1. الرئيسية 2. آراء تأديب الوكلاء.. أبعاد وحدود سياسة الردع الأمريكي اتجاه محور المقاومة محمد بوبوش الأثنين 12 فبراير 2024 - 23:52 تسعى الولاياتالمتحدة إلى موازنة جهودها لردع المسلحين في العراقوسوريا دون المخاطرة بتوسيع نطاق الصراع في الشرق الأوسط. وتشن واشنطن بين الفينة والأخرى غارات على الميليشيات الإيرانية لتنشيط استراتيجية الردع دون التسبب في خسائر بشرية. وبدأت الولاياتالمتحدة مساء الجمعة/صباح السبت (الثاني، الثالث من فبراير 2024) بشنّ غارات جوّية انتقامية في العراقوسوريا ضدّ فصائل موالية لطهران وقوّات لفيلق القدس، وذلك ردا على هجوم بطائرة مسيرة على قاعدة أمريكية في الأردن نُسب إلى مجموعة تحالف من الميليشيات المدعومة من إيران، وأسفر عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين. إيران الصبر الاستراتيجي.. الاستدراج العسكري تعتمد إيران في استراتيجيتها لتعزيز نفوذها وموازنة القوى الإقليمية والدولية، على الجمع بين الأيديولوجية والبراغماتية، وفي حالة منطقة الشرق الأوسط يساعد الخطاب الأيديولوجي الإيراني الداعم للقضية الفلسطينية، من خلال مواجهة الإمبريالية ْ (الغربية–الأمريكية)، والمعادي إسرائيل، في توفير غطاء لمواصلة دعم الجماعات بالوكالة في لبنان وفلسطين وسوريا َّ، كما أنه يعزز ولاءات تلك الجماعات لإيران. عادةً ما تحاول بعض القوى الدولية استفزاز أطراف أخرى لإجبارها على اتخاذ رد فعل عسكري أو خشن بما يقدم الإسناد لعملية سياسية قائمة بالفعل، أو تخريب مفاوضات، أو بما يضغط على أحد أطراف التفاوض لتقديم تنازلات معينة. ويتم هذا الاستفزاز أو التوريط لأغراض سياسية عن طريق الاستدراج لمواجهة عسكرية. وللغرض نفسه، تعمل الولاياتالمتحدة على تكثيف هجماتها على وكلاء إيران في العراقوسوريا من أجل استدراجهما إلى مواجهة عسكرية. وقد يستهدف الاستدراج العسكري لأغراض سياسية (وهو ما تسعى إليه إيران وحماس) تحقيق أكبر قدر من الخسائر وتحطيم الاقتصاد بهدف تحفيز الشعب، وربما الجنود، على التمرد والانقاب على القياد السياسية، فلا شيء يضعف الروح المعنوية للجنود أكثر من رؤيتهم جثث زملائهم متراكمة بعضها فوق بعض في ظل غياب خطة واضحة لتحويل الهزيمة المستمرة إلى نصر؛ ما قد يحفزهم على التمرد، وسرعان ما يتسرَّب انطباع إلى الشعب في الداخل"، بأن قيادته السياسية إما عاجزة أو تورطت في حرب أكبر من قدراتها؛ ما قد يحفز ظروف الانقلاب على القيادة (حكومة نتنياهو بسبب عجزها عن تحقيق الأهداف و إرجاع الأسرى، وهو الهدف الذي تهتم به (إيران ووكلائها خاصة حركة حماس) والتي من شأنها أن تتكامل مع خسائر الحرب في تحفيز ضغط الشارع الاسرائيلي وبعض العسكريين على القيادة السياسية التي ورطت الباد في الحرب التي تم استدراجها لها، والمناداة برحيل نتنياهو وحكومته. لا زالت إيران التي تلعب دور"الراعي" sponsor الجهة المستفيدة من تطور المواجهات في غزة مستغلة اندلاع المواجهات بين إسرائيل وحركة حماس، في محاولة منها لاستدراج الولاياتالمتحدةالأمريكية. وباستقراء حالات التدخل الإيراني في دول الجوار الإقليمي الأخرى ولاسيما العراقوسورياولبنان، يلاحظ أن إيران تستند في تدخلاتها إلى ثلاثة اعتبارات أساسية، تعد بمثابة خطة عمل إيرانية لتحقيق الأهداف المتعلقة بالتغلغل وتوسيع مجال النفوذ والهيمنة في المنطقة، وهذه الاعتبارات هي: الاعتبار الأول: محاولة الاستفادة من الانقسام والفوضى وعدم الاستقرار وضعف السلطة المركزية لاختراق الدول، ومن ثم استغلال الانقسامات بين النخب السياسية المختلفة عبر دعم الفصائل القريبة من إيران مذهبيا أو المتفقة معها في التوجهات. وذلك من خلال السعي لإقامة شراكات مع الفاعلين غير الرسميين (الفاعلين دون الدول)، وخصوصا الجماعات الرافضة للأوضاع القائمة سواء على المستوى المحلي، نتيجة لتصور هذه الجماعات أنها مهمشة سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، أو أن نصيبها من النفوذ والسلطة لا يلبي طموحاتها السياسية، أو على المستوى الإقليمي، نتيجة لعدم رضا هذه الجماعات عن التوازنات الإقليمية القائمة، لتصورها أن هذه التوازنات تميل لصالح من تعدهم خصوما لها والمتمثلين في الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدةالأمريكية. الاعتبار الثاني: اعتماد إيران على الاستثمار السياسي طويل الأجل في دعم شركائها أو الموالين لها من الفاعلين دون الدول، وذلك من خلال انتقاء واستقطاب الجماعات أو الفصائل التي تمتلك إمكانيات أفضل، أو تحظى بفرص أكبر للنجاح مستقبلاً وتوثيق علاقاتها بها، وتشجيعها ودعمها سياسيا وماليا وعسكريا، بما يفضي في نهاية المطاف إلى تمكين هذه الجماعات أو الفصائل من تقليد الحكم إلى الوصول إلى مواقع سياسية حيوية ومؤثرة في دولها، وينطبق هذا على دعم إيران للعديد من الفصائل والتنظيمات العراقية الشيعية، ودعم حزب الله في لبنان، ودعم الحوثيين في اليمن. الاعتبار الثالث: تشجيع الجماعات أو الفصائل الموالية لإيران على العمل على مستويين: المستوى الأول داخل إطار الهيكل السياسي الرسمي للدول عبر المشاركة في العملية السياسية في إطار مؤسسات الحكم الرسمية، حتى يكون لهذه الجماعات دور حاسم في القرارات الرئيسية لدولها، والمستوى الثاني: خارج إطار الهيكل السياسي الرسمي للدول أو بالتوازي معه، من خلال امتلاك هذه الجماعات لبنى تنظيمية مغلقة، ومصادر تمويل مستقلة وأذرع عسكرية خاصة بها، بما يتيح لها إمكانية تقويض النظام السياسي القائم، مثلما هو الحال سواء في حالة الحوثيين في اليمن، أو في حالة "حزب الله" في لبنان. إن تقييم الموقف بهذه الصورة سمح لإيران أن تشعر بكونها محميةً من التعرض لأي هجوم مباشر، وذلك من خلال تقديم نفسها على أنها غير منخرطةٍ في الحرب، وأنها لا تتحكم في قرارات وكلائها. حيث قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في مقابلةٍ مع شبكة CBS الأمريكية منتصف شهر نوفمبر2023: "إن تلك الجماعات التي تهاجم المصالح الأمريكية في العراقوسوريا تتخذ قراراتها من تلقاء نفسها". هناك بالفعل عدد كبير من القواعد ومخازن الأسلحة وأماكن التدريب في جميع أنحاء العراقوسوريا، وهي تابعة لعدد كبير من الميليشيات المدعومة من إيران. يتم تدريب هذه الميليشيات وتجهيزها وتمويلها من جانب فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، لكنه لا يقوم بالضرورة بتوجيه هذه المليشيات. ولدى إيران استراتيجية ثابتة، وهي جعل الصراعات خارج حدودها، وهو الدافع الرئيسي لخلق ميليشيات موالية لها في الإقليم، لتضع خطا أحمر وهو عدم مواجهة الخصوم على الأرض الإيرانية مهما كلف الأمر. بالنسبة لطهران، تكمن قوة المحور في إمكانية الإنكار المعقولة التي تأتي من الاستقلال التشغيلي والإقليمي لكل عضو.حيث تستطيع إيران أن تنأى بنفسها عن الميليشيات عندما تخدم أفعالها مصالح إيران الاستراتيجية في المنطقة ووفقا لبعض الصحف فإن إيران في النهاية قامت ببناء محور من الميليشيات لضمان بقائها، وليس بقاء أحد أذرعها مثل حماس والذي بالرغم من أنها تعتبر حليفا مهما فإن إيران لن تخاطر بتدمير شريكها الأقوى حزب الله من أجل حماس أو غزة. حدود سياسة سياسة الردع الأمريكي سجل موقف واشنطن تخاذلا على المستوى الإنساني ورسّخ لفرضية "الدعم الإسرائيلي المُطلق"، بما يُعد بمثابة "ضوء أخضر" للتحرك الإسرائيلي وفقاً لسياسات " الأرض المحروقة" و"الإبادة الجماعية" ضد الشعب الفلسطيني، والتدمير الشامل للبنى التحتية والمباني السكنية والمساجد والمرافق الصحية بقطاع غزة. وجاء ذلك على مستويين، الأول: يتمثل في المستوى السياسي والدبلوماسي عبر البيانات الرسمية المؤيدة للعملية الإسرائيلية، فضلاً عن زيارة الرئيس الديمقراطي "جو بايدن" لإسرائيل وإعلانه الدعم الكامل، وثانياً: يتمثل في المستوى العسكري عبر تعزيز وضع القوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. فعلى سبيل المثال: أرسلت واشنطن حاملة الطائرات البحرية "جيرالد. ر. فورد"، وكذلك حاملة الطائرات " يو إس إس أيزنهاور" ومجموعة من السفن الحربية التابعة لها في شرق المتوسط، وذلك لهدفين: ما يتعلق بترسيخ الدعم الأمريكي لإسرائيل والمساعدة في استعادة هيبة "الردع الإسرائيلي، والهدف الآخر ما يتعلق بتعزيز "الردع الإقليمي"، مع تنامي فرضيات "الحرب المفتوحة" ودخول أطراف أخرى دائرة الصراع القائم مثل إيران وحزب الله والميلشيات المسلحة في سوريا. وقد اشتبك المسلحون المدعومون من إيران في العراقوسوريا منذ فترة طويلة مع القوات الأميركية وقوات التحالف، وشنوا هجمات متفرقة على قواعد في المنطقة التي تنتشر عبرها القوات الساعية لمحاربة مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية. (قاعدة عين الأسد كمثال). لكن ارتفاع عدد القتلى المدنيين في الحرب الإسرائيلية ضد حماس سبّب ارتفاعا كبيرا في الهجمات التي يشنها وكلاء إيران الذين ينشطون تحت اسم المقاومة الإسلامية في العراق. وتعرضت القوات الأمريكية في المنطقة لعدد من الهجمات منذ الهجوم الإرهابي الذي نفذته حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، والرد الإسرائيلي المتواصل في غزة. ومنذ 18 أكتوبر 2023، عدّ الجيش الأمريكي ما لا يقل عن 166 هجومًا على المنشآت العسكرية الأمريكية. ومن هذه الهجمات، 67 هجمة في العراق و98 في سوريا (حتى 30 يناير 2024). لكن الهجوم الذي وقع في الأردن كان الأكبر من نوعه، وقد أسفر لأول مرة عن مقتل جنود أمريكيين منذ اندلاع الحرب الحالية في غزة.، ويرى البعض أن من نفّذ هجوم قاعدة البرج22 استطاع بضربة واحدة أن ينقل الحملة التي تقودها الولاياتالمتحدة في العراقوسوريا من الهامش إلى مركز الاهتمام في صورة الشرق الأوسط الراهنة"، وجعل كلا من مناصري الولاياتالمتحدة ومناهضيها في المنطقة يترقبون كيف سيأتي الرد الأمريكي. يدافع البنتاغون عن هذه الخيارات بالقول إن الولاياتالمتحدة تضرب مواقع الحرس الثوري الإيراني، وهو ما يسبب تأثيرا مباشرا أكثر على طهران. ويقول المسؤولون إن الهدف يكمن في الضغط على إيران لإخبار الميليشيات بوقف الهجمات. ويقولون أيضا إن المواقع تم اختيارها لأنها مستودعات أسلحة ومراكز لوجستية تعتمدها الميليشيات المرتبطة بإيران، وسيقوض تدميرها قدرات المتمرّدين الهجومية. تغامر بوجودها وجنودها ومصالحها ومكانتها في الشرق الأوسط، وتشن هجمات عسكرية ضد اليمن والعراقوسوريا وتضغط وتهدد لبنان"، في حين أن على تلك الإدارة فقط أن تُرغم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو على وقف الحرب في غزة لأن "هذا هو الشيء الوحيد الذي يوفّر على واشنطن كل هذا التصعيد وهذه المغامرات العسكرية غير محسوبة العواقب". تعرف الولاياتالمتحدة من هي هذه المليشيات وأين تتواجد. ويمكنها بسهولة تنفيذ المزيد من الضربات الصاروخية الموجهة بدقة على هذه القواعد، لكن هذه الهجمات فشلت حتى الآن في ردع تلك الميليشيات، التي نفذت أكثر من 170 هجوما على القواعد الأمريكية في المنطقة منذ 7 أكتوبر2023. أعلنت جماعة تطلق على نفسها اسم المقاومة الإسلامية في العراق مسؤوليتها عن الهجوم الأخير على القوات الأمريكية في الأردن. وهذا مصطلح شامل لعدد من الميليشيات المدعومة من إيران، والتي من المفارقات أن بعضها قاتل سابقا إلى جانب القوات الأمريكية عندما ظهر تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) كعدو مشترك لهما معا. وهدف هذه المليشيات مع إيران هو طرد الجيش الأمريكي من العراقوسوريا ومعاقبة الولاياتالمتحدة على دعمها العسكري لإسرائيل. يوجد في المؤسسة الأمريكية من يدفعون بأن ضرب الولاياتالمتحدة المصالح الإيرانية الآن أمر غير مسؤول خاصة في عام الانتخابات، بحجة أن تصاعد التوترات الحالية في الشرق الأوسط. إن القيادة المركزية الأمريكية، وهي جزء من وزارة الدفاع الأمريكية تتولى مسؤولية الشرق الأوسط، مشغولة بالفعل بمكافحة هجمات الحوثيين على طرق الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن. وستستمع أيضا إلى مناشدات حلفاء الولاياتالمتحدة في جميع أنحاء المنطقة بعدم إثارة صراع أوسع في الشرق الأوسط. لكن من المرجح أن يتراجع هذا الرأي أمام الذين يقولون إن سياسة الردع الأمريكية حتى الآن قد فشلت، وأن عدم رد واشنطن بقوة على من يستهدفون قواعدها سوف يشجعهم على شن المزيد من هذه الهجمات. هناك عامل زمني في كل هذا، فقد يزعم البعض أن المبالغة الكبيرة في ردود الفعل العسكرية الأمريكية قد لا تكون ضرورية أو تستحق المخاطرة على المدى الطويل. أولا: لأن الميليشيات المدعومة من إيران تشن هجمات على القواعد الأمريكية قبل اندلاع الحرب بين إسرائيل وحماس في غزة، لكنها بالطبع ازدادت بشكل كبير منذ 7 أكتوبر. ويعني هذا أنه بمجرد انتهاء الهجوم الإسرائيلي على غزة، قد تهدأ التوترات في المنطقة، على الرغم من أن إسرائيل تحذر من أن حربها في غزة سوف تستمر لأشهر. ثانيا: تعالت أصوات البعض في واشنطن بضرورة تقليص الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط. وبينما كان الرئيس ترامب في الحكم، حاولت قيادات في الجيش والاستخبارات إقناعه بعدم سحب جميع القوات الأمريكية من سوريا، والتي كانت تساعد القوات الكردية في منع عودة تنظيم الدولة مرة أخرى. هناك احتمال قوي أنه في حالة عودة ترامب إلى البيت الأبيض في غضون عام، فإن إيران سوف تتقدم، إذا قرر خفض الوجود الأمريكي في العراقوسوريا. على الرغم من أن الرد الأمريكي له عنصر عسكري، إلا أن واشنطن لديها مجموعة واسعة من الخيارات والإجراءات السياسية والدبلوماسية في جعبتها، من بينها الدخول في مفاوضات مع إيران للبحث عن حل سياسي. ومع ذلك، من المرجح أكثر أن الولاياتالمتحدة ستواصل عزل إيران على المسرح الدولي من أجل زيادة الضغط على النظام في ظهران. وقد تشمل الإجراءات السياسية المحتملة للضغط على قادة النظام، تشديد العقوبات الاقتصادية وتقييد حرية التحركات المالية الخاصة بهم وذلك عبر دول أخرى ومؤسسات دولية. لقد سارعت الولاياتالمتحدةالأمريكية لتعزيز وجودها العسكري في المنطقة على الفور بعد الهجوم على إسرائيل من قبل حركة حماس، المصنفة من قبل ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولاياتالمتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية. وقد تفعل واشنطن الشيء نفسه بعد الهجوم في الأردن لزيادة الردع. قد تُحسن كذلك من قدراتها التقنية للدفاع عن قواتها ضد الهجمات بالطائرات المسيرة، وتجهيز حلفائها في المنطقة بشكل أفضل. أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة-المغرب