في بلدان الشرق الأقصى [خاصة الصين واليابان] نشأ طب أصيل يتمثل في المعالجة بوخز الإبر ومورست هذه التقنية مند سنوات عديدة في بلدان أوربا. وتجدد الإهتمام بهذه الطريقة العلاجية إثر تطبيقها في مجال التخدير الطبي، مند مدة من طرف الأطباء الصينيين عند إجراء عمليات جراحية .ومن الأكيد أن فن المعالجة بوخز الإبر حقق نجاحات مذهلة وهو في طريق التحول إلى علم حقيقي.إذ من المثير للدهشة رغم احتراس أكثر الأطباء الغربيين أن نسجل أن قدماء الصينيين كانوا يتوفرون بفضل الإبر على معدات علاجية متكاملة وفعالة، بينما كان الغرب يعتمد على الجرعات المرة ......ويشمل كتاب عنوانه " ني –كينغ" على معلومات أصول الطب الصيني يرجع تأليفه قبل ثلاثة قرون ويسرد فيه الحوار الذي جرى بين الإمبراطور " هوانغ-تي" [المؤسس الأسطوري للإمبراطورية الصينية] وطبيبه كما يصف أعراض الإنسان المريض وعلاجها بوخز الإبر. وقد حدد قدماء الصينيين تدريجيا المواضع الجسدية التي تستجيب يكيفية معينة لوخزة الإبر ويبلغ عدد هذه المواضيع 365 حسب كتاب " ني-كينغ" .لم يظهر هذا الفن الصيني بفرنسا إلا في أواسط القرن السابع عشر، في عهد لويس الرابع عشر بفصل دراسة المبشرين في الصين أسرار الطب الصيني. وقد أهتم بهذه الطريقة أطباء مرموقين أمثال لاينيك، تروسو، وبروتونو...غير أن القتصل الفرنسي " سوليي دوموران" أصبح في بداية القرن العشرين طبيبا معلما مدخلا هذا العلاج الجديد إلى المجال الطبي. الإنسان والعالم :كان قدماء الصينيين يعتقدون أن الإنسان مخلوق في صورة العالم، وان وجود هذا الأخير ناتج عن توازن قوتين متنافرتين هما " اليين" yin وأن القوة السالبة رمز البرودة والقمر والليل والأنوثة واليانغyabg الموجبة التي تمثل الشمس والحرارة والنهار والرجولة، ومن تصارع هاتين القوتين المتعارضتين تولدت الطاقة، ومن هذه الأخيرة نشأت المادة ، ويتلقى الإنسان هذه القوة من العالم، ويحولها إلى طاقة باطنية بواسطة أعضاء " اليانغ" التي هي المعي الغليظ، والمعي الدقيق، والمرارة، والمعدة، والمثانة، تم يخزنها في أحضاء " اليين" المتمثلة في القلب والرئتين والصحال والكبد والبنكرياس، والكلي، فالإنسان مخلوق إذن من اليين واليانغ وينشأ المرض من اختلال هذين النظامين. وتسري الطاقة، التي هي ينبوع الحياة، في الجسم بثلاثة اشكال هي طاقة السطح التي تحمينا من الهجومات الخارجية، والطاقة الجدودية والتي ورثناها عن أسلافنا بفضل الكروموزومات ] . وأخيرا الطاقة المعدية، وهي أهمها لأنها تغذي أعضاءنا الباطنية وتمدها بالحياة وتتوزع هذه الطاقة الباطنية عبر مسالك تسمى" الخطوط الأصلية" ويتمكن الطبيب من رصدها لأنها مكونة من تعاقب بعض النقط التي هي مواضيع غرز الإبر. ويبلغ هذه الخطوط الأصلية أربعة عشر، حيث هناك خط الكليتين وخط الكبد، والمعدة...هناك تحكم في الوظائف التنفسية والهضمية والتناسلية، فيما هناك تحكم في الدورة الدموية ويكمل " وريد الحمل" الذي هو من خطوط اليين عمل الثلاثية : التنفس الهضم والتناسل أما الوريد" الرئيسي": يانغ فيتكم في الطاقة الجسمانية والفكرية ويراقب كل الوظائف الأخرى، هكذا توجد سبعة خطوط أصلية " يين" وسبعة أخرى" يانغ" تتواصل فيما بينها بأطراف وبمجموعة من الأوردة المعترضة، بحث تسري الطاقة من عضو إلى أخر " وتمكث ساعتين في كل عضو باطني، فهي تغادر المرارة، مثلا في الواحدة صباحا لتتغلغل في الكبد الذي تبرحه في الثالثة لتشمل الرئتين، وهكذا دواليك[ويمكن وضع رسم تخطيط لمسار الطاقة في شكل محيط دائرة مقسمة إلى اثني عشر جزءا متساويا، مدة كل واحد منها ساعتان.ويقال أن الكبد هو " ابن" المرارة، لكنه" ام" الرأتين اعتبارا لاتجاه الدورة، ولذلك يمكن للمعالجة بوخز الإبر أن تركز على " الأم" أو على الإبن لعلاج نفس العضو . زد على ذلك أنه عندما تكون الطاقة في دورتها داخل أحد الأعضاء، تكون في أدنى مستوياتها في العضو المتعارض معه. وينبغي أن أشير أن هذه القاعدة المسماة " منتصف النهار – منتصف الليل" مطابقة لما توصل إليه الطب الحديث، على الصعيد البيولوجي.فنشاط القلب يكون في درجته الدنيا حوالي منتصف الليل، وتبدأ أزمة المغص الكبد عموما في أواخر المساء، كما أن أزمة الربو توقظ المريض حوالي الثالثة صباحا، وهي الفترة التي يصل فيها نشاط كل من المرارة و الرئتين إلى ذروته.لذا فإنه بواسطة الخطوط الأصلية، يمكن للطبيب أن يؤثر في الطاقة ويصل إلى العضو المريض، وان يؤثر خصوصا في بعض " نقط " المسار التي تمثل هذا العضو تم حاليا إحصاء 800 نقطة ويتضمن كل خط أصلي عددا خاصا " بالنسبة للرئتين و45 للمعدة ، إلخ..].يتم التمييز بين نقطة " التقوية [التي يؤدي تحفيزها إلى تجدي الطاقة] ونقطة " التشتت" [ذات المفعول المعاكس] ، ونقطة " الرضا" إلخ ...فالمرض ينجم عن اختلال التوازن بسبب " قوى مفسدة" خارجية كالبرد والحرارة والرطوبة، والجفاف والريح والنار أو باطنية من قبيل القلق والغضب والخوف والانفعال أو الحزن. وعند ظهور المرض، كان الطبيب الصيني لا يتلقى تعويضات إلا عند الشفاء التام لمرضاه، حيث يتفحص 14 نبضا مختلفا، أي نفس عدد الخطوط الأصلية، وينم إيقاعها ومداها عن إفراط أو نقص اليين أو اليانغ في عضو محدد تم ينتقل الطبيب إلى استخدام الإبر وعدد الإصابات التي تعالج بالوخز بالإبر كبير جدا [في ارتفاع الضغط إلى اضطراب العادة الشهرية مرورا بالألام، وحتى بعض الأمراض المعدية.ففي حالة القصور الكلوي نقوم بوخز نقطة التقوية في الخط الأصلي للكلى وعند الصعوبة في التنفس أو ربو أو التهاب رئوي يتم تحفيز نقطة التشتيت ضمن الخط الأصلي للرئتين.المعالجة الحديثة بوخز الإبر:يعتمد الأطباء المعاصرون في التشخيص على تاريخ المرض، دراسة السوابق والفحص العيادي للمريض، وكذا الفحوص البيولوجية والإشعاعية والفحص المنظاري الباطني لإثبات التشخيص العيادي وأمسى الاهتمام بالمريض أكثر عمقا و دراسة ضمن سياقه العائلي والاجتماعي والنفسي اعتبارا لكونه كيانا متكاملا داخل العالم وليس مجرد مريض مثلها يروم ذلك التخصص الطبي الحالي.وإذا كانت الأمراض تتوقف على الأدوية أو الجراحة، فإن بإمكان المعالجة بوخز الإبر مع ذلك أن تخفف بعض أعراضها... وتبقى مفيدة في استكمال العلاج. وتعطي نتائج باهرة في توتر عضلة القلب وبعض إصابات الجهاز الهضمي، وسلسا البول واضطرابات العادة الشهرية وألم الظهر والقلق والأرق، والعجز الجنسي، إلخ.. العلاج عموما على خمس إلى عشر جلسات.وقد تم في الصين إجراء أكثر من 400 ألف عملية جراحية تحت التخدير بوخز الإبر والمريض أثناء العملية لا يفقد الوعي ويعود بمفرده إلى غرفته في الأخير. وتستفيد التدخلات الجراحية من هذه التقنية [قرحة المعدة، استئصال الغدة الدرقية، دمل مبيطي، أو التهاب الزائدة بنسبة نجاح بلغت 90 في المائة ويمكن بفضل ذلك تنحي خطر البنج. المعالجة بالوخز بالإبر أثبتت نجاعتها هذا أمر أكيد .الدكتور عبد المطلب بلحنش