررة بما تعنيه: أن تصاغ اللفظة الأعجمية بالوزن العربي، فتصبح عربية بعد وضعها على وزان الألفاظ العربية، يقول سيبويه في هذا الصدد: "كل ما أرادوا أن يعربوه، ألحقوه ببناء كلامهم، كما يُلْحقون الحروف بالحروف العربية". لذا فاشتمال القرآن على أمثال هذه الكلمات، لا يخرجه عن كونه نزل }بلسان عربي مبين{. 3 التداخل بين اللغات المنتمية للعائلة الواحدة كما يوجد بين العربية والعبرية والفارسية، أو بين اللغات المتجاورة كما بين العربية والرومية، أمر واقع والنص القرآني أحد تجلياته. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: «الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصِنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» أخرجه البخاري في الحدود رقم 2766 ومسلم في الإيمان رقم 145. عن أَنَس بْنُ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ، وَيَثْبُتَ الْجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا» أخرجه البخاري في العلم رقم 80 ومسلم في العلم رقم 2671. عن زَيْنَبَ بِنْت جَحْشٍ زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَزِعًا مُحْمَرًّا وَجْهُهُ، يَقُولُ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ» وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ، وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: «نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ» أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء رقم 3346 ومسلم في الفتن وأشراط الساعة رقم 2880. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا، قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا» أخرجه مسلم في اللباس والزينة رقم 2128 ومالك في الموطأ كتاب اللباس وزاد: " وَرِيحُهَا يُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ خَمْسِمِائَةِ سَنَةٍ". عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ، قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ، لاَ تَسْأَلِ الإِمَارَةَ، فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا» أخرجه البخاري في الأحكام رقم 7146 ومسلم في الإمارة رقم 1652. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، فَرَأَيْتُ رَجُلًا آدَمَ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ، لَهُ لِمَّةٌ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ مِنَ اللِّمَمِ قَدْ رَجَّلَهَا، فَهِيَ تَقْطُرُ مَاءً مُتَّكِئًا عَلَى رَجُلَيْنِ أَوْ عَلَى عَوَاتِقِ رَجُلَيْنِ، يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، فَسَأَلْتُ مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، ثُمَّ إِذَا أَنَا بِرَجُلٍ جَعْدٍ قَطَطٍ أَعْوَرِ الْعَيْنِ الْيُمْنَى، كَأَنَّهَا عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ، فَسَأَلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقِيلَ لِي هَذَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ " أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء رقم 3440 ومسلم في الإيمان رقم 169 ومالك في الموطأ كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم.