1. الرئيسية 2. آراء مدونة للأخلاقيات مدخل لتخليق الحياة العامة هشام الطرشي الأثنين 26 فبراير 2024 - 18:46 شكلت الرسالة الملكية السامية التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله إلى المشاركات والمشاركين في الندوة الوطنية المخلدة للذكرى الستين لإحداث البرلمان المغربي، وما تضمنته من جرد للتراكمات المهمة على المستويات الدستورية والتشريعية والمؤسساتية، خارطة طريق عمل البرلمان بغرفتيه، ومن خلاله الأحزاب السياسية والنقابات العمالية والهيآت المهنية، وبانخراط الإعلام الوطني والمجتمع المدني وعموم المواطنات والمواطنين. ففي الوقت الذي حرص في العاهل المغربي على استحضار الغايات الثلاثة الأساسية لهذه الاحتفالية، وأهم محطات التدرج الديمقراطي والبناء المؤسساتي للنموذج الديمقراطي المغربي، بسط جلالته جملة من التحديات التي ينبغي رفعها للسمو بالعمل البرلماني، والتي تمثلت في ضرورة تغليب المصالح العليا للوطن والمواطنين على غيرها من الحسابات الحزبية، وتخليق الحياة البرلمانية من خلال إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم، وتحقيق الانسجام بين ممارسة الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، فضلا عن العمل على الرفع من جودة النخب البرلمانية والمنتخبة، وتعزيز ولوج النساء والشباب بشكل أكبر إلى المؤسسات التمثيلية. وهي رسائل وتوجيهات لا تهم فقط البرلمان بغرفتيه كمؤسسة تشريعية، مكنها دستور 2011 من صلاحيات أوسع، توطدت باعتبارها مصدرا للتشريع، وتعززت بمهام تقييم السياسات العمومة إلى جانب مراقبة العمل الحكومي، وإنما تسائل كل الفاعلين السياسيين والنقابيين والجمعويين ببلادنا، ومن خلالهم مختلف المؤسسات والمجالس والهيئات ذات الصلة المباشرة أو غير المباشرة بالشأن العام في بعده الوطني، مركزيا، جهويا ومحليا. خصوصا وأن الرسالة الملكية جاءت في سياق تذكير دائم ومستمر، من خلال الخطب الملكية السامية السنوية بمناسبة افتتاح الدورات التشريعية للبرلمان، حيث ما فتئ جلالته يذكر بالأدوار المحورية والهامة لمثلي الأمة من خلال المؤسسة التشريعية، والتحدي الجماعي للسمو بالعمل البرلماني حتى يكون مساهما رئيسيا وفاعلا محوريا في مسار إنضاج النموذج الديمقراطي المغربي. ذلك أن جلالة الملك أكد في خطاب سامي بمناسبة الذكرى 11 لعيد العرش المجيد أن: "محاربة الفساد هي قضية الدولة والمجتمع: الدولة بمؤسساتها، من خلال تفعيل الآليات القانونية لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة، وتجريم كل مظاهرها، والضرب بقوة على أيدي المفسدين، والمجتمع بكل مكوناته، من خلال رفضها، وفضح ممارسيها، والتربية على الابتعاد عنها، مع استحضار مبادئ ديننا الحنيف، والقيم المغربية الأصيلة، القائمة على العفة والنزاهة والكرامة " وبعد أزيد من شهر على الرسالة الملكية للبرلمان، وهي مدة زمنية كافية لرصد وتيرة ومستوى تفاعل الفاعليين السياسيين والنقابيين والجمعويين، ومختلف المؤسسات والمجالس ذات الصلة بتدبير الشأن العام، وإن ظرفيا، مع مضامينها، وباستثناء ما رشح عن الندوة الوطنية من تصريحات تثمن ما جاء في الرسالة الملكية، حيث تم التركيز على أهمية وراهنية بلورة مدونة للأخلاقيات، وما تلى ذلك من تصريحات لفاعلين سياسيين علاقة بالموضوع، فإن حجم التفاعل مع التحديات التي تضمنتها الرسالة الملكية لم يكن بالكثافة والفعالية المنتظرتين من مختلف الفاعلين والمتدخلين. فباستثناء بعض التصريحات والمواقف التي عبرت عنها جمعيات مدنية تعنى بحماية المال العام، وتناقلتها وسائل الإعلام، وما أفرزته محطة المؤتمر الوطني الخامس لحزب الأصالة والمعاصرة، من تصورات وإجراءات تهم تخليق الفضاء الحزبي، من خلال الحديث عن إطلاق ورش إحداث مدونة للأخلاقيات، وهو ما أكده المكتب السياسية لذات الهيئة السياسية في اجتماعه برئاسة القيادة الجماعية للأمانة العامة للحزب، حيث تم تكليف النائبة البرلمانية ورئيسة منظمة نساء الأصالة والمعاصرة، المحامية قلوب فيطح، بتنسيق أشغال هذه الهيئة والإشراف على اللقاءات التشاورية ذات الصلة بموضوع المدونة. فإن باقي مكونات المشهد السياسي لم تصدر عنها إجراءات وقرارات تعكس حجم انخراطها في هذه الدينامية التي تهدف إلى تخليق الحياة العامة. وهنا قد يقول قائل، بأن حزب الأصالة والمعاصرة، هو المعني الأول بمسألة تخليق الحياة الحزبية، وذلك بالنظر للصدمة التي أحدثها خبر اعتقال عضوين فيه على إثر التحقيقات التي تباشرها الجهات المختصة والمرتبطة بالاتجار الدولي في المخدرات. وهو طرح ينسى أو يتناسى أن منتسبين لأحزاب من جل مكونات المشهد الحزبي الوطني، ثبت تورطهم في قضايا فساد وأخرى أخلاقية ذات حمولة إجرامية. كما أنه ولا هيئة سياسية واحدة، قادرة على الجزم بنزاهة جميع أعضائها من مختلف المستويات القيادية، ما يطرح احتمالية تكرار الصدمة التي عاش على وقعها حزب الأصالة والمعاصرة قيادة وقواعدا، مع أحزاب سياسية أخرى. من هذا المنطلق، فإن تأجيل الفاعل الحزبي الخوض في دينامية تخليق الحياة العامة، من خلال وضع ضوابط من داخل المؤسسات الحزبية، تكبح تمدد نفود وتغول من تحوم حولهم شبهات الفساد، يسهم بلا أدنى شك في فرملة عملية تخليق الحياة العامة، ما يؤثر على أداء الأحزاب السياسية، وبالمحصلة على فعالية المؤسسات التمثيلية ومؤسسات ومجالس المحاكة والرقابة. فحرص البرلمان بغرفتيه على إقرار مدونة للأخلاقيات تكون ذات طابع قانوني ملزم، يعول عليه، في مرحلة أولى، أن يسهم في تخليق الحياة العامة، على أن تكون، في مرحلة ثانية، المدخل واللبنة الأساس لإطلاق نقاش وطني حول هذا الورش الهام، تنخرط فيه كل مكونات المجتمع. وهنا يطرح سؤال الفعالية والنجاعة، منطلقه مدى قدرة هذه المدونة على تخليق الحياة العامة، وإلى أي حد سيلتزم الفاعلين والمعنيين بها بمضامينها، وإلى أي حد سيكون طابعها القانوني الملزم مدخلا لمحاربة الفساد وتخليق الحياة العامة، وهو ما يتطلب تعبئة جماعية تنخرط فيها كافة الإدارات والهيئات، والمجتمع المدني والإعلام والمواطنين. لكن المؤكد أن تخليق الحياة العامة في شموليتها، انطلاقا من إقرار مدونة للأخلاقيات في المؤسسة التشريعية بمجلسيها تكون ذات طابع قانوني ملزم، يتطلب بلورة رؤية وطنية عرضانية تعتمد على عدد من المرتكزات تعزز التقائية ونجاعة السياسات العمومية، ووضع آليات الشفافية في تدبير المالية العمومية، وتقييم مدى فعالية ونجاعة الرؤية الخاصة بالحد من الفساد بشكل ملموس التي جعلت من سنة 2025 أفقا لها، تراهن على العنصر البشري، تحسيسا وتوعية وتكوينا ثم رقابة وزجرا، وفق مقاربة تشاركية فعالة وناجعة في كل مراحل هذه الدينامية.