1. الرئيسية 2. اقتصاد هل يمكن أن يغير بنك اليابان سياسته النقدية فائقة المرونة في 2023 الصحيفة - متابعة الأحد 8 يناير 2023 - 12:42 في الوقت الذي لجأت فيه كافة البنوك المركزية في العالم تقريبًا إلى تشديد سياستها النقدية لمواجهة تفاقم الضغوط التضخمية طوال العام 2022، غرد بنك اليابان خارج السرب من خلال إبقاء سياسته النقدية فائقة المرونة، وذلك في محاولة لحلحلة الظروف الانكماشية التي يمر بها ثالث أكبر اقتصاد في العالم منذ ما يربو عن عقدين. وبحسب قراءة تحليلية لخبراء الأسواق المالية لدى easyMarkets أبقى البنك المركزي على أدواته المعتادة لتيسير السياسة النقدية، بما في ذلك سعر الفائدة السلبية واستهداف منحنى العائد، حتى برغم الارتفاع النسبي في معدلات التضخم باليابان، بالإضافة إلى برامج التسهيل الكمي، والتي تركز على شراء السندات الحكومية دون حد أقصى لإبقاء العائد على الديون طويلة الأجل عند مستوى صفر في المائة تقريبًا. وبرغم تكهنات بعض الخبراء بشأن تبني بنك اليابان لفكرة إجراء بعض التغييرات في سياسته النقدية، خصوصًا بعد تهاوي سعر صرف الين أمام الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى في 25 عامًا، إلا أن أغلب هذه الرهانات لم تكن صحيحة حتى نهاية العام. أشار المحافظ هاروهيكو كورودا وعدد من الأعضاء الآخرين إلى أنه لا يوجد ما يستدعي حقيقةً إحداث مثل هذا التحول المرتقب، حتى برغم إبداء القلق بشأن التهاوي السريع لقيمة الين. في هذا السياق، اكتفى البنك المركزي بإجراءات التدخل اللفظي، ثم تلاها التدخل في سوق صرف العملات لمرتين على الأقل لبيع الدولار الأمريكي، في محاولة لدعم العملة المحلية. أما بالنسبة للعامل الأكثر أهمية، وهو ارتفاع معدلات التضخم أشار البنك المركزي إلى أنه يرى أن القفزة الأخيرة في أسعار المستهلكين تحركها عوامل مؤقتة، مثل ارتفاع أسعار النفط واضطراب سلاسل الإمدادات جراء فيروس كورونا. وقال كورودا أن صانعي السياسة النقدية يرغبون في رؤية ارتفاع مستدام في مؤشر أسعار المستهلكين، على الأقل لبضعة أشهر، قبل التفكير في مراجعة حزمة إجراءات التيسير الكمي. برغم ذلك، وبعد فترة من العناد، بدأت ملامح التغير المرتقب في السياسة النقدية تلوح في الأفق. ويرى أنصار هذه الفكرة أنه برغم الاعتراف بأن ارتفاع التضخم في اليابان ناتج عن زيادة كبيرة في تكلفة الاستيراد من الخارج، وليست عوامل محلية مثل تحسن الطلب أو غيره، إلا أن ضعف الين الياباني يُضخم من هذه المشكلة ويضع الحكومة والبنك المركزي تحت ضغوط شعبية. بدأت هذه الرهانات تؤتي ثمارها في نهاية ديسمبر، حيث أعلن بنك اليابان في خطوة مفاجئة عن السماح لأسعار الفائدة طويلة الأجل بالتحرك خارج النطاق المستهدف لمنحنى العائد. وبرغم التأكيد على استعداده لشراء السندات دون سقف، إلا أن الخطوة في حد ذاتها تعتبر تمهيدًا لتشديد السياسة النقدية بأكثر من كونها سحبًا فعليًا للحوافز الحالية. الجدير بالذكر أن مؤشر أسعار المستهلكين بقيمته الأساسية قد قفز في نوفمبر إلى 3.7%، وهو أعلى مستوى منذ عام 1981. ولمزيد من الإيضاح، فإن سياسة المركزي الياباني تستهدف إبقاء منحنى العائد لأسعار الفائدة قصيرة الأجل عند -0.1% وقريبة من الصفر بالنسبة للسندات الحكومية لأجل 10 سنوات. التغير المذكور ينطوي على السماح بتحرك عائد السندات طويلة الأجل صعودًا وانخفاضًا بمقدار 50 نقطة أساس حول المستوى المستهدف، أي 0%، وذلك مقارنةً مع 25 نقطة أساس في السابق. وأظهر استطلاع نشرته رويترز مؤخرًا أن نحو نصف الخبراء المهتمين بالاقتصاد الياباني يتوقعون مراجعة قريبة للسياسة النقدية. وبالإضافة إلى العوامل سالفة الذكر، يرى هؤلاء أن لجوء الحكومة إلى تمويل الارتفاع التاريخي في نفقات الدفاع من خلال زيادة الضرائب ستجعل منها أكثر حرصًا على تهدئة التضخم المحلي. قد تتمثل الخطوة التالية، والتي ستعتبر الإشارة الأكثر وضوحًا على تغيير نهج السياسة النقدية، في رفع توقعات التضخم خلال 2023 و2024. سيعزز مثل هذا الرفع من تكهنات السوق بأن يتخلى البنك المركزي عن هدف التضخم بالتوازي مع الارتفاعات المرتقبة في الأجور، وهي الخطوة التي أشار نائب المحافظ ماسايوشي أماميا بالفعل إلى إمكانية مناقشتها في المرحلة اللاحقة. وسيمثل الربع الأول من 2023 موعدًا هامًا لقياس مدى جدية هذه التغييرات المرتقبة، خصوصًا وأنه يتزامن مع المفاوضات السنوية لرفع الأجور، وسط توقعات بزيادات غير مسبوقة بسبب تفاقم الضغوط التضخمية. وبشكل أكثر تحديدًا، إذا نجحت المفاوضات في تطبيق زيادة بنسبة 3% من الأجر الأساسي فأكثر، فإن هذا قد يكون كافيًا للحفاظ على مؤشر أسعار المستهلكين عند 2% على الأقل. ويزداد اهتمام السوق بشأن إجراء تقييم شامل للسياسة النقدية فائقة المرونة قبيل نهاية فترة ولاية كورودا كحاكم لبنك اليابان المركزي بعد أكثر من عقد. وأشار بعض الخلفاء المحتملين إلى نيتهم إجراء هذه المراجعة إذا ما تولوا المنصب خلال الشهور القادمة. وبعيدًا عن شخصية الحاكم الجديد للبنك المركزي، يرى بعض الخبراء أن الوقت قد حان لمراجعة سياسة التسهيل الكمي ككل، خصوصًا وأنه من المعروف تاريخيًا أن تأثيرها القوي يتلاشى بعد فترة من الوقت، ثم تبدأ في إحداث تشوهات غير مرغوبة على مستوى الأسواق المالية والاقتصاد ككل. على سبيل المثال، فإن بيئة تدني أسعار الفائدة تشجع الشركات غير الناجحة على البقاء لأنها تستطيع اقتراض الأموال بتكلفة زهيدة، وربما بدون تكلفة على الإطلاق. أيضًا من بين الأعراض الجانبية الأخرى للسياسة النقدية فائقة التوسع تراجع الانضباط المالي للحكومة لأنها تضمن أن البنك المركزي سيشتري أي كمية تطرحها من السندات، ما يجعلهم أقل اهتمامًا بموازنة الإيرادات والنفقات العامة. تعاني البنوك أيضًا من تراجع هوامش الأرباح بسبب تلاشي الفارق بين الفوائد طويلة الأجل التي تتلاقاها من المقترضين وقصيرة الأجل التي تدفعها على الإيداعات. في الختام، يبدو واضحًا من مراقبة التطورات الداخلية في اليابان، وكذلك اتجاهات الاقتصاد العالمي، أن البنك المركزي سيضطر عاجلاً أو آجلاً إلى تعديل سياسته النقدية في ظل وجود مبررات قوية لهذه المراجعة الشاملة. وعلاوة على ذلك، فإن تذمر المستهلكين من ارتفاعات الأسعار بسبب ضعف الين وارتفاع أعباء الاستيراد ستُسرع من وتيرة إجراء التغييرات المرتقبة، سواء بضغط شعبي مباشر، أو بشكل غير مباشر من خلال رفع الأجور بنسبة كبيرة في الربيع القادم.