قالت مصادر على صلة بالتحقيقات بشأن عملية جانت بالجزائر التي استهدفت طائرة عسكرية كانت رابضة بالمطار، إلى أن عدد المعتدين يصل إلى 16 إرهابيا، تنقلوا إلى المنطقة على متن سيارتين رباعيتي الدفع من نوع تويوتا ستايشن. وأوضحت أن التحري في هوياتهم أثبت أنهم من جماعات التهريب النشطة في الصحراء الكبرى، وأن معظمهم انسحب إلى شمال النيجر وتحديدا إلى منطقة يتخذونها قاعدة خلفية.وقدرت المصادر قيام هؤلاء الإرهابيين بالعملية على سبيل تأكيد حلف قوي بين أفراد الجماعة السلفية للدعوة والقتال ومجموعات تهريب السجائر وشبكات المتاجرة بالأسلحة والمتخصصة في تأمين الطرق للأفارقة المهاجرين غير الشرعيين. وأضافت المصادر أن الاتفاق الذي جرى بين الطرفين، يقضي بتأمين نشاط التهريب لفائدة جماعات المتاجرين بالأسلحة والمخدرات على أيدي عناصر الجماعة السلفية، في مقابل استفادة التنظيم الإرهابي من مصدر أموال هام وربط صلات مع الجماعات المسلحة المعارضة لأنظمة الحكم في دول الساحل خاصة النيجر والتشاد.وقد تجسد هذا التحالف، حسب المصادر، في نشاطات جرت بولايتي إليزي وتمنراست الجزائريتين، بعد التضييق الذي تعرضت له الجماعة السلفية وشبكات التهريب على حد سواء، على طول الشريط الحدودي بين الجزائر والنيجر، والذي تمكنت على مستواه مصالح الأمن الجزائرية المشتركة من إحباط العديد من محاولات إدخال أسلحة ومتفجرات. وهو ما انعكس إيجابا بالنسبة لسكان المناطق الصحراوية، حيث وقع عناصر التهريب في العديد من المرات في قبضة مصالح الأمن، في كمائن نصبت للإيقاع بشبكات تهريب الأسلحة انطلاقا من شمال النيجر باتجاه الجزائر عبر جانت ثم شمال البلاد بعد ذلك. كما أن التنسيق الأمني الليبي الجزائري حول تأمين الشريط الحدودي المشترك بين البلدين في الجنوب، أثمر هو الآخر، حيث سد المنافذ الوحيدة التي تبقت، وبفضل ذلك تراجع نشاط جماعات التهريب والإرهاب على حد سواء.وبعد أن وجدت شبكات التهريب نفسها تحت التضييق المفروض على الجماعات الإرهابية التي تتزود بالأسلحة والذخيرة انطلاقا من النيجر، أصبحت مجبرة على أن تتحالف لفتح متنفس لها وإرباك مصالح الأمن بالمنطقة التي لم تعرف يوما ما عمليات استعراضية بهذا الحجم.وتفيد توقعات الأمن بأن كمية الأسلحة المسترجعة بعد انسحاب الإرهابيين بعد الاعتداء على المطار، تمثل جزءا قليلا من شحنة سلاح دخلت عبر الحدود. وشهدت مسالك حدودية كثيرة معارك خفية بين أجهزة الأمن والجماعات الإرهابية، بشأن شحنات أسلحة أقام رجال الأمن كمائن لإحباطها، فتمكنوا أحيانا من حجز كميات وفشلوا في أحيان أخرى بسبب تفطن الإرهابيين للخطة.وترى مصادر مطلعة على تطورات العمل الإرهابي في الصحراء، أن عملية جانت تحمل رسالتين أساسيتين؛ الأولى محاولة التأكيد على أن العمل المسلح في الصحراء ما زال قائما، وأن توقف مختار بلمختار عن الإرهاب لا يعني التوقيع على شهادة وفاة الجماعة السلفية في الصحراء. والرسالة الثانية موجهة إلى بلمختار نفسه، بحيث تهدف عملية جانت إلى إضعافه في معادلة التفاوض الجارية بينه وبين أجهزة الأمن الجزائرية منذ شهور طويلة.وقالت ذات المصادر إن العملية الأخيرة التي نجا منها بلمختار أسفرت عن مقتل 4 من أفراد جماعته، وتلاحق القوات الأمريكية الموجودة في شمال مالي ودول الساحل فلول الجماعة السلفية، معتمدة على معلومات دقيقة قدمها لها جزائريون وتجار سلاح بالمنطقة.ونقلت المصادر أن المخابرات الأمريكية حصلت على معلومات دقيقة من تائبين جزائريين، حول هيكلة الجماعة السلفية للدعوة والقتال التي غيرت اسمها إلى ''قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي'' ومشاريعها في دول الساحل الإفريقي. وساهمت هذه المعلومات، التي جمعها الأمريكيون من متعاونيهم من شبكات تهريب السلاح، ومن خلال التنصت على الهواتف النقالة من نوع ''ثريا''، في اعتقال عبد الرزاق البارا، الرقم الثاني في الجماعة السلفية، في سنة 2004، بالإضافة لاستهداف بلمختار عدة مرات من خلال كمائن شرع في نصبها بداية من فبراير 2004، تم إثرها قصف طائرات حربية أمريكية، مخيما للبدو الرحل في ضواحي مدينة ''فاو'' بدولة مالي، بناء على معلومات قدمها عضو سابق في جماعة بلمختار.وأكدت المصادر المطلعة على ملف بلمختار، أن المخابرات الأمريكية لم تكتف بالمعلومات التي حصلت عليها من متعاونين جزائريين وأفارقة حول نشاط الجماعة السلفية وتنظيم القاعدة، فقد نصبت قواعد تنصت في منطقة ''تاودني'' بشمال مالي لرصد تحركات الجماعة السلفية، كما اخترقت شبكات تهريب الأسلحة وغيرها من العصابات التي وضعت في مواجهة القاعدة. كما اقترب الأمريكيون في عدة مرات من رأس بلمختار دون أن يتمكنوا من القبض عليه أو قتله. وأثمرت المعلومات التي أفضت إلى اعتقال عبد الرزاق البارا، في مارس سنة 2004، إلى تحديد موقعه مع أكثر من 45 عنصرا في جماعته الإرهابية. ونسق الأمريكيون في الوقت ذاته مع الجيش التشادي وحركة الديمقراطية والعدالة في التشاد. وبعد أن تمكن عبد الرزاق البارا وجماعته من الإفلات من قبضة الجيش التشادي، وبعد أن تاه في الصحراء، وقع في أسر متمردي حركة الديمقراطية والعدالة. وعرف عن البارا أنه استغل الفدية الألمانية المقدرة ب5 ملايين أورو لشراء أسلحة حربية ، عبر عميل قدم له كتاجر سلاح، وقد بلع الإرهابي البارا الطعم الأمريكي، واتفق على أن موقع التسليم هو منطقة تقع على الحدود النيجرية التشادية، وكان كل شيء مهيأ سلفا للإرهابي الذي وقع في مصيدة نصبت له بالتعاون بين دليل خبير بالمسالك الصحراوية، كان في الواقع متعاونا مع الأمريكيين الذين تنصتوا على كل اتصالات البارا الهاتفية، قبل اعتقاله ب''الوكالة'' من طرف حركة الديمقراطية والعدالة التشادية. وحاول الأمريكيون قبل تاريخ اعتقال البارا في مارس 2004 القضاء على بلمختار وجماعته، ولكنهم فشلوا في ذلك عندما قصفت طائرة أمريكية في فبراير 2004 مخيما للبدو، تردد عليه بلمختار عدة مرات بضواحي مدينة ''فاو'' بمالي، بناء على معلومات حصلت عليها وكالة الاستخبارات الأمريكية ''السي آي إي'' تفيد بأن الإرهابي بلمختار كان موجودا هناك، واتضح فيما بعد بأنه لم يكن موجودا بل كان بدله شخص آخر من المنيعة يدعى ''أبو الفتوح'' كان يجري التفاوض معه لتسليم نفسه للسلطات الجزائرية، في إطار تدابير السلم والوئام المدني.ويستغل الأمريكيون حاجة الجماعة السلفية الجزائرية للسلاح، في البحث عن المزيد من المعلومات التي تساعد في القضاء على تواجد هذه الجماعة بإفريقيا. وقد باتت منطقة الساحل مجالا مفتوحا لتواجد مخابرات عدة دول تستثمر في حالة الفوضى والفراغ الموجود في هذه الجهة الصحراوية. كما استفيد بأن جماعات التهريب في الدول الإفريقية تتعامل مع تجار سلاح إسرائيليين معروفين بنشاطهم في إفريقيا. والغريب هو كون أغلب الأسلحة الإسرائيلية التي وصلت إلى الجماعة السلفية للدعوة القتال، عبر الحدود الجنوبية للجزائر، كانت في الأصل موجهة إلى دارفور بالسودان، ومنها وصلت إلى مهربي السلاح في مالي وموريتانيا، قبل بيعها لوسطاء يتعاملون مع إرهابيي الجماعة السلفية.كما علم بأن هذه الأسلحة الإسرائيلية هربت إلى دارفور عبر الأردن، وقد سبق أن تمكنت المصالح الأمنية الأردنية من بسط يدها على كميات من الأسلحة الإسرائيلية كانت في طور التهريب إلى دارفور بالسودان. وقد سبق أن وجهت العدالة الإسرائيلية تهم تهريب أسلحة إلى دارفور بالسودان عبر الأردن، لرجل الأعمال المعروف باسم ''عاموس جولان''.