تقارير إخبارية كم هو غريب أمرالمسؤولين المحليين مهما تغيرت وجوههم وألوانهم، لأنهم عودونا عدم الكشف عن الوجه الحقيقي لسياستهم المتعلقة بتدبير الشأن المحلي خصوصا حينما يعمدون عن سبق إصرار وترصد إلى طمس الحقائق، والتحايل على السكان و إظهار عكس ما يبطنون في سياق تعاطيهم السلبي مع قضايا الشأن المحلي والانشغالات الحيوية للسكان، ويمكن الكشف عن ذلك السلوك من خلال استحضار مثال حي يقطع نياط القلوب ويستفز مشاعر كل إنسان غيور في هذا البلد وغيره، ويتعلق الأمر بمنتزه سور المعكازين المسمى بساحة فارو المتواجد في قلب حي البولفار بطنجة، وذلك أن إرادة مسؤولي طنجة خلال عقدين ونصف من الزمن قد عملوا بكل مكر من أجل تنفيذ خطة الالتفاف على هذا الموقع، وضرب كيانه والقضاء عليه، ومحو ذاكرته التاريخية، وذلك من خلال تعمد إهماله، وعدم صيانته، بل والسماح بمد اليد على شطر منه لفائدة شركة رستينتيكا صاحبة الرسم العقاري، التي قامت بتسييج جزء من الحديقة وتحويله إلى ملك مغلق في وجه العموم، علما أن العقار المذكور يوجد في حيازة المجلس البلدي لطنجة منذ عهد الإدارة الدولية بموجب عقد كراء درهم رمزي، تم توقيعه مع ريستينتكا الأم وهي شركة إنجليزية متخصصة في إدارة أنشطة العقار والسياحة، حيث كانت تمتلك فندق المنزه الشهير، وفندق فيلا دي فرانس، وهو ما جعل تلك الشركة عبر تاريخها الطويل تولي الأهمية للتراث، وللمواقع الطبيعية ومنها سور المعكازين، وكذلك فندق الشجرة، وعدة مباني تاريخية ، و منتزه مصلى كاردن، الذي لا زال يأوي إلى الآن ملعبا لكرة المضرب، بالرغم من المؤامرات التي تم تحريكها من أجل تحويل الموقع إلى منطقة لبناء العمارات الضخمة. ولم يسجل عن الشركة قبل تحولها إلى الملاكين الجدد ذوي الجنسية العربية أن غيرت رأيها حول الثوابت البيئية والقيم المعمارية الحضارية أو طالبت بانزاع عقار أو ملك من أملاكها بهدف طرح مشاريع المضاربة وإقامة العمارات ومشاريع للاستثمار على المقاس. ولم يسبق للشركة الأم على مدى قرابة قرن أن تجرأت على طلب فسخ عقود الكراء الخاصة بممتلكات سور المعكازين، ولا المدرسة الناصرية، ولا المصلى كاردن، ولا مقر المكتبة العامة ...واستمر الوضع على حاله إلى حين حضور الشركة في حلتها الجديدة المسكونة بروح الأنفة العربية، إذ ما فتئت تتربص بكل المواقع المشار إليها من أجل تغيير نسيجها المعماري، ولم تنفع كل المخططات التي وضعتها الوكالة الحضرية من أجل حماية التراث العمراني وإعادة الاعتبار لبعض المباني التاريخية التابعة لأملاك هذه الشركة بما فيها مبنى فندق فيلا دي فرانس الذي تم ترتيبه بطلب من وزيرالثقافة وبقرار من مجلس الجماعة الحضرية بطنجة بعد إجراء بحث علني في الموضوع سنة 2004 والذي أصبح بدوره معرضا للإهمال والتخريب المتعمد من أجل الدفع به نحو الانهيار والتلاشي. ويعود المخطط إلى بداية التسعينات، حينما تم إدراج نقطة في جدول إحدى دورات مجلس بلدية طنجة المدينة تتعلق بالمصادقة على منح ترخيص بالبناء وإقامة مشاريع العمارات فوق أرضية ثلاث مناطق خضراء بموجب تدخلات مشبوهة و مخدومة، استعملت فيها كل الوسائل الدنيئة من أجل السطو على هذه المناطق، وقد شمل المخطط ثلاثة مواقع حساسة داخل المدينة، وهي المصلى كاردن، وساحة فارو، وساحة المدينة المجاورة للمدرسة الفرنسية بيرشي تحت ذريعة تشجيع الاستثمار، إلا أن هذا المشروع قد قوبل بالرفض من لدن أقلية أعضاء المجلس الذين قاوموا كل أساليب الإغراء وعبروا عن احتجاجهم الصارخ، انسجاما مع الموقف الرافض الذي عبرت عنه بعض فعاليات المجتمع المدني في حينه، وبالرغم من انتزاع التصويت بالمصادقة على مشاريع "الفضيحة" ضدا على إرادة السكان ومقتضيات تصاميم التنطيق والتهيئة التي كانت تنص على اعتبار تلك المواقع مناطق خضراء، فإنه قد تعذر تطبيقه في حينه، وظل معلقا إلى حين تغيير وتكييف وثائق التعمير سنتة 2002 من أجل إضفاء المشروعية على المخطط مستقبلا، وفرض سلطة القانون وكسر شوكة كل معارضة لأن الملك تابع لأصحابه، ولكون أن المجلس لم يمارس حقه في الاقتناء داخل الأجل القانوني المحدد في عشر سنوات. نفس المخطط سيظل قائما في عهد تجربة وحدة المدينة، إذ سيظل منتزه سورالمعكازين خاضعا للتهديد ، لأنه سيلتزم موقف المتفرج على مؤامرة احتلال جزء من الحديقة وإغلاق المرحاض العمومي في وجه المواطنين، كما سيمتد الإهمال إلى كل جنبات الموقع الممتد على مساحة 6800 م/2 الذي تحول إلى أرض جرداء، ومطرح للنفايات، وملجأ للمشردين والمتسكعين، ونقطة سوداء يتجمع عندها اللصوص والمنحرفون الذين يشنون الهجمات على المواطنين في واضحة النهار. والأسوأ من ذلك انه سيتم تجاهل الموقع عند قيام المجلس باتخاذ قرارانتقائي يقضي بإدخال تعديل جزئي على تصميم التهيئة الخاص بقطاع وسط المدينة في نهاية سنة 2006 وذلك بعد عرضه لمخطط تصميم يتضمن تحرير بعض الفضاءات العمومية منها ساحة المدينة، ومحيط مسجد محمد الخامس، وموقعين بشارع فاس. وقد أتيح لرابطة الدفاع خلال مرحلة البحث العلني تقديم تعرضات بشأن عدة مواقع تم السكون عنها وتجاهلها في التصميم ومنها ساحة فاروا ومواقع أخرى داخل محيط حي البولفار، كما كان للجنة التعمير رأي مطابق إذ أوصت في تقريرها المصادق عليه من طرف مجلس الجماعة الحضرية بضرورة التنصيص على ساحة فارو كمنطقة خضراء. وإذا كان الحظ قد حالف مطالب الساكنة في تحرير مواقع هامة، فإنه ولأسباب مجهولة تم إجهاض حلمهم الذي كان ينشد تحرير فضاءات أخرى منها سور المعكازين وغابة الرميلات.. وسيتمر الإصرار على هذا الموقف التنكري مع نزول ترسانة المشاريع الخاصة بتأهيل المدينة تحت الإشراف المباشر لولاية طنجة، لأنه سيتم إسقاط حديقة ساحة فارو من كل المشاريع المقررة على صعيد مدينة طنجة، علما أن الاعتمادات المرصودة لهذا الجانب قد تجاوزت 20 مليار سنتيم سنة 2005 و70.5 مليار سنتيم عن الفترة الممتدة من 2006 إلى 2009 خصص منها قرابة 10 ملايير سنتيم من أجل تهيئة المناطق الخضراء، وسيكتفى بالقيام ببعض الرتوشات التمويهية كان آخرها إسقاط النصب التذكاري لتوقيع اتفاقية التوأمة بين طنجة وفارو البرتغالية سنة 1987 والقيام ببعض الأشغال المغشوشة والغير المكتملة فوق الواجهة الخلفية للحديقة. واستنادا إلى الحسابات الإدارية لكل من المجلس الإقليمي لعمالة طنجة تطوان، ومقاطعة المدينة، يمكن الوقوف على حالات من الإنفاقات المتعددة الموجهة للمناطق الخضراء والتي يغيب فيها كليا حضور ساحة فارو المنسية ، باستثناء ما سجل عن مجلس مقاطعة المدينة في دورته العادية لشهر يونيو 2005 حينما طرح موضع ساحة فارو كنقطة جوهرية في جدول أعماله بناء على توفر مشروع لإعادة هيكلتها في إطار الشراكة مع إحدى الجمعيات الإسبانية، وقد حظي المشروع بالقبول والتنويه بحضور رئيس الجماعة الحضرية الذي " اعتبر أن مشروع هيكلة ساحة فارو من الأعمال الجيدة التي يجب أن تولى كامل العناية باعتبارها تمثل وجه المدينة وتستقطب يوميا عددا هائلا من الزوار معبرا عن استعداده للتعاون مع المقاطعة ومع جميع الفاعلين بغية تحقيق هذا الإنجاز.." في حين استحضر رئيس المقاطعة الصعوبات المطروحة بسبب السياج الحديدي المقام على جزء من الحديقة " موضحا أن شركة ريستنتيكا كانت قد تقدمت بطلب ترخيص بإقامة مقهى على الطرف المسيج إلا أن طلبها قد رفض نظرا لمكانة الحديقة وما تتمتع به من إشعاع عالمي" وأكد قيامه بإجراء اتصال مباشر مع مسؤول الشركة بالمدينة من أجل إطلاعها على رغبة المجلس في إيجاد حل سريع لهذه المنطقة، كما حمله مسؤولية تبليغ وجهة نظر الإدارة لأصحاب الشركة الفعليين بلندن وذلك حتى تتمكن المقاطعة من إعادة تشغيل المراحيض المتواجدة بالقطعة المذكورة وحتى يتم التغلب على التلوث الذي تعاني منه الحديقة جراءافتقارها لخدمات المرحاض العمومي.." إلا أن الرياح ستجري بما لا تشتهيه السفن، لأن اختيار الشركة ظل هو الرفض والتحصن بالموقع، إلى حين حلول الفرصة السانحة من أجل الانقضاض على المنتزه ككل، وإقامة حلمها الكبيرالممثل في إنجاز عمارة مثقوبة تطل على البحر، وهو ما حال دون تنفيذ المشروع الذي أعدته المقاطعة. ويوما بعد يوم سيتأكد بالملموس عبر سلسلة من الإنفاقات المشار إليها أن ساحة فارو قد أصبحت في حكم المسكوت عنه الذي لا يدخل ضمن اهتمامات المسؤولين. واحترازا من الوقوع في المحظور، والوصول إلى نقطة اللارجعة ، ظلت رابطة الدفاع عن حقوق المستهلكين تذكر بأحقية هذا الإرث التاريخي في البقاء والاستمرار، وقد دعت الجهات المسؤولة أكثر من مرة لتحمل المسؤولية باتخاذ القرار النهائي من أجل رفع اللبس المحيط بهذا الملف، والحسم في موضوع شرعية التملك باعتبار أن المكان مرتب كموقع تاريخي فريد منذ سنة 1947 ، احتفظت به مجالس طنجة في صورة ملك عمومي لفائدة المصلحة العامة بحكم توفره على عقد كراء قانوني مع الشركة صاحبة الملك منذ عهد الإدارة الدولية. وقد كان هذا الموضوع محور محادثات جرت بين مكتب الرابطة والسيد محمد حصاد والي جهة طنجة تطوان في شهر شتنبر 2004 حيث تم تذكيره بأهمية الموقع ورمزيته بالنسبة لسكان طنجة ولكل المغاربة، كما تم توسله من أجل اتخاذ ما يلزم من التدابير من أجل حمايته باعتباره إرثا شرعيا للمدينة لم يتم اقتناؤه عن طريق الشراء ، لكنه ظل معززا بعقد كراء رمزي ومؤيدا بقرار ترتيب قانوني صادر عن الإدارة الدولية. فتساءل بدوره عن الوضع القانوني لذلك الموقع وعن مآل وثيقة عقد الكراء التي اختفت من أرشيف الإدارة ولم يعد لها وجود فعلي كما قيل له، وفي مقابل مطالبة الرابطة بإصدار قرار بنزع الملكية ، وتخصيص تعويض لفائدة أصحاب الملك إما نقدا أو عن طريق تعويضهم بأراضي تابعة لأملاك الدولة من أجل إنهاء المشكل، أو فتح حساب خصوصي مفتوح يساهم فيه الجميع من أجل شراء الموقع، اقتصر جواب الوالي على طمأنة مكتب الرابطة وتقديم وعد بعدم المس بهذا الموقع في عهد ولايته، وهو ما اعتبر في حينه جوابا غير مقنع ولا ناجع. وهكذا عمل المسؤولون على محاولة المس بالذاكرة التاريخية الإنسانية لذلك الموقع الذي يعد القلب النابض لمدينة البوغاز والعين التي بها ترى وتتطلع إلى الآفاق، وذلك من خلال استغفال سكان طنجة واستبلادهم استنادا إلى كونهم سريعي النسيان وقابلين للتدجين والتنازل عن كل ما له علاقة بالشأن العام والحق الجماعي وتجدر الإشارة إلى أن ترتيب الموقع قد تم بقرار من المجلس التشريعي لمدينة طنجة بتاريخ 30 يوليوز 1947 الذي يشمل تغطية واجهة حي البولفار في اتجاه المضيق. وذلك استنادا إلى الظهيرالمنظم لإدارة منطقة طنجة الدولية المؤرخ في 16 فبراير 1924، وحسب الفصل 13 من ظهير 15 ماي 1925 الخاص بحماية المباني والمواقع التاريخية. واستنادا إلى البحث العلني الذي تم في 3 مارس 1947 الصادر بالجريدة الرسمية 316 . فهل يعقل أن يتخذ هذا القرار في غياب وثائق ومستندات تحدد الوضعية القانونية للملك العقاري المراد ترتيبه؟ فبعد هذا السرد التاريخي ، هل بقي مجال للشك بأن ساحة فارو قد دخلت مرحلة العد العكسي، وأن ساعة الاحتضار قد حلت ما لم يتنبه الرأي العام المحلي لهذا الخطر الداهم، وما لم تتخذ المبادرات الفاعلة والمسؤولة من أجل صد الهجوم، وتحرير الموقع بكيفية قانونية. وهو ما يفرض على المسؤولين تحريك مسطرة نزع الملكية وتوفير التعويض المالي لإتمام عملية الاقتناء النهائي دون مواربة أو تحايل، كما يوجب على المجتمع الطنجي طرح مبادرات محرجة في اتجاه انتزاع تملك واقتناء تلك البقعة من أجل فويت الفرصة على المتربصين. وفي السياق ذاته، وبنفس الشعور المفعم بالأمل ننبه المسؤولين إلى أن هذا الموقع سيظل يشكل خطا أحمر بالنسبة لساكنة طنجة، لا يمكن تجاوزه بأي شكل من الأشكال، وإن تكريس الوضع القائم يعتبر مظلمة وجريمة بيئية تلزم بالتحرك في كل الاتجاهات من أجل فرض احترام حق تاريخي لطنجة ومحبيها في كل زمان ومكان. وفي انتظار الاستجابة لهذا المطلب، وتحريك الضمير المستتر الذي يعمل على طمس معالم هذا الملف المثقل برواسب الجمود والمؤامرة، يمكن طرح السؤال بشأن عدم سريان مفعول قرار الترتيب المشار إليه بخصوص تصنيف موقع ساحة فارو ومواقع أخرى تاريخية ، فهل الأمر يتعلق بجهل بالقانون، أو أنه يرتبط بانتفاء شرعية القوانين والظهائر المعتمدة في تصنيفه لكونها تعود إلى فترة الاستعمار؟. كل ذلك يطرح أشكالا قانونيا بالنسبة لساكنة ما يعرف بالمنطقة الخليفية ككل، إذ كيف يتم إبطال العمل بمقتضى ظهائر المنطقة الخليفية في الوقت الذي يستمر العمل بموجب كل الظهائر والمراسيم الصادرة عن الإدارة الفرنسية منذ 1912 حيث لا زالت ترسانة قوانين عهد الحماية تشكل المستند والمرجعية الأساسية لمعظم القوانين الصادرة في عهد الاستقلال؟ والسؤال الآخر الذي له طابع أخلاقي قيمي، يرتبط بمآل عقد التوأمة بين طنجة ومدينة فارو البرتغالية، فكما سميت ساحة فارو هنا ، عينت هناك على الضفة الأخرى ساحة طنجة ليظل الموقعان شاهدين على اللقاء التاريخي بين بلدين أخويين، فهل لأهل فارو نفس الاختيار في التعامل ؟ وماذا سيكون رد الفعل حين العلم بقبر أحد التوأمين ونفض اليد من كل ما له علاقة بمد جسور التواصل والتعارف مع الغير في المستقبل؟ المكتب