كشف التوتر الذي حدث في الأيام القليلة الماضية بين الجزائر وإسبانيا، عقب تأكيد رئيس الحكومة الإسبانية بيدرو سانشيز، دعم بلاده لمقترح الحكم الذاتي للصحراء تحت السيادة المغربية، عن وجود بعض "التباين" في مواقف كل من الجزائر وجبهة "البوليساريو" على خلاف التناسق الذي كان سائدا بينهما في السابق. وتتجلى أولى إشارات هذا التباين، في مسارعة الجزائر لاتخاذ خطوات مضادة لمدريد في نفس اليوم الذي أعلنت فيه الأخيرة تجديد دعمها للمقترح المغربي للصحراء، دون انتظار رد فعل "البوليساريو"، وكأنها هي المعنية بقضية الصحراء أكثر من الجبهة الانفصالية، بالرغم من أن المسؤولين الجزائريين يؤكدون في كل تصريح رسمي بأن الجزائر ليست طرفا في النزاع. كما أن الجزائر قررت اتخاذ خطوة قطع العلاقات التجارية مع إسبانيا، بالرغم من أن هذه الخطوة لها تأثير سلبي عليها وعلى إسبانيا فقط، دون أي تأثير إيجابي أو سلبي على الجبهة الانفصالية، وبالتالي تبدو الجزائر هنا وكأنها تعزل الجبهة الانفصالية في هذا الصراع القائم على الصحراء وتُقدم نفسها كأنها هي المعنية به. الغريب في الأمر، أنه في خضم هذه "الحرارة" في المواقف الجزائرية، تعاملت جبهة "البوليساريو" الانفصالية من مقرها في تندوف بردود فعل "باردة"، وانتظرت يوما كاملا لتصدر أول بلاغ رسمي ضد التصريحات التي أدلى بها بيدرو سانشيز في 8 يونيو الجاري، حيث استنكرت تجديد دعمه لمقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء واعتبرتها "خيانة للشعب الصحراوي". وعلى خلاف البلاغات السابقة للجبهة الانفصالية، فإنها في بلاغها الرسمي الأخير، لم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى الجزائر، ولم تشد بمواقفها لصالح "القضية الصحراوية"، على الرغم من أن الجزائر اتخذت قرار تعليق معاهدة "الصداقة والتعاون" مع إسبانيا وإيقاف المبادلات التجارية مع مدريد، قبل إصدار "البوليساريو" لبلاغها المذكور. وكانت الجبهة الانفصالية، قد دأبت في السابق على الإشادة بالمواقف الجزائرية واعتبارها الدولة المدافعة عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، إلا أن هذه المرة كانت لغتها مختلفة نوعا ما عما كانت عليه في السابق. كانت تقارير إعلامية عديدة في السابق، تحدثت عن كون أن دعم الجزائر لجبهة "البوليساريو" ليس في الأصل هو دعم بمبدأ الدفاع عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، بقدر ما هو دعم بأمل إنشاء دولة جديدة جنوب المغرب تكون تحت قبضة وتحكم أصحاب القرار في قصر المرادية. عدد من قيادات جبهة "البوليساريو" تعرف هذه "الحقيقية"، وسبق أن كشفت تصريحات مسربة لمسؤولين في الجبهة إشارتهم إلى تحكم الجزائر في "البوليساريو"، فهل زادت قرارات الجزائر الأخيرة ضد إسبانيا من مخاوف هؤلاء المسؤولين في الجبهة؟