صباح يوم الاثنين 11 يونيو، اتصل بنا عبد الحميد بوزلماط، شقيق عمر بوزلماط، الذي كان موضوع ملف العدد السابق لأسبوعية "المشعل"، تحت عنوان "دركي مغربي يعلن اكتشاف أكبر حقل للبترول في العالم بالمغرب".. كان الاتصال من الديار الفرنسية، وبالضبط من مدينة "أووليان".. كان كلامه مرتبكا وهو يسألنا هل نعلم شيئا عن مآل شقيقه الذي اختفى أثره منذ يوم الخميس الماضي؟.. كان يريد معرفة هل لدينا معلومات بخصوص مكان تواجد شقيقه، وهل اتصل بنا مؤخرا؟ لاسيما وأنه اتصل بمقر عمله بالرشيدية لكنهم لم يخبروه بأي شيء.. ثم اتصل بالقيادة العامة للدرك الملكي بالرباط ولم يتوصل لأية نتيجة.. واتصل بجهات أخرى.. وقيل له إن شقيقه يرقد بالمستشفى العسكري نظرا لوعكة صحية أصابته.. وعندما اتصل بإدارة المستشفى.. أكد له المتحدث معه بأنه لا وجود لاسم عمر بوزلماط في السجلات الرسمية للمستشفى العسكري.. هذا ما أدلى به عبر الهاتف عبد الحميد بوزلماط والقلق باد من خلال صوته المرتبك...كانت مفاجأتنا كبيرة عندما علمنا كذلك أن عائلته بالريف قلقة على مصير ابنها ولا علم لها بمكان تواجده منذ الخميس الفارط وكذلك الشأن بخصوص شقيقيه، الدركي والأستاذ، واحد منهما مستقر بمدينة بنسليمان والآخر بمدينة بني ملال. إن آخر مرة رأينا فيها عمر بوزلماط كانت يوم السبت الماضي، حيث زارنا بمقر الجريدة، تحدثنا معه طويلا والتقطنا له صورا.. وآخر مكالمتنا معه كانت يوم الخميس صباحا وكان فرحا، إذ سألنا عن صدور جريدة "المشعل"، حيث لم تكن قد وصلت بعد إلى الرشيدية، وسبب مكالمته هو أنه أخبرنا بأن طائرة عمودية قد حضرت إلى الرشيدية لإقالته إلى الرباط لمقابلة أحد المسؤولين الكبار بخصوص ما نشر.. كان فرحا وأخبرنا بذلك لإشراكنا في فرحته ووعدنا أنه سيخبرنا بمآل المقابلة لاسيما وأنه سبق له أن أرسل ملفا في الموضوع إلى عدة جهات مسؤولة ولم يتلق أي جواب.. وخلال يوم الجمعة والسبت المواليين حاولنا الاتصال به عبر رقمه الخاص لكن لا أحد رد علينا سوى رنات العلبة الصوتية، وظل الحال على ما هو عليه إلى حدود يوم الاثنين، كلما أردنا الاتصال به صادفتنا العلبة الصوتية.المهم غاب عمر بوزلماط عن الأنظار منذ يوم الخميس وإلى حدود إقفال هذا العدد من جريدتنا، حيث لم نتوصل بأية معلومة جديدة بصدده، لا عن طريق عائلته ولا عن طريق جهة أخرى.في مغرب 2007 اختفى دركي بقدرة قادر دون أن يعرف عنه أقاربه أي شيء.. ففي أي مغرب نعيش؟كان الأمس مليئا بالأخطاء والألم، وقلنا إنه الأمس وعلينا طيه بما فيه.. لنهتم باليوم والغد.. لكن شريطة أن لا نتسامح، ولو قيد أنملة، بخصوص تكرار ما حدث بالأمس، ليس فقط في مجال حقوق الإنسان والمواطنة، وإنما كذلك بخصوص التجاوزات والجرائم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتفويت الفرص والتلاعب بآمال الشعب، وانتظاراته، لاسيما فئاته الشابة التي أصبح يسكنها الآن اليأس والإحباط...قلنا هذا وأكثر منه، ومع ذلك اختفى عمر بوزلماط وأهله قلقون بشأنه!؟ ألم نستسغ بعد دروس الأمس القريب؟ فكيف والحالة هاته، اختفاء دركي وتصاعد تداعيات مسلسل محاكمات المس بالمقدسات وأصحاب رسالة إلى التاريخ و...و ..، نمضي من اليوم إلى الغد.. غد أفضل.. هل فعلا نحاول ترتيب أوراق اليوم ونصنع غدا خال من أخطاء الأمس؟لازلنا نشعر الآن أن أمامنا المستقبل. الحلم والانتظارات.. الانتظارات لفها القائمون على الأمور ووضعوها في الرفوف منذ نهاية صفقة إيكس ليبان سنة 1956 والتي باعوا فيها واشتروا باسم الشعب لتهييء غد أفضل، بعيدا عن طموحات المغاربة.. الآن بعد مرور نصف قرن لا زالت أوسع فئات شعب هذا البلد السعيد تحلم بتخليص الأبناء من لسعات الفقر والحرمان.. من باعوا واشتروا وتواطؤوا في إيكس ليبان، عاش أطفالهم في النعيم ودرسوا في الخارج واحتلوا أهم المناصب ومركزوا أكبر الثروات، وظل أبناء الشعب في الفقر الدائم والحرمان المستدام، ولم يجن هؤلاء بدورهم، مثل آبائهم، إلا اليأس والإحباط، وها هم اليوم قد انسدت الأبواب في وجوههم.. يحلمون بأبسط من البسيط، موقع تحت شمس وطنهم للعيش بكرامة وبيت لائق للسكن ومعاملتهم كمواطنين، فمنذ 1956 ظل الأغنياء هم الأغنياء، بل ازدادوا غنى، وظل الفقراء يزدادون فقرا، وبينهما مشاريع فقراء جدد، فظلت حفنة من المغاربة، أغلبهم تعاون آباؤهم مع الاستعمار وتواطؤوا معه، هي التي تمركز حصة الأسد من الثروات الوطنية، وعلى امتداد 50 سنة كونوا ثرواتهم على حساب حرمان الأغلبية الساحقة من أبسط طموحاتها، ولا زالت تنتظر إلى حد الآن.. فماذا فعلنا اليوم حتى لا يبقى الشعب ينتظر؟في العهد الجديد نطقت الأفواه المكممة بالأمس، لكن الواقع المعيش زاد ترديا والأفق زاد انسدادا والإحباط واليأس زاد انتشارا.في العهد الجديد كثر الحديث عن الحكامة والحكم الرشيدة، لكن الفساد ظل منتشرا، وظل الغني يزداد غنى على حساب المزيد من تفقير الفقير، فهذا واقع نعاينه يوميا.في العهد الجديد تم الإقرار بحدوث انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وللدوس على الكرامة، ولا زال جملة من مقترفيها، العسكريين والمدنيين، على كراسيهم الدوارة، لهذا كان من الممكن أن يختفي عمر بوزلماط دون أن تعرف عنه عائلته شيئا.في العهد الجديد، اتسعت فضاءات حرية التعبير، لكن ظهر أن العقلية القديمة لا زالت قائمة ولا زالت تدفع إلى خلق المعارضة الجذرية، ولعل ما حدث في محاكمة بني ملال وغيرها غني عن التعريف.فنحن الآن بصدد معاينة دفع مواطنين ليصبحوا معارضين جذريين، رغما عنهم وهم مدفوعون لذلك دفعا، معارضين يحاكمون عن آرائهم وأفكارهم، أراد من أراد وكره من كره.وإن استمرت هذه العقلية سنعاين لا محالة إعادة إنتاج معارضين "جذريين" للنظام، جراء جملة من الممارسات كان من الممكن تلافيها، وهذه حقيقة وجب الانتباه إليها حتى لا نعيد تكرار التاريخ الذي لا زلنا نكابد من أجل طي صفحاته.من الملاحظ في بداية العهد الجديد رفع شعارات كبيرة صفق لها الجميع، لكن سرعان ما ولجت بلادنا السعيدة في مسلسل للتراجعات المتتالية، وصلت إلى وضع أسوأ مما تم تحقيقه في السنتين الأخيرتين لعهد الملك الراحل الحسن الثاني، وأضحينا نعاين شبه تطابق مع ما سبق وأن حدث ببلادنا السعيدة، بدءا من نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات، انفراج وحريات وتفكير في ترسيخ طموحات العدالة الاجتماعية والاستفادة من نتائج التنمية، لكن سرعان ما تلاها مسلسل الاحتجاجات العنيفة والقمع وتوسيع دائرة الاعتقالات واستشراء الفساد، وإذا كانت البداية بشعارات رائدة ظلت حبرا على ورق فقد عوضتها ممارسة تناقضها، بالتمام والكمال، أدخلت البلاد في غياهب مرحلة سنوات الجمر والرصاص الطويلة، التي حكمت على المغرب بالتفريط في الكثير من مواعده مع التاريخ، فهل التاريخ بصدد إعادة نفسه بالمغرب؟الآن، تمر الأيام وشبابنا أكثر إحباطا ويأسا من أي وقت مضى، لأن إرادة التغيير ما زالت لم تعرف طريقها نحو الانتصار بمغربنا السعيد.. ها هي الانتخابات على الأبواب وأحزابنا لا زالت تكرس انتشار الإحباط باستعمال خطاب الأمل والثقة بالمستقبل، لا يهمها في واقع الأمر، إلا ضمان عدد من الكراسي والبحث عن أشخاص ذوو شعبية داخل أحيائهم، لا يهمها على أي أساس بنيت هذه الشعبية، شرعية كانت أم غير شرعية، أهي مبنية على نفوذ شيد بالعمل في الممنوعات والمحظورات؟ أم يهمها أن فلان أو علان سيضمن لها كرسيا بالبرلمان، ما دام له تأثير في هذه الدائرة الانتخابية أو تلك، هذا هو هم كثيرة من الأحزاب عندنا، إذ لا يهمها أسباب ظهور الإحباط واليأس عند المواطن البسيط، ولا البحث عن كيفية تفعيل دور المهمشين في وطنهم، فما يهم العديد من أحزابنا حاليا، هو البحث عن "فافوري" سباق الانتخابات.. أحزابنا كثيرة ومتعددة، ولا زالت تتكاثر، ومع ذلك لم تقو على إحداث حالة من الحركية السياسية بالمغرب، وليس في مقدورها القيام بذلك ما دامت بلادنا بحاجة الآن، أكثر من أي وقت مضى، إلى تغيير شكل التجربة الحزبية، ما دامت أغلبية أحزابنا فشلت فشلا ذريعا في تفعيل دور رجل الشارع معها، وفي التواصل مع المواطنين، لاسيما الشباب منهم.