أُعلِنَ هذه الليلة توقيع فتح وحماس ممثَّلتيْن برئيس السلطة محمود عباس، ورئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، ورئيس وزراء السلطة إسماعيل هنية على اتفاق يُقِرُّ بشكل واضح صريح (الالتزام) بقرارات القمم العربية، و(الاحترام) لقرارات الشرعية الدولية والاتفاقات التي وقعتها منظمة التحرير الفلسطينية. وكل هذه القرارات والاتفاقات تقر وتعترف بدولة يهود، وهي مقدمة لإزالة بقايا ورقة التوت - إن ظلتْ لها بقايا - التي كانت تغطي المناورات اللفظية ليحل محلها الاعتراف المباشر دون أية قصاصة من ورق! إن التوقيع على الاتفاق المذكور هو كارثة، وقد زاد من فظاعتها وجرأتها على دين الله أمور ثلاثة: أنها وُقِّعت في الشهر الحرام وفي البلد الحرام، والجريمة فيه أشد من غيره {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، والثانية أَنْ صنعوا لها عمليةَ (إخراج) بتصعيد اقتتال أهل السلطة وأهل الحكومة وسفك الدماء البريئة لإدخال الرعب في قلوب أهل فلسطين ليقبلوا بالاتفاق الكارثة حقناً للدماء، ثم الثالثة أَنْ جاء هذا الإقرار والاعتراف بدولة يهود في الوقت الذي هي فيه تصعِّد إجرامها في حفريات المسجد الأقصى وقضمه بالتدريج على مرأىً ومسمع من الحكام والسلطة، وبدلاً من تحريك الجيوش لنصرة الأقصى يوقِّعون الاتفاقيات التي تنص على «الالتزام والاحترام» بقرارات تُقِرُّ كيان يهود المغتصب للأقصى، المرتكب للمجازر فيه!أيها المسلمون: لقد كان واضحاً لكل ذي بصر وبصيرة، منذ أن نجحت (أو أُنجحت) حماس في الانتخابات الفلسطينية بهذه الكثرة الكاثرة من الأصوات، أنَّ شَرَكاً أُعِدَّ لحماس لتوصيلها إلى الحكم لتنتهي إلى ما انتهت إليه فتح من قبل، وهو التدرج في خطوات القبول بكيان يهود والمناورة اللفظية لترويض الأتباع ... إلى حد الاعتراف الصريح بدولة يهود في المحتل من فلسطين 1948 مقابل توقعُّ سماح اليهود بشبه دولة هزيلة في المحتل من فلسطين 1967 أو في جزء منه، وذلك لتحصل دولة يهود على اعتراف الحركات الفلسطينية المغلَّفة بالإسلام كما حصلت من قبل على اعتراف الحركات الفلسطينية المغلفة بالعلمانية والوطنية، فيكون بذلك يهود قد أطبقوا على معظم فلسطين بموافقة من يُسَمُّون أنفسهم بالوطنيين والعلمانيين والإسلاميين، وتعلن دولة يهود بذلك أن احتلالها لفلسطين أصبح شرعياً مستقراً بأمن وسلام!أيها المسلمون: إن فلسطين هي درة بلاد الإسلام، بلد المسرى والمعراج، بلد أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، وهي لا تباع ولا تشترى ولا تقبل المقايضة أو المساومة، فقد أعزها الله وبارك فيها، وأسرى بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى مسجدها الأقصى قبل أن تعلوه راية الإسلام، وذلك إيذاناً بفتح الأقصى وبلد الأقصى، وهكذا كان. لقد فُتحتْ فلسطين في عهد الخليفة الفاروق عمر، ثم احتلها الصليبيون وتحررت من رجسهم في عهد الخليفة الناصر العباسي، وبقيادة صلاح الدين. وقد احتلها اليوم يهود، وهي ستحرَّر منهم بإذن الله كما فُتحتْ وكما حرِّرت أول مرة، وذلك بزحف جيوش المسلمين نحوها {وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ}. ولئن ابتلي المسلمون اليوم بسلطة وبحكام لا يتقون الله بل يوالون أعداء الله، ولا يُعدُّون الجيوش إلى ميدان القتال بل إلى التشريفات والاستقبال، فلا أقل من أن تبقى حالة الحرب قائمةً مع دولة يهود المغتصبة لفلسطين، إلى أن يأتي فاروقها أو ناصرها أو صلاح الدين ... كما بشر بذلك رسول الله (لَتُقَاتِلُنَّ الْيَهُودَ فَلَتَقْتُلُنَّهُمْ)، ويومئذٍ يفرح المؤمنون بنصر الله، وتعود فلسطين كاملةً إلى ديار الإسلام.أيها المسلمون: إن فلسطين تناديكم، وتستغيث بكم أن تنقذوها من احتلال يهود، فإن لم تستطيعوا، أو لم تُمكَّنوا، من إنقاذها اليوم، فلا تقروا احتلال يهود لأي شبر منها، حيث التنازل عن جزء يقود إلى التنازل عن أجزاء، فإنه من يهن يسهلِ الهوان عليه.وإن حزب التحرير يستصرخكم أن لا تُسجِّلوا على أنفسكم عاراً لا يُمحى، وذلاًّ لا يُنسى، وخزياً لا يبلى، فلا تُضَيِّعوا قبلتكم الأولى، ولا معراج نبيكم والمسرى، وإلا أعقب ذلَّكم وخزيَكم في الدنيا عذابٌ في الآخرة أشد وأقسى وذلك هو الخسران المبين.{إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاَغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ}.